الخميس 16 مايو 2024

تتنوع أشكاله بين الفردي والقوائم والمختلط.. النظام الانتخابي وسيلة لتجسيد إرادة الشعب


رفعت رشاد

مقالات10-7-2023 | 11:00

رفعت رشاد

فى جلسات الحوار الوطني ناقش الملف السياسى مسألة تعديل نظام الانتخاب من جديد. دار الجدل حول أفضلية أحد النظامين "القائمة المغلقة والقائمة النسبية"
تعتبر مسألة اختيار نظام انتخابى ما من أهم القرارات لأى نظام سياسى, فاختيار نظام معين يترتب عليه نتائج مهمة لمستقبل الدولة
النظام الانتخابى فى أى دولة وسيلة لتجسيد إرادة الشعب وأصوات المواطنين إلى مقاعد فى البرلمان مهما تنوع شكله, المهم أن تحقق تلك الوسيلة الهدف بعدالة

عرفت مصر الحياة النيابية منذ 157 عاما . أنشأ الخديوى إسماعيل حفيد محمد على باشا أول برلمان مصرى فى صيغة معاصرة هو مجلس شورى النواب. كان البرلمان يشكل من 75 عضوا ينتخبون من جميع مديريات _ محافظات _ مصر . منذ ذلك الوقت ترسخت ثقافة البرلمان والانتخاب لدى المواطنين وإن كان مستوى فهم العملية الانتخابية يقيم بحسب الفترة التى تجرى فيها الانتخابات وحسب مستوى التعليم والوعى. فى البداية جرت الانتخابات بطريقة صورية حيث كانت على مرحلتين الأولى يقوم فيها عمد البلاد ومشايخها باستطلاع رأي المواطنين الذين لم يكن فى استطاعته تقييم المسألة السياسية بشكل واع وكان ارتفاع نسبة الأمية التعليمية والثقافية عاليا لذلك لم يكن المواطنون مؤهلين بشكل مباشر لانتخاب نوابهم فى البرلمان. كان العمد والمشايخ يقومون باللازم ويتولون انتخاب المرشح المطروح وذلك فى المحافظات الريفية بينما كان الأعيان يقومون بهذا الدور في القاهرة والإسكندرية ودمياط. وكانت هناك شروط للترشح منها الملاءة المالية وحيازة مساحات معينة من الأراضى وهذا بالطبع لم يكن متاحا أمام عدد كبير من الناس وهو ما قصر الترشيح على الأعيان وكبار الملاك.

استمرت الأمور تجرى بهذا الشكل وتغير مجلس شورى النواب وشهدت الممارسة التمثيلية اختلافا فى المسميات وجاءت الجمعية الوطنية وتجمد البرلمان فى بعض السنوات, إلى أن صدر دستور 1923 الذى ترتب عليه انتخاب برلمان من غرفتين أى مجلسين هما النواب والشيوخ. شهدت الانتخابات الأولى فى ظل ذلك الدستور صورا من الممارسة الديمقراطية محسنة, فقد خسر يحيى باشا إبراهيم رئيس الوزراء الانتخابات فى دائرته أمام شاب رشحه سعد زغلول رئيس حزب الوفد كما تولى سعد زغلول رئاسة البرلمان لمدة تسع ساعات فقط.

لم تعرف مصر حتى ثمانينيات القرن الماضى إلا نظام الانتخاب الفردى الذى يتنافس فيه المرشحون مهما كان عددهم ويفوز من تتجاوز أصواته حاجز الخمسين بالمئة من الأصوات الصحيحة للناخبين المشاركين فى الانتخابات. كان لكل دائرة نائب في فترة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952, ولما نص الدستور على أن يكون خمسون بالمئة من أعضاء المجلس من العمال والفلاحين صار لكل دائرة اثنان من النواب أحدهما يمثل العمال والفلاحين وكانت الأفضلية للعمال والفلاحين فى الفوز , حيث يمكن لاثنين من هاتين الفئتين أن يفوزا بدون أن يؤثر ذلك على العملية الانتخابية, وعلى العكس من ذلك حيث لا يمكن لاثنين من الفئات الأخرى الفوز بالمقعدين, فلابد من عامل أو فلاح واحد على الأقل في كل دائرة. شهد عهد ما بعد ثورة يوليو أيضا إلغاء مجلس الشيوخ وتقرر الإبقاء على مجلس واحد تغير اسمه إلى مجلس الأمة بدلا من مجلس النواب ثم تغير مرة أخرى إلى مجلس الشعب واستمر البرلمان المصرى بهذا الاسم حتى عام 2011 .

