تحقيق: بسمة أبو العزم
حالة السرية التى تدير بها اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية، التابعة لـوزارة التموين أعمالها التى امتدت إلى عدم الإعلان عن حجم المنح القادمة إليها من الخارج، أو حتى الدول التى تقدمها، بقدر ما كانت مصدر ثقة لوزراء فى الحصول على المكافآت التى تخرج منها، بالقدر ذاته وأكثر كانت دافعًا لوزراء آخرين للابتعاد عنها، وإعلان براءة ذمتهم من أموالها المثيرة للقلق، رغم أنهم بحكم المنصب الوزارى يترأسون مجلس إدارتها.
رغم تعاقب كافة وزراء التموين السابقين علي رئاسة مجلس إدارتها، إلا أن مكافآتها المغرية كانت مصدر ريبة وقلق لأغلبهم، فهناك من رفض الاقتراب من مكافآتها السنوية وحوافزها الشهرية, وهناك من اكتفى بالحوافز الشهرية فقط التى تقدمها اللجنة, فى حين قبل الدكتور على مصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، جميع المكافآت الشهرية والسنوية والتى تجاوزت الحد الأقصى للأجور، ما دفع البعض لتقديم بلاغ ضده للنائب العام بتهمة الاستيلاء على المال العام.
اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية، هى إحدى الجهات الحكومية والتى تدار وفقا لقرار إنشائها بقرار جمهورى بأسلوب غير حكومى، فلا تنطبق عليها قوانين العمل والقرارات والقوانين الحكومية، لكنها- فى الوقت ذاته- تخضع لمحاسبة ومتابعة الجهاز المركزى للمحاسبات .
اللجنة فى بداية تأسيسها بعد ثورة ١٩٥٢، كانت تابعة لوزارة الحربية، وتستهدف تلقى كافة المعونات العينية وليست النقدية مثل السكر والزيت وغيرها من السلع، وكانت تُوجه جزء من السلع لبعض لجهات الحكومية بشكل مجانى، والجزء الآخر يباع فى الأسواق بسعر مناسب للجمهور مع وضع قيمة المبيعات النقدية فى البنوك لاستثمارها فى مشروعات مختلفة وشراء أراض ومخازن مملوكة لها، وكان هناك إشراف عليها من إيطاليا باعتبارها أكبر دولة تقدم مساعدات عينية لمصر عبر اجتماع ربع سنوى لمعرفة أرصدة وحسابات اللجنة.
وبعد فترة انتقلت تبعية اللجنة لوزارة التموين، لكن مع توقف المعونات الغذائية أصبحت هناك مخازن عديده فارغة على مستوى الجمهورية، ويتم حاليا استغلالها عن طريق تأجيرها لشركات استثمارية كبرى، وأصبحت هناك لجنة مصغرة لقطاع التخزين، تتابع كل ثلاثة أشهر موقف التخزين فى المحافظات، لتتحول المخازن بمرور الأيام إلى مصدر هام لإيرادات الوزارة التي تكتفى بمنح وزارة المالية ٥٠في المائة من إيراداتها، وبقية الإيرادات يتم إنفاقها فى شكل رواتب ومكافآت للعاملين فى اللجنة.
بلاغ لـ«النائب العام»
الحديث عن لجنة المساعدات الأجنبية، تصدر المشهد خلال الأيام القليلة الماضية، على خلفية بلاغ تم تقديمه للنائب العام، ضد وزير التموين الحالى، الدكتور على مصيلحى، عن طريق محمد عصام عبدالله، مدير عام التخزين باللجنة العامة للمساعدات، وأيمن عبدالسلام، مدير عام المكتب الفنى باللجنة، اتهما فيه «مصيلحى» بالاستيلاء على المال العام، مستدلين على ذلك بحصوله على مكافآت مالية بإجمالى ٦٠٠ ألف جنيه خلال أعوام « ٢٠٠٨ ، ٢٠٠٩، ٢٠١٠ « بالمخالفة لتعليمات مجلس الوزراء بأن إقرار هذه المكافآت يتم من السلطة الأعلى, كما أصدر الوزير تعليماته بتحمل لجنة الضرائب على تلك المكافآت.
