الإثنين 6 مايو 2024

الحوار الوطني .. جدول أعمال الجمهورية الجديدة


د. طارق فهمي

مقالات10-7-2023 | 10:54

يدشن الحوار الوطني في مصر في خاتمة توصياته المطروحة  لمرحلة جديدة في المسار السياسي للدولة المصرية الجديدة  عبر تأسيس الجمهورية الجديدة بكل أسسها ومرتكزاتها
الحوار الوطني فرصة حقيقية لجميع الأطراف، التي تمثل الدولة الوطنية، بما فيها أحزاب المعارضة بمختلف التيارات السياسية، المؤمنة بفكرة الوطن واستقراره
نجاح الحوار الوطني مسئولية مشتركة، وهدف الحوار الوطني في محصلته الأخيرة هو الوصول إلى مخرجات عملية تصب في مصلحة الوطن والمواطن

 

تتطلب المتغيرات التي يشهدها العالم حاليا في المجالات السياسية والاقتصادية من الأحزاب والقوى السياسية الوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة الوطنية لمواجهة تلك التحديات وعبور هذه المرحلة الصعبة من التاريخ السياسي على اعتبار أن الحوار الوطني الجاري بين القوى السياسية والمجتمعية  نقطة بداية حقيقية لبناء حياة حزبية وديمقراطية قوية، تقوم على التعددية السياسية وتحقيق الزخم الحقيقي والمصداقية وتدشين لمرحلة جديدة في المسار السياسي للدولة، بعد أن عبرت الدولة المصرية بثقة كبيرة  وعبر مخطط أمني وسياسي ناجح كل التهديدات والمخاطر الأمنية التي كانت تضعها في حالة استثنائية.

يدشن الحوار الوطني في مصر في خاتمة توصياته المطروحة لمرحلة جديدة في المسار السياسي للدولة المصرية الجديدة عبر تأسيس الجمهورية الجديدة بكل أسسها ومرتكزاتها، ورغبة فى توسيع قاعدة المشاركة حيث  تمت دعوة ممثلى جميع فئات المجتمع المصري، لضمان تمثيل الجميع فى الحوار، وذلك فى إطار تدشين مرحلة جديدة في المسار السياسي للدولة المصرية نحو مرحلة جديدة تقبل بمساهمة ومشاركة الجميع.

 وقد طرحت دعوة الحوار الوطني العديد من الآمال والآفاق المرتهنة بالقدرة على أن يمثل الحوار بداية وانطلاقة للوقوف على حجم التغيرات والمستجدات التي شهدها المجتمع المصري منذ 2011، وما فرضته تلك المتغيرات الصعبة والطارئة  من تعميق لتداعيات قضايا قديمة وممتدة، وما يعكسه الواقع الراهن من تحديات تمس النسيج والبنيان الاجتماعي وبناء المناعة الوطنية للدولة المصرية في السنوات المقبلة.

وعلي اعتبار أن الحوار الوطني، هو فرصة حقيقية لجميع الأطراف، التي تمثل الدولة الوطنية، بما فيها أحزاب المعارضة بمختلف التيارات السياسية، المؤمنة بفكرة الوطن واستقراره، وفى نفس الوقت فإن هذا الحوار لم يقبل أي فصيل رفع السلاح في وجه المصريين  وقد شاركت أربعة قوى سياسية في المجتمع إضافة إلى القوى والشخصيات المستقلة، والتي تعمل تحت سقف الوطن بكل أولوياته، هى اليسار وقوى اليمين وتضم الوفديين والليبراليين وغيرهم من أنصار الاقتصاد الحر. أما القوى الثالثة فهى الإسلاميين من غير الإخوان أما التيار الأخير، هو تيار الوسط وهو يضم الكثير والكثير من القوى الحزبية  والسياسية الراهنة مع التأكيد على عدم وجود خطوط حمراء في مواجهة أي أفكار أو آراء، جرى طرحها في جلسات الحوار، وأن القضايا الثلاث التي تم الاتفاق على استبعادها من المناقشات هي فقط (تعديل الدستور، وقضايا الأمن القومي، والسياسة الخارجية).