التغيير إلى القوائم

استمرت انتخابات مجلس الشعب منذ عام 1971 الذى صدر فيه ما سمى بالدستور الدائم وحتى عام 2011 بنظام الانتخاب الفردى لكن تخلله تعديل فى نظام الانتخاب في عامى 1984 وأجريت فى الانتخابات بنظام القائمة المطلقة مع اشتراط ألا يحق لحزب أن يحصل على مقاعد إلا لو حصل على مجموع 8% من إجمالي الأصوات على مستوى الجمهورية, وأدى هذا إلى حرمان أحزاب من عضوية البرلمان كان يمكن لها أن تحصل على عدد من المقاعد لولا شرط 8% . وقد أتاح القانون للحزب الوطنى حزب الأغلبية فى ذلك الوقت أن يحصل على الأصوات التى تخص الأحزاب الأصغر والتى لم تستفد من أصواتها .

في تلك الانتخابات حصل حزب العمل برئاسة المهندس إبراهيم شكرى على أقل من نسبة 8% بعدد قليل من الأصوات يقل عن 1%, فرأى الرئيس حسنى مبارك أن يعوض حزب العمل عن خسارته وقرر تعيين أربعة نواب من أعضاء الحزب الذين حققوا الفوز فى دوائرهم بعد حساب الأصوات. وبسبب ما شاب ذلك النظام من عوار دستورى بسبب إهداره مبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور بحرمانه المستقلين من الترشح, تم تعديل القانون وأجريت انتخابات عام 1987 بنظام القائمة النسبية مع مقعد فردى لكل دائرة حرصا على مبدأ تكافؤ الفرص للمستقلين. ولكن تم الطعن مرة أخرى على هذا النظام لأن المرشح الفردي كان يواجه مصاعب كبيرة لأنه يخوض الانتخابات في دائرة متسعة تتطلب ترشح عشرة أو 12 مرشحا في القائمة وبالتالى لا يقدر على خوض الانتخابات . ومرة أخرى تم تعديل القانون ليعود الانتخاب الفردى مرة أخرى.

مراجعة للنظام فى الحوار الوطنى

في جلسات الحوار الوطنى ناقش الملف السياسى مسألة تعديل نظام الانتخاب من جديد. دار الجدل حول أفضلية أحد النظامين, القائمة المغلقة والقائمة النسبية مع اتفاق الجميع على الإبقاء على نسبة للمقاعد الفردية . لم يحسم الجدل حتى الآن, وهنا نطرح المسألة ونوضح ماهية النظامين ومزايا وعيوب كليهما. وتعتبر مسألة اختيار نظام انتخابر ما من أهم القرارات لأى نظام سياسى, فاختيار نظام معين يترتب عليه نتائج مهمة لمستقبل الدولة, لأن النظام الانتخابى يميل إلى الاستمرارية ولو لفترة فصل أو فصلين تشريعيين على الأقل. كانت هذه العملية تتم في السابق _ لكل دول العالم _ بشكل عرضى أو استجابة لميول ورغبات شائعة أو بسبب تحول تاريخي مفاجئ, لكن التطور الحادث فى مجال الممارسة السياسية والتفاصيل الانتخابية جعل عملية الاختيار تكون مدروسة وبناء على حسابات رياضية تشمل العديد من الأمور . ويجري تغيير نظام انتخابي قائم لسببين, استغلال قوى سياسية درايتها بتفاصيل النظم الانتخابية فتعمل على اعتماد نظام يرونه ملائما بشكل أفضل لمصالحهم الانتخابية, أو افتقاد القوى السياسية خبرة النظم الانتخابية مما تفتقد معها التوجهات الصحيحة والنتائج المترتبة عليها .

توجه سياسى

في كل الأحوال فإن اختيار نظام انتخابى مسألة سياسية بالدرجة الأولى وليست مجرد مسألة فنية يمكن لمجموعة من الخبراء التعامل معها, ولهذا يجب حساب كل الأبعاد لأن الأخطاء تؤدى إلى نتائج غير متوقعة. 

وتعمل النظم الانتخابية فى مفهومها الأساسى على ترجمة الأصوات التى يحصل عليها حزب ما في الانتخابات إلى عدد من المقاعد في البرلمان يتناسب مع حجم تلك الأصوات. هذا هو جوهر اختيار أى نظام انتخابى, ثم تأتى مرحلة اختيار النظام, هل يكون بالقائمة النسبية أو بالقائمة المطلقة المغلقة أم نظام مختلط, وما المعادلة التى تستخدم لاحتساب المقاعد المخصصة لكل فائز, وما تركيبة ورقة الاقتراع, وهل يصوت الناخب لمرشح واحد أم لقائمة حزبية وهل يمكن تعدد اختياراته. بجانب ذلك هناك مسألة حجم الدائرة وطبيعتها, فالنظام الانتخابى يؤثر على طريقة تحديد الدوائر وكيفية تسجيل الناخبين وتصميم أوراق الاقتراع وكيفية فرز الأصوات وغير ذلك من تفاصيل العملية الانتخابية.