وأكدا فى البلاغ ذاته، أن الوزير أقر مكافأة اعتماد الميزانية فى فترة ولايته الجديدة عام ٢٠١٧ بنحو ١٨ شهرًا دون وجه حق عن العام المالى «٢٠١٥- ٢٠١٦ «، فى حين كان رئيس مجلس الإدارة وقتها هو د.خالد حنفى.
قائمة الاتهامات الموجهة لـ د.»على» ضمت كذلك أنه يتقاضى راتبًا شهريًا قدره ٣٠ ألف جنيه من اللجنة، بما يكشف عن ازدواجية الصرف بين راتبه الشهرى وبين الراتب الذى تقرره رئاسة مجلس الوزراء، إضافة إلى تعيينه عددًا من المستشارين فوق السن القانونى، منهم عاطف سيد عويضة، الذى تقرر تعيينه رئيسا للجهاز التنفيذى للجنة المساعدات، براتب شهرى ١٧ ألف جنيه، وهو ما يشكل إهدار ا للمال العام.
من جهته قال أيمن عبدالسلام زكى، مدير عام المكتب الفنى بلجنة المساعدات الأجنبية، أحد مقدمى البلاغ: «أحقية الوزير فى الحصول على مكافآت من لجنة المساعدات يعتبرها البعض محل جدل، فمن حق أى شخص الحصول على مكافأة تقرها السلطة الأعلى منه، وبالتالى فى حالة الوزير، كيف يقر لنفسه مكافآت دون موافقة مجلس الوزراء عليها واعتمادها، وهذا الأمر مخالف للكتب الدورية لمجلس الوزراء».
وأضاف: مكافآت لجنة المساعدات نوعان، الأول مكافآت سنوية لاعتماد الموازنة السنوية، وتلك المكافأة رفض جميع وزراء التموين الحصول عليها وتنازل عنها الجميع فيما عدا الدكتور على المصيلحى خلال وزارته الأولى قبل الثورة، وفى ولايته الثانية أيضا، أما النوع الثانى فهو يتمثل فى مكافآت شهرية للوزير، وتلك المكافآت انقسم حولها الوزراء، فهناك من قبلها ومنهم د.جودة عبدالخالق واللواء محمد الشيخ، وهناك من رفضها ومنهم د.محمد أبو شادى، ود.خالد حنفى.
وأضاف: أن الوزير الحالى تجاوز بقرار الحد الأقصى للأجور والذى لا يتجاوز ٤٢ ألف جنيه، حيث يحصل على راتب الوزير وهو خمسة آلاف جنيه من الوزارة و٣٠ ألف جنيه من مجلس الوزراء وبعد إضافة مكافآت اللجنة، ليصبح دخله الشهرى ٦٥ ألف جنيه.
«اليافطة الكبيرة»
الدكتور جودة عبدالخالق، أول وزير تموين بعد ثورة يناير، كانت له تجربة خاصة مع لجنة المساعدات، فخلال أول زيارة لمقرها، لاحظ وجود لافتة كبيرة مكتوب عليها «لجنة المساعدات الأجنبية»، فما كان منه إلا أن أمر بإزالتها ووضع «يافطة» صغيرة محلها.
وفى تبريره لـ»واقعة اللافتة»، قال «د.جودة»: لا يصح التفاخر بالمساعدات، وأذكر أننى بمجرد دخولى اللجنة فوجئت بعدم وجود هيكل وظيفى وملامح للعمل، لذا طلبت خبير ا فى الإدارة لتحديد وظيفة اللجنة وأنشطتها، ولأول مرة فى تاريخ اللجنة منذ ١٩٦٧ يكون هناك هيكل وظيفى واضح لها بالتعاون مع الجهاز التنظيمى للإدارة.