إن نجاح الحوار الوطني في المستهدف الرئيسي منه -وكخلاصة نهائية لما جري- يتوقف على إرادة القوى السياسية لبناء دولة أو نظام سياسي ديمقراطي، قائم على التعددية وحكم القانون والمواطنة والمساواة وفصل الدين عن السياسة واحترام قواعد وأسس النظام الاقتصادي الرأسمالي، مع الإيمان بمسؤولية الدولة عن العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير وفتح المجال العام.

والواقع أنه يمكن أن تمثل أجندة الحوار بمحاورها المتعددة مدخلاً لبناء الرؤى المشتركة حول مقومات ترسيخ مفهوم الدولة الوطنية المبنية على أسس المواطنة والقانون والمؤسسات، كمنهاج عمل وطني لمواجهة العديد من المظاهر المجتمعية السلبية وما يكتنفها من مظاهر خلل تعكسه العديد من التفاعلات الاجتماعية، مثل: قضايا التطرف الدينى واللا دينى والعنف، والاستقطاب السياسى، والسيولة الاجتماعية، وتنامى مؤشرات الانغلاق والتجزر المجتمعى على المستوى الاجتماعى والاقتصادى والسياسى والثقافى والفكرى، واتساع الفجوة الجيلية لاسيما بين أجيال المراهقين والنشء والشباب على مستوى الأفكار والهوية والانتماء والنظرة إلى المجتمع  والدولة. بمعنى أدق إن تراجع درجات التجانس والتماسك المجتمعى مع التحديات الاقتصادية والاستقطاب السياسي يتطلب بناء منظومة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية الفعالة والمستندة إلى رؤية وقناعات مجتمعية داعمة للإصلاح والبناء.

ولأن العمل يجري بروح وثّابة وعزم أكيد نحو إرساء دعائم الجمهورية الجديدة في البلاد، وسط تطلع الغالبية العظمى من الشعب والنخبة المصرية إلى استكمال بناء الدولة التي تتسع وتقبل بالجميع، فإن هناك قضايا مُلحة وأولى بالرعاية، تحتاج إلى حسم، وهو ما نستهدفه إذ لابد أن يسفر الحوار توافقًا في الآراء حول خطة عمل وطني، تؤكد هذه المساعي الدءوبة في بناء الجمهورية الجديدة منها تعزيز قوة الدولة، واستكمال عملية التقدم عبر الانتباه المستمر لملفات حيوية وقضايا مستمرة كقضية التعليم التي تواجه تحديات كبيرة في ظل الانتقال إلى مرحلة جديدة من الأساليب والأنظمة التي تتناسب مع تطلعات المجتمع نحو آفاق مستقبلية آمنة، ذلك أن مشكلات التعليم تتجدد بين ندرة المقاعد الدراسية، والتعامل بنظام التابلت كوسيلة تعليمية أحادية، وما يتعلق بها من مستوى قوة وضعف شبكة الإنترنت ونظم الامتحانات، وبالتالي الشكاوى المستمرة لأوياء الأمور؛ حيث اختلاف البيئات المجتمعية والتي تختلف وفقًا لها مستويات تقبل طرق التحصيل والامتحانات وما إلى ذلك، ويحتاج الأمر  إلى المزيد لتلافي جميع المشكلات في قضية مهمة مثل التعليم الذي يواجه تحديات تمثل عائقاً حقيقياً أمام العملية التعليمية التي ترتبط بمحاور المعلم والطالب والمدرسة والمنهج الدراسي.