من الضرورى أن تتمتع إجراءات وتفاصيل النظام الانتخابى بأكبر قدر من الشفافية, بحيث تكون واضحة للناخبين وللأحزاب وللمرشحين وذلك حتى تتوفر الثقة في عدالة العملية الانتخابية. ويجب أن تتاح الفرصة لكل الأطراف لطرح وجهات نظرهم وتصوراتهم دون معوقات عند الاتفاق على النظام الانتخابى لأن هذا يضفى الشرعية على العملية الانتخابية. كما يجب أن يتيح النظام المختار فرصة المشاركة للجميع بحيث يشمل كل الفئات والعرقيات إذا كانت موجودة في المجتمع, فكلما شمل النظام كل المواطنين كلما ترسخت شرعيته.

النسبية والمطلقة

في الانتخاب بالقائمة النسبية يقدم كل حزب مجموعة من أسماء مرشحيه فى كل دائرة انتخابية بترتيب خاص به, ويفوز كل حزب بحصة من المقاعد تتناسب مع حجم الأصوات التي حصل عليها , ويراعي الحزب في قائمته أفضلية المرشحين لديه, فالأفضلية الأكبر تكون للمرشح رقم واحد حيث إن فرصه فى الفوز تكون كبيرة وتقل الأفضلية حسب الترتيب وتقل الفرص بناء على الترتيب. تحرص الأحزاب فى هذا النظام على تقديم قوائم متوازنة مجتمعيا تمثل فيها الأقليات والعرقيات بحيث تحصل على أصواتهم وعلى دعم أكبر شريحة ممكنة من الناخبين. يتيح نظام القائمة النسبية لقيادات الأحزاب الفرصة للسيطرة وتركيز السلطة فى أيديهم باعتبارهم المتحكمين فى قرارات اختيار المرشحين وتحديد ترتيبهم في القائمة. من مزايا القائمة النسبية تقليل فارق الأصوات المهدرة بين ما يحصل عليه الحزب من أصوات وبين نصيبه من مقاعد البرلمان, وبذلك يحصل كل حزب على قدر ما أعطاه الناخبون من أصوات وهو ما يحقق قدرا كبيرا من العدالة بين الأحزاب الكبيرة والصغيرة.

أما القائمة الطلقة أو المغلقة فلا تتيح للناخب إلا التأشير على القائمة ككل وبالتالى فإن توزيع الأصوات لا يكون بين الأحزاب كمقاعد وإنما تفوز القائمة التي تحصل على أعلى الأصوات بكل مقاعد القائمة . فى هذا النظام ليست هناك أفضلية لمرشح دون الآخر , فالأول ليس صاحب فرص أكثر من الأخير فالكل سواسية وسوف يفوزون جميعا إذا فازت قائمتهم . يتيح هذا النظام للأحزاب أن تضمن القائمة من تشاء من أسماء المرشحين بدون قلق من رفض الناخبين الذين سيختارون الحزب كحزب ولكن الناخبين يعانون من عدم قدرتهم على اختيار من يمثلهم بشكل مباشر أو تفضيل مرشح يمثل دائرتهم من داخل القائمة. وهذا النظام يمهد لائتلافات مسبقة حيث تتفق مجموعة من الأحزاب على خوض الانتخابات بقائمة موحدة يتم بداخلها توزيع المقاعد حسب الثقل النسبى لكل حزب وشعبيته.

يعد النظام الانتخابى أحد آليات صياغة قواعد العملية السياسية والتى يمكن من خلالها تسيير العملية السياسية فى الاتجاه الذى يهدف إليه حزب الأغلبية بترجمة التصويت من خلال النظام المختار إلى مقاعد فى البرلمان وهو ما يحدد أى الأحزاب سيحصل على السلطة. يسهل تطويع النظام الانتخابى إذا كانت هناك صعوبة فى تعديل الدستور , فتعديل النظام الانتخابى يكون بقانون ولا حاجة لتعديل الدستور الذي يتطلب إجراءات معقدة. ومن خلال صياغة نظام انتخابى ما يمكن أن يؤدى إلى حكومة ائتلافية أو حكومة أقلية ويمكن لنظام آخر أن يؤدي إلى تمكين حزب واحد من الانفراد بالسلطة.

لذلك أشرت من قبل إلى ضرورة التوافق بين أطراف العملية السياسية من الأحزاب على نظام انتخابي يضمن قبول الجميع لأن تمكين حزب واحد من السيطرة على الحكم يؤدي إلى نشوب الصراعات من جانب الأحزاب التى تقصى باعتبار أن النظام الانتخابى لم يحقق لها العدالة ولم يعط للأحزاب المعارضة فرصة للفوز فى الانتخابات وبذلك قد يندفع الخاسرون إلى مقاومة النظام السياسى والعمل على ذلك من خارج منظومة العملية السياسية.

إن النظام الانتخابى فى أى دولة وسيلة لتجسيد إرادة الشعب وأصوات المواطنين إلى مقاعد في البرلمان مهما تنوع شكله, المهم أن تحقق تلك الوسيلة الهدف بعدالة.