وتابع: داخل اللجنة يتم الدعوة لجمعية عمومية لعرض الحساب الختامى وتوزيع مكافآت سنوية على كافة العاملين ومن بينهم رئيس مجلس الإدارة أى الوزير، وطلب منى حضورها، لأفاجئ أن اللجنة حققت خسائر ، لذا طالبت بتقليص أرباح كافة العاملين إلى النصف، ورفضت الحصول على مكافآتى الخاصة، لكن بعد ضغوط العاملين وحديثهم عن ظروفهم الاقتصادية، تراجعت عن القرار، وعدلت أرباحهم لتعود كما كانت قبل تقليصها للنصف، وموقفى ظل ثابتًا، حيث رفضت المكافأة، وهذا الأمر مثبت فى محاضر رسمية، أما المكافآت الشهرية فكنت أحصل عليها ،حيث طلبت من المستشار القانونى التأكد من مدى أحقيتى فى الحصول عليها، وهل كان يحصل عليها وزراء سابقون، وبالفعل تأكدنا أن د. على المصيلحى كان يحصل عليها وبناء عليه قبلتها، ورغم عدم تذكرى إجمالى الرقم لكن المكافأة الشهرية لم تكن تتجاوز خمسة آلاف جنيه وقبلتها، لأنها تناسب مجهودى فى اللجنة وقيامى بإعادة هيكلتها.
«محاولات الكبار»
بمجرد تولى الدكتور محمد أبو شادى، منصب وزير التموين، بدأت محاولات كبار المسئولين داخل لجنة المساعدات لإغرائه بالهدايا والمكافآت لكنه رفضها، ويتذكر د. محمد أبو شادى، عندما قدموا له موبايل «سامسونج» بحجة أنه هدية من لجنة المساعدات، وأنه يقدم لكل الوزراء لكنه رفض قبول الهاتف، وأعاد لهم الخط الذى لايزال مسجلاً باسمه حتى الآن .
«والله العظيم لم أحصل على مليم من لجنة المساعدات».. جملة أكمل بها «د. أبو شادى» حديثه عن لجنة المساعدات الأجنبية، وأضاف: بقيت فى الوزارة لمدة سبعة أشهر، لم أحصل خلالها على أى مكافآت شهرية من لجنة المساعدات رغم تأكيدات كثيرين أنها قانونية، إلا أننى لم أقتنع بأن أمنح نفسى مكافأة عن عملى، حتى مكافأة الحساب الختامى رفضت الحصول عليها، وحاولوا إقناعى على مدار شهرين لأحصل عليها لكننى رفضتها ولم أستثيغها.
موقف وزير التموين الأسبق، د. خالد حنفى، لم يختلف كثيرًا، حسبما أكد محمود دياب، المتحدث الأسبق لوزارة التموين والتجارة الداخلية، والذى أوضح أيضا أن « د. خالد حنفى تنازل عن كافة مستحقاته من بدلات لجلسات الشركات التابعة للشركة القابضة ومكافآت اللجنه العامة للمساعدات لصالح الخزانة العامة للدولة، مكتفيًا براتبه الوزارى فقط.
«الشيخ» يقبل «الشهرية» ويرفض «السنوية»
أما عن اللواء محمد على الشيخ وزير التموين السابق - فحسب تأكيدات أيمن عبدالسلام مقدم البلاغ، فلم يحصل على المكافأة السنوية، لكنه حصل على المكافأة الشهرية مثل د. جودة عبد الخالق .
ارتباك الوزراء فى التعامل مع مكافآت لجنة المساعدات يثير الشك فى مدى قانونيتها، وعن ذلك الأمر قال اللواء محمود إبراهيم، نائب رئيس مجلس إدارة لجنة المساعدات الأجنبية سابقا: يجوز انتداب موظفين من أى وزارة للعمل فى اللجنة، وفى هذه الحالة يحصلون على راتبهم الحكومى من الوزارة إلى جانب حوافز تتراوح بين ٥٠ إلى ٢٠٠في ا لمائة، كذلك الأمر ينطبق على الوزير، فهو يحصل على حوافز وليس راتبًا آخر ، وبالتالى الأمر ليس له علاقة بمجلس الوزراء.
وتابع: هناك أيضا رقابة من الجهاز المركزى للمحاسبات ومراقب من المالية، وبالتالى يستحيل حصول الوزير على أموال بشكل مخالف للقانون، وكل ما يحدث الآن لا يتعدى كونه «زوبعة فى فنجان»، والقضاء من شأنه إثبات مدى أحقية الوزراء فى الحصول على تلك الحوافز .