إن نجاح الحوار الوطنى يجب أن تكون نتائجه وتوصياته ملزمة وتنفذ بشكل سريع وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تحقيق الاستقرار المأمول وزيادة فرص توفير مناخ مناسب للتنمية وجذب الاستثمارات، وعودة الصناعات الوطنية، وتقليل مساحة الاستيراد لصالح الصناعة الوطنية، والقدرة على الإنتاج والمنافسة العالمية، عبر المساهمة فى تطوير التعليم وجعل مخرجاته مناسبة للأسواق داخليًا وخارجيًا وكذلك توسيع الرقعة الزراعية، وتطوير البحوث فى مجال المزروعات حفاظًا على المياه والتقليل من الهدر، وتوفير السلع الأساسية والغذاء دون الاعتماد على الخارج لتجنب أى أزمات دولية متوقعة خاصة مع التركيز على قضايا الاستثمارات العامة، أولويات الاستثمارات العامة وآليات تمويلها، وما يتعلق بملكية وإدارة أصول الدولة.  وكذلك الاتفاق الكامل بشأن موضوعات تتعلق بدور الدولة في توفير مستلزمات الإنتاج ودورها في دعم وتنمية القطاع الزراعي وما يرتبط بالائتمان والديون.

ومعلوم أن القطاع الزراعي يواجه تحديات مثل تفتيت الرقعة الزراعية ومحدودية الموارد المائية، وبالتالي توجهت الدول لإعادة استخدام المياه المعالجة إضافة إلى حسم بعض الملفات وأهمها التقاوي والأسمدة والمبيدات، والائتمان الزراعي والقروض وغيرها من القضايا المعلقة.

إن دعوة الرئيس السيسي لرموز مختلفة للمشاركة في الحوار، وكذلك توسيع لجنة العفو الرئاسي لتضم أطيافاً سياسية أخرى، مؤشرات إيجابية جنباً إلى جنب مع فتح المجال ومشاركة الأحزاب السياسية والاستعداد للنظر في قانون الحريات وأن هناك ضغط الأزمة الاقتصادية سيكون دافعاً إلى فتح الاقتصاد أمام القطاع الخاص مجدداً.

 ومن ثم يجب اعتبار الحوار الوطني  فرصة حقيقية مطروحة من قبل القيادة السياسية الوطنية لجميع الأطراف، التى تمثل الدولة الوطنية، بما فيها أحزاب المعارضة بمختلف التيارات السياسية، المؤمنة بفكرة الوطن واستقراره، وفى نفس الوقت فإن هذا الحوار لم يقبل أى فصيل رفع السلاح فى وجه المصريين، أو ساهم فى إرهابهم بكل الوسائل، أو تطاول على جيشهم الوطنى الرشيد أو قيادته. فالحوار الوطني فرصة لكل المصريين، فرصة لأن تجدد مصر حيويتها ودمائها بأفكار جديدة نابعة من كل أرجاء الدولة المصرية، وسط تحديات دولية وإقليمية وداخلية.. لكن فى النهاية تظل مصر قادرة على تجاوزها.

إن المأمول من دعوة الحوار الوطني طرح العديد من الآمال والآفاق المرتهنة بالقدرة على أن يمثل الحوار بداية وانطلاقة للوقوف على حجم التغيرات والمستجدات التي شهدها المجتمع المصري في سنواته الاخيرة، وما فرضته تلك المتغيرات من تعميق لتداعيات قضايا قديمة وممتدة، وما يعكسه الواقع الراهن من تحديات تمس النسيج والبنيان الاجتماعي.

في المجمل.. إن الحوار الوطني سيؤدي إلى اقتراحات بتعديلات تشريعية وإجراءات تتخذها الحكومة، على أن يرفَع الأمر لرئيس الجمهورية الذي يختار ما الذي سيسير في طريق التطبيق الفعلي الجاد  من أجل خدمة هذا الوطن،  وفي ظل جمهورية جديدة.

 وختاما فإن نجاح الحوار الوطني مسئولية مشتركة للجميع وليس ساحة للمناظرات، وهدف الحوار الوطني في محصلته الأخيرة  الوصول إلى مخرجات عملية تصب في مصلحة الوطن والمواطن، ومن ثم تكون قابلة للتنفيذ على أرض الواقع في ضوء الإمكانيات المتاحة مع البناء على القواسم المشتركة وتحديد أولويات العمل الوطني خاصة وأن المناقشات والمخرجات اتسمت بالمسؤولية والإدراك الوطني الكبير.

Egypt Air