السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

حوار وطني شامل.. وليس «مكلمة»


  • 10-7-2023 | 11:07

سيد عبد العال

طباعة
  • سيد عبد العال

المشهد العام  الآن يفرض مسئولية مضاعفة على كل الأطراف، فالكل ملزم بالتعامل  بالجدية اللازمة و الواجبة، فدعوة الرئيس السيسى محددة وبوضوح  .. حوار وطنى .. وهذا بالضبط ما نراه
نحن أمام صراع بين الحداثة والتخلف، بين التقدم للمستقبل والردة نحو الماضى، وعلينا الانتباه، فهذا الصراع يتغلغل بعمق فى المجتمع بين فئاته وطبقاته المختلفة

 

تمثل الدعوة للحوار التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، منعطفاً مهماً فى مسيرة الدولة المصرية، خاصة أن تجارب الحوار الوطنى بشكل عام ليست من الآليات المعتادة لإدارة الدول فى كل الأوقات، ويمكن اعتبارها تحولاً لافتاً فى منهج وأسلوب إدارة الحكم فى بلادنا، وذلك قياساً بالحوارات السابقة التى شهدتها مصر، و كانت تحت عنوان صريح هو «حوار الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة» وهما تحديداً حواران الأول عام 1982، والثانى عام 2005، وكلاهما كان يستهدف إزالة حالة الاحتقان السياسى التى برزت على السطح، سواء فى بداية عهد مبارك، أو مع حالة الغضب التى صاحبت الحديث عن إمكانية توريث الحكم لنجل الرئيس.

الحوارات السابقة وقعت، فى مأزق الثنائية بين السلطة والمعارضة، وبدت وكأنها بين فرقاء وإن جمعهم وطن واحد ، وهذا يستدعى ضرورة التأمل فى كلمة «الوطنى» الموصوف بها الحوار، فالكلمة لا يمكن ربطها بطرفى السلطة والمعارضة فقط، لكنها تشمل كل أطراف الجماعة الوطنية من أحزاب، ونقابات عمالية ومهنية، ومجالس نوعية، واتحادات، ومراكز بحثية، وجامعات، وكُتّاب، ومفكرين، وطلاب و شباب ومرأة وفلاحين  ، وشخصيات عامة، وآخرين، كلهم تمت دعوتهم لحوار مظلته الأساسية. «الوطن»

إن المشهد العام  الآن يفرض مسئولية مضاعفة على كل الأطراف - ليس المشاركين في الحوار فقط  - إنما الدولة أيضاً بكل مؤسساتها، الكل ملزم بالتعامل  بالجدية اللازمة و الواجبة، فدعوة الرئيس السيسى محددة وبوضوح  .. حوار وطنى .. وهذا بالضبط ما نراه ..

الحوار الدائر الأن هو بمثابة علامة فارقة بين مرحلتين،  الأولى مرحلة الصخب الثورى التى بدأت منذ ثورة يناير 2011، ثم ثورة 30 يونيو، وما أعقبها من تحديات، والثانية مرحلة الاستقرار والانطلاق نحو تأسيس الجمهورية الجديدة، وإعادة بناء مصر كدولة مدنية ديمقراطية حديثة.

و في هذا الظرف الدقيق من عمر الوطن ، فإن الحوار هو الوسيلة المُثلى - و هو فرصة أيضاً - لإعادة لمّ شمل تحالف 30 يونيو بكل مكوناته بعد عشر سنوات من الثورة ، و لهذا فنحن جميعاً كمصريين لا نملك ترف فشل الحوار الوطنى"، و لا يجب أن نسمح بإفشاله في جميع الأحوال، و على كل المشاركين  تجاوز كل ما من شأنه عرقلته، خاصة أنه يأتى مواكبا لأحداث إقليمية و دولية بالغة الدقة، ذات تأثير مباشر على الأمن القومى لمصر ودورها فى المنطقة .

الحوار الوطنى لا يكون إلا بين شركاء متحررين من عقدة الاستقطاب السياسى الحاد الموروثة من عهود سابقة ، للخروج  بأفضل النتائج و التوصيات التي تحقق طموحات و تطلعات الشعب المصرى، وآماله المعقودة على دعوة رئيس الجمهورية للحوار حول أولويات العمل الوطنية خلال المرحلة الراهنة، وصولاً بمصر لأن تصبح دولة مدنية ديمقراطية حديثة بكل ما تحتويه الكلمات الثلاث من معانٍ، وما تتضمنه من تفاصيل ومفردات، وكما يليق بها أن تكون وسط عالم متغير يشهد إعادة تشكيل موازين القوى الدولية من جديد.

إن التقدم فى الحوار سوف يحاصر كافة النزعات الانعزالية. و يجدد الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف، كما سيجد الأمل لكل المصريين في رؤية بلدهم كما يتمنو ، و مثلما حلموا عندما ثاروا من أجلها.

ندرك أن الحوار الوطنى يجرى الآن ونحن في مرحلة تاريخية محملة بالعديد من التناقضات والمخاطر والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية، فخطر جماعة الإخوان الإرهابية ما زال قائماً، و الداعمون لها مازال يحدوهم الأمل فى عودتها لاستكمال مهتها التخريبية، ومخططات هدم الدولة وتمزيق المجتمع من الداخل تنتهز أشباه الفرص، على أمل التحقق، وخرائط تقسيم المنطقة متوافرة بأكثر من نسخة ولم تحرق بعد.

