السبت 4 مايو 2024

الحوار الوطني.. خطوة على طريق السلم المجتمعي


د. صديق عطية

مقالات10-7-2023 | 11:10

د. صديق عطية

الحوار الوطنى هو الممر الآمن للخروج من نفق الأزمة إلى ساحات الانفراج، ويتحقق ذلك بإيمان جميع الأطراف بما للوطن عليهم من حقوق، وسار الجميع نحو نقاط اتفاق بعيدا عن المآرب الشخصية
دعوة القيادة السياسية إلى حوار وطني تترجم حرصها على التضامن وإشراك القوى الوطنية في النهوض بالوطن والعروج به إلى مرحلة جديدة من مراحل بناء جمهوريتنا الجديدة
يقع على عاتق الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة بالحوار الوطني أن تدعوا إلى اجتماعات جماهيرية لمناقشة قضايا الحوار الوطنى؛ لخلق حالة من الحوار المجتمعى

 

الدعوة إلى حوار وطنى في حد ذاتها اعتراف بالأزمة، والاعتراف بها قطع لنصف الطريق إلى الخروج منها، واستجابة القوى السياسية والمدنية لهذه الدعوة شعور بمسئولية كل الأطراف، وحرصها على حماية الوطن من أخطار أكبر محتملة، فما نراه ونعانيه جميعًا من نزيف وتدهور اقتصادى واجتماعى وإخفاق للسياسات مؤشر لقرب ما هو أكثر ضراوة؛ إن لم نقدّر ضرورات الوقت ونخلص في السعي نحو توحيد الجهود والرؤى، والاصطفاف جميعًا درعا للوطن، متخلين عما يبدد الطاقات ويرهن طرح الحلول وإنفاذها لمطالب ضيقة محدودة.

الحوار الوطنى.. ضرورة وتحديات

لا ينكر أحد أن تلك الأزمات نالت من المواطن المصرى واعتصرت الطبقة الوسطى والفئات الأكثر فقرًا، ما أفقد المواطن الثقة بكل القوى السياسية، مواليها ومعارضها على حد سواء؛ فأما الأول فلم يول المواطنَ اهتمامَه، ولم يخرج صوته معبرًا عن حقه في حياة كريمة أو عن مطالبه المعيشية القريبة التي طالتها أزمتنا الاقتصادية وقد فاقمتها متغيرات عالمية. وأما الثانى (الكيانات الحزبية المعارضة) وإن لم تعطه ظهرها بشكل كامل إلا أنها بددت طاقاتها فى صراعاتٍ؛ محركها الأول مصالحها الضيقة.

من هنا كان الحوار الوطنى ضرورة؛ وإن تناوله معظم الإعلام الموالى بشكل لم يقنع المأزومين بجديته وجدواه؛ ضرورة لأنه الممر الآمن للخروج من نفق الأزمة إلى ساحات الانفراج، لكن ذلك لن يتحقق إلا إذا آمن جميع الأطراف بما للوطن عليهم من حقوق، وسار الجميع نحو نقاط اتفاق، متخلية عن مآربها الشخصية، هذا إن أراد الجميع عبور الأزمة بحوار منتج قادر على بناء الثقة بين جميع الأطراف؛ لإقامة تماسك وطني قادر على مواجهة التحديات.

 لذا فجميع الأطراف في موضع اختبار، فالسلطة اختبارها أمام القوى السياسية المعارضة والشعب؛ يرتقبون الإجراءات ليروا كيف تدير العملية الديمقراطية الأولية (الحوار الوطنى)، وجديتها في بناء شراكة حقيقة معها؛ ومن ثم الاستفادة من كل المقترحات والرؤى المطروحة، ويرون فى ذلك مؤشرا لإدارة عملية ديمقراطية ستأتى قريبًا عبر صناديق الانتخاب، فالحوار الوطنى لدى المعارضة استكشاف لما تتيحه السلطة من فرص التوافق أو تضعه أمامهم لشروط الحياة السياسية.

وكذلك الطرف الآخر (الأحزاب والقوى السياسية المعارضة) فى موضع اختبار أمام السلطة والشعب في آن؛ يرتقبون كيف يستثمر هؤلاء هذه الفرصة ويعرضون رؤاهم ومقترحاتهم بيقظة ووعي سياسى مدرك لحاجات الوطن والمواطن الملحة، غير غافلين خطورة اللحظة لننجو جميعًا من تحديات وأخطار محتملة تهدد الوطن؛ حاضره ومستقبله.

الحوار الوطنى.. حصن الأمن القومى

   في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا، وفي ظروف سياسية واقتصادية تقتضي مشاركة كل القوى السياسية والمجتمعية، في وطن يتسع للجميع؛ دعت القيادة السياسية إلى حوار وطني يتسع  لجميع الأطراف السياسية والاجتماعية؛ إذ هو في تلك المرحلة –كما أسلفت- ضرورة؛ ضرورة لتحقيق الأمن القومي والسلم المجتمعيى، ولا أظن لهذا الحوار سابقة بهذا المنحى المنظم والشامل بمحاوره السياسية والاقتصادية والمجتمعية، والمتسع – وهو الأهم- لكافة الأطراف السياسية والاجتماعية دون إقصاء لأى ممن يمد يده للتضامن والمشاركة الوطنية البناءة.

    فهذه الدعوة من القيادة السياسية إلى حوار وطنى تترجم حرصها على التضامن وإشراك القوى الوطنية فى النهوض بالوطن والعروج به إلى مرحلة جديدة من مراحل بناء جمهوريتنا الجديدة، هذا الحرص يظهر في شكل إجراءات تكفل حماية الوطن من كل ما يهدد استقراره داخليا وخارجيًا ويحفظ أمنه القومي، والذى لا يتحقق إلا بالحرص على سلمه المجتمعى، ودعمه منىخلال حوار وطنى واسع يمد جسورًا من الثقة لكل يد تسعى للمشاركة والبناء.

صحيح .. أن ملفات الأمن القومى والسياسات الخارجية لها من يتولاها؛ من وزارة الخارجية وأجهزة الأمن القومى وقواتنا المسلحة وغيرها من القنوات المنوطة بها؛ ومن الصعوبة بمكان إدارتها بشكل جماهيرى، إلا أن علينا أن نعى أن تحقيق الأمن القومى وقوة الدولة المصرية في مواجهة التحديات والمخاطر الخارجية مرهون بجبهة داخلية قوية راسخة متماسكة، قادرة على كسر كل المحاولات الخارجية الرامية إلى تفكيك لحمة الوطن وإلى أن تنال من وحدته وتماسكه، ومن ثم تهديد أمننا القومى..

من هذا المنطق كانت مبادرة القيادة السياسية في دعوتها إلى حوار وطنى، وهى بذلك أولا:

تقدِّر وتعترف بما احتمله المواطن المصرى في سبيل ما يُبذل من إصلاح اقتصادى، وما يحتمله – كذلك – من تبعات متغيراتٍ وتقلباتٍ خارجية عالمية فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية. وثانيًا: دلالة تلك المبادرة على رغبة القيادة السياسية فى دعم جبهتنا الداخلية والحفاظ على تماسكها وتنمية الروح الوطنية من خلال حوار وطنى واسع يسعى إلى خلق وئام بين جميع الأطراف والقوى السياسية المصرية؛ لتحقيق رضا مجتمعى وتوحيد شتى القوى السياسية فى جبهة وطنية؛ تلم الشمل الداخلى، وتقارب بين وجهات النظر، وتوحّد الرؤى؛ مُعلِيةً بذلك المصلحة العليا للوطن على حساب المصالح الفردية، لإنجاز مخرجات لا تحتمل التأجيل لملفات شائكة وقضايا ملحة يقف على رأسها – كما أسلفت – أمننا القومى؛ إذ لا تنمية ولا رخاء، بل لا وجود بدون تحقق هذا المطلب.

    من هنا عبّرت جلسات الحوار الوطنى بمحاوره الثلاثة عما يبعث التفاؤل، فالمشاركون يشكلون خارطة معبرة عن الطيف السياسى الفاعل، صاحب الأفكار ووجهات النظر والمقترحات البناءة، لذا فالمرتقب من هؤلاء مشاركة واعية مقدرة للحظة دقيقة تقتضي التقارب والتضامن وتضفير الجهود والرؤى جميعها بشكلٍ تكاملي لصنع رؤية شاملة قادرة على انتشال الوطن من عثرته، وبناء خطة واعية ناجزة تنهض بالإجابة عن أسئلتنا الملحة؛ سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، هذا إن أردنا بناء مرحلة جديدة تنبني على مكتسبات ومخرجات سياسية واقتصادية ومجتمعية للحوار الوطنى مؤسَّسة على الإفادة من كل الرؤى دون إقصاء؛ طالما تسير نحو الأمام وتجاوز العثرات، فنحن في هذه اللحظات الحرجة من تاريخ بلادنا لسنا في مقام رفض أو اعتماد كشف حساب عن عقد مضى؛ بقدر ما علينا الإقرار مبدئيًا بأن تلك الفترة قد استهلكت من دولتنا طاقات وموارد ضخمة في سبيل مواجهة خطر داهَمَ استقرار الأمة وهدد أمنها، وما إن قاربت تلك المواجهة عن إعلان التفوق والغلبة لصالح أمتنا حتى ألحت الحاجة لبناء بنية تحتية اقتضتها لحظة طامحة لإقامة جمهورية جديدة.