و علينا ونحن نتحاور معا الانتباه لفصيلين يسعيان بلا كلل ولا ملل ولا يأس لوقف مسيرة التنمية والنجاحات المتعددة على أكثر من صعيد، الفصيل الأول يضم جماعات الفساد والرأسماليين الطفيليين، والفصيل الثانى يضم جماعات الإرهاب والتأسلم وأنصارهم المدعومين من قوى رجعية لا تؤمن بمفهوم الدولة الوطنية.

الصراع ما زال قائماً ، فنحن الآن أمام حلفين اجتماعيين وتوجهين اقتصاديين، هناك حلف وتوجه يمثل قوى الرأسمالية الطفيلية، والتبعية والفساد والطائفية، هذا الحلف يتصدى -وبعنف واضح- لتوجهات الحلف الآخر الذى يضم قوى الرأسمالية الوطنية المنتجة، والعارفين بأهمية وقيمة ومعنى الاستقلال الوطنى والاقتصادى، والمؤمنين بقيم المواطنة والحداثة والاستنارة والعدالة الاجتماعية.

نحن باختصار ودونما لف أو دوران أمام صراع بين الحداثة والتخلف، بين التقدم للمستقبل والردة نحو الماضى، وعلينا الانتباه، فهذا الصراع يتغلغل بعمق فى المجتمع بين فئاته وطبقاته المختلفة فى الريف والمدينة، وما زلنا لم نحسم بعد معركتنا فى مواجهة الرافضين لتجديد الفكر الدينى والثقافى والسياسى، وما زلنا نرى بيننا من يأملون إقامة الدولة الدينية، وتكريس الأفكار الطائفية والمذهبية، ومن يرفضون بإصرار واضح حرية الفكر والاعتقاد.

تحديات المرحلة الانتقالية الراهنة واضحة كالشمس، ولا يمكننا القفز عليها، أولها وأهمها تحدى الحفاظ على سلامة ووحدة الدولة الوطنية، ومخاطر هدمها وتفتيتها -أو دمجها- والهيمنة عليها من كيانات وقوى استعمارية إقليمية ودولية. وأمامنا تحدٍ آخر لا يقل أهمية، وهو الحفاظ على سلامة ووحدة المجتمع، والتصدى لمحاولات تمزيقه، وتوريطه فى صراعات طائفية وعرقية، وتحويل مكوناته من مصدر للثراء والإبداع إلى وقود دائم لإشعال بؤر الصراع والتفكك، وأمامنا أيضاً تحدى مواجهة العنف والإرهاب وتحويل البلاد -خاصة فى المناطق الحدودية- إلى ساحات للحروب وتهديد الأمن القومى، أمامنا تحدى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والانتصار لحقوق الفئات والطبقات الشعبية والوسطى، وأمامنا أيضاً تحدى الفساد وتفكيك شبكته المعقدة المسيطرة على مساحة لا يستهان بها من المجتمع بنفوذ واضح وقيم وأدوات ليس من السهل اختراقها.

ومن أبرز ما نواجهه من تحديات منذ قيام ثورة 30 يونيه حتى الآن، محاولات البعض تفجير الغضب الشعبى من وقت لآخر، سواء بحسن نية باعتباره أسلوباً معتاداً للمعارضة وفقاً للكتالوجات القديمة التى تجاوزها الزمن، أو بسوء نية لحساب قوى سياسية لا تريد الخير لهذا الوطن، وعلى القوى الشعبية نفسها أن تدرك أن الغضب العفوى مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولا ينجز هذا الغضب بقدر ما يدفع لليأس والإحباط، وهو ما لا يتفق مع آمال وطموحات شعب يسعى للبناء والتنمية، وإعادة بناء دولته على أسس قوية ومتينة.

نحن جميعاً نقف أمام ضرورة التصدى لكل مخططات هدم الدولة الوطنية، والوقوف صفاً واحداً ضد كل مؤامرات إضعافها، أو الهيمنة عليها وتفكيكها، علينا جميعاً -حكومة ومواطنين- المواجهة بحسم تونز، وعلى جموع المثقفين والقوى المدنية والأحزاب، تنظيم مواجهات فكرية وسياسية وثقافية مع فكر التكفير والطائفية والتمييز، وإنتاج مشروعات فكرية وثقافية بديلة تؤسس لثقافة الحوار والتفكير العلمى والتنوير، وتجديد الفكر الثقافى، ودعم خطاب التعايش والتسامح والمواطنة بين أصحاب الديانات والعقائد والمذاهب المختلفة، وتسييد حرية الفكر والاعتقاد.

إن تحدى إقامة منظومة قيم جديدة تدعم التوجه نحو العقلانية والتفكير العلمى، وتتصدى للخرافات والعشوائية، ليس سهلاً، ويحتاج جهداً كبيراً، ووعياً بظروف وضرورات المرحلة.

الحوار ليس مجرد «مكلمة» أو «فض مجالس»، لكنه فكرة تناولتها عدة علوم إنسانية مثل علم الاجتماع السياسى والفلسفة والمنطق وحتى علم الإدارة العامة، وكلها عبر صياغات مختلفة أجمعت على أن الحوار الصحيح الجيد هو فن مناقشة وتبادل الأفكار والآراء مع الآخر مباشرة، بعقلانية واحترام لتوضيح ما هو قائم أو لحل المشكلات بنجاح.. وكل هذا لا يتم طبعاً إلا باستخدام أسس وقواعد الإقناع المنطقى بهذه الأفكار والآراء..

الحوار الوطني من شأنه استيعاب التنوع والتوازن العقلانى اللازمين لنجاحه، والتنوع لا يتوقف عند القوى والتيارات وكل الفئات  المشاركة فيه فقط، بل ينطبق أيضًا على القضايا التي يتناولها ، وبما يضمن للجميع حق الاختلاف من أجل الوطن وليس الاختلاف عليه .

 

الاكثر قراءة