عوامل إنجاح الحوار الوطنى

    إن نجاح الحوار الوطنى يتوقف على مشاركة إيجابية من جميع الأطراف كما أسلفت، وقد أبدى الطرف المبادر (القيادة السياسية) حرصه على الاستفادة من كل الرؤى والمقترحات، والذي تؤكده الدعوة لكافة الأحزاب والقوى الوطنية والتيارات السياسية والهيئات والأشخاص وإتاحة الفرصة لجميع من يلبي الدعوة لطرح أفكاره ومقترحاته، في مقابل ذلك على الطرف الثانى من طرفى الحوار أن يقدر حرص القيادة السياسية على النهوض من عثرتنا وإشراك من يملك الرؤى وطرح الحلول والتشريعات لمناقشتها والإفادة منها، وعليه فلا بد له من أن يكون جادًا فى طرحه، معتبرًا لحدود الممكن مرحليًّا، فما نهضت الأمم وتقدمت إلا بمناسبة الأحلام والطموحات للقدرات والإمكانات، وحسن توزيعها مرحليًّا، فى خط صاعد نحو التقدم، تحرسه جسور من الثقة بين جميع الأطراف، وحرصها على كل مكتسب يتحقق والبناء عليه.

   وهناك ما يبعث التفاؤل في إنجاح الحوار الوطنى؛ منها ما نراه من جانب القيادة السياسية، مثل جديتها؛ في الاستجابة لمقترحاتٍ ونقاشاتٍ حول بعض القضايا، ففي المحور المجتمعي بادر الرئيس باقتراح مشروع قانون المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب، ومن قبل بدء فعاليات الحوار الوطني كانت الاستجابة (الجزئية) لقوى المعارضة بالإفراج عن بضع مئات من المحتجزين احتياطيا؛ وإن كنا نطمح في المزيد حتى آخر محتجز للرأي. ومن جانب أمناء الحوار ومقرريه فلديهم قدر عظيم من المرونة، تتجسد في الاستجابة لإضافة بعض القضايا لمحاور الحوار وإضافة مجموعات عمل جديدة للمناقشة كلما اقتضت الحاجة وعنت بعض القضايا التى لم يتم -أثناء التخطيط للمحاور- إعطاء القدر المناسب لها من العرض والنقاش.

    أما ما يخص الآلية التى يعتمدها الحوار، أراها الأنسب إذ تعتمد تقديم المقترحات والنقاش حولها دون التصويت عليها، وفى ذلك استبعاد لفكرة الغلبة، وفيها إتاحة الفرصة للمقترحات المعروضة والاتفاق عليها إن تكاثف الإلحاح عليها من المقترحين، أو الاستناد إلى تقارير محاضر الجلسات إذا لم يتم الاتفاق عليها، ومن شأن هذا بناء الثقة بين جميع المشاركين فى الحوار الوطنى.

بناء الثقة والسلم المجتمعى

    إن بناء الثقة بين النخب من الأحزاب والحركات والقيادات السياسية من شأنه إقامة مستوى أعلى من الثقة على رقعة أوسع من المجتمع على مستوى المواطنين جميعهم، متى نتجت عن الحوار الوطنى أولى مخرجاته، ألا وهي مساحات الاتفاق والتوافق المبنية على الثقة بين النخب وممثلي الأحزاب والتيارات السياسية، حينها تتسع رقعة الثقة بين جميع المواطنين لإرساء سلم مجتمعى، هذا السلم المجتمعى لن يتحقق إلا بتعزيز قيم الحوار والوسطية والاعتدال والتواصل بين كافة الأطراف، والوعي بالمشتركات التي يتم عليها التوافق، والبناء عليها في سبيل تغليب المصلحة العامة؛ لبناء وطن متلاحم ينتظم عقده شعور صادق بالانتماء الوطنى؛ أعظم الوسائل التنظيمية لتحقيق التنمية.

   من هنا ... يقع على عاتق الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة بالحوار الوطنى – إن أرادوا التضامن والتكاتف لبناء سلم مجتمعى – أن يدعوا إلى اجتماعات جماهيرية لمناقشة قضايا الحوار الوطنى؛ لخلق حالة من الحوار المجتمعى، حتى يشعر كل المواطنين بأنهم جميعًا مندوبون للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة دون إقصاء، ومن شأن هذا خلق رضا وسلم مجتمعى ومباركة من الجميع لما يتم الاتفاق عليه، كما يساهم هذا – لا شك-

في دعم التضامن المجتمعي، وتوزيع المسئولية على الجميع، لإنجاح الحوار الوطنى، وتحصين مخرجاته، ومن ثم بدء العمل بما يتم التوافق عليه، لإنفاذ أولى وأخطر مراحل النهوض والبناء.

Dr.Randa
Dr.Radwa