الثلاثاء 28 مايو 2024

حسابات مصر بعد زيارة نيويورك

29-9-2017 | 20:42

بقلم –  عـزت إبـراهيم

ظهر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى كاريكاتير ساخر على صفحات نيويورك تايمز قبل بدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فى صورة من يقسم المنظمة العالمية إلى قسمين وحمل معه كلمة «المتحدة» United وترك كلمة «الأمم» Nations بمفردها وحيدة بعيدا عن الوحدة والاتفاق .. فى حقيقة الأمر يبدو الكاريكاتير السياسى فى الصحيفة الأولى عالميا متسقا مع تصورات الصحيفة عن فترة حكم ترامب، وربما عن شكوكه فى إمكانية العمل مع الأمم المتحدة خلال فترة حكمه وقد سبق له أن شن هجوما عاتياً ضد المنظمة ومن يعملون فيها وفى كلمته أمام الجمعية العامة فى الافتتاح تحدث عن المنظمة الغارقة فى البيروقراطية والتى تحتاج إلى إصلاح كبير!

رفع ترامب شعار «امريكا أولاً» من منصة المنظمة الأممية، فكان رد السياسيين فى الغرب أن العالم يمر اليوم بمرحلة «غياب القيادة العالمية» وفقا لما كتبه خافيير سولانا السكرتير العام السابق لحلف شمال الأطلنطى، وهو الذى حذر من أن الصين ربما ستكون مستعدة قريبا لملء الفراغ القيادى الناجم عن نهج «أمريكا أولاً» شريطة أن تقوم بكين برفع قدراتها فيما يخص «القوة الناعمة»، وأن تقوم بتحالفات وشراكات بعيدًا عن أفكار القومية الصينية المنغلقة على نفسها فى واشنطن، كانت هناك مراكز أبحاث مرموقة تحتفى بخطاب ترامب وتعتبره واحدًا من أفضل ما نطق به أمام الرأى العام الأمريكى والعالمي. فقال معهد أمريكان إنتربرايس «المشروع الأمريكي» نقلا عن إيليوت إبرامز القطب المحافظ المعروف والمسئول السابق فى إدارة جورج بوش إن الخطاب قد تخلى طوعًا عن اللغة التقليدية الخاصة بنشر الديمقراطية وحماية الحقوق الفردية وعوضًا عن ذلك استبدلها بترويج مفاهيم «السيادة والحفاظ على هيكل الدولة»، فى المقابل، اعتبر معهد كارنيجى مضمون خطاب ترامب فى الأمم المتحدة بداية تبلور رؤيته للسياسة الخارجية.. ودعم الولايات المتحدة الثابت لنشر الديمقراطية فى الخارج دون إلزام واشنطن بنشر الديمقراطية، بخلاف ما أسسه الرئيس الأسبق رونالد ريجان والرؤساء المتعاقبون، وأشار المركز صاحب التوجهات الليبرالية أنه من السابق لأوانه «شطب الدعم الأمريكى لنشر الديمقراطية» على امتداد العالم من أجندة البيت الأبيض!

-----

المقدمة السابقة عن مشاركة ترامب فى أعمال الجمعية العامة كانت ضرورية، حتى نفهم السياق العام لما جرى فى نيويورك، فالرجل لم يبتعد عن السياسة التقليدية التى حكمت السياسة الخارجية الأمريكية لعقود طويلة، وهو قدم نفسه باعتباره زعيما للعالم الحر بمواصفات جديدة بعد أن أدرك أن أفكار تيار العزلة - مازال موجودًا فى البيت الأبيض وحول الرئيس الأمريكى رغم مغادرة اليمينى المتشدد ستيف بانون لطاقم ترامب قبل أسابيع- لم تعد تصلح للتعامل مع مجتمع عالمى تطمح قوى جديدة للقفز على مقعد القيادة وهو يعلم أن الولايات المتحدة تخسر من الحديث عن تقليص العلاقة مع العالم الخارجى، ومن ثم باتت أفكار الواقعية السياسية أكثر حضورا فى المشهد الراهن. من العقلانية والواقعية، كانت كلمات ترامب عن مد الجسور للقوى المؤثرة لحل مشكلات عالمية كبرى، ورغم خروجه عن منهج الواقعية بتهديد كوريا الشمالية بمحوها من الخريطة، إلا أن الرجل لا يفوت فرصة لمحاولة إظهار عضلاته أمام المجتمع الدولى وأمام قاعدته الانتخابية التى تنتظر منه بعض النتائج التى تتماهى مع برنامجه وحملته الانتخابية، ومنها تطويق خطر إيران وكوريا الشمالية والتعاون فى مجال محاصرة «الإرهاب الإسلامى الراديكالي» ضمن أهداف أخرى على رأسها استعادة التفوق الاقتصادى والتجارى الأمريكي. 

----

أين مصر فى المشهد الحالي..؟

يناشد خبراء فى واشنطن الرئيس ترامب التمهل فى بلورة أولويات إدارته فى الشرق الأوسط والابتعاد عن التدخل فى الأوضاع الداخلية لدول المنطقة بعد أن تعثرت سياسات أسلافه من الرؤساء الأمريكيين فى بناء سياسة متماسكة. وقد أشار مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى تقرير الأسبوع الماضى أن «مؤيدى ومناهضى سياسة ترامب الإقليميين، على السواء، يتشاركون الرؤيا أن لإدارة ترامب سياسات متعددة خاصة بالشرق الأوسط دون رؤية استراتيجية ملموسة، مما يعمق مأزق كيفية التعاون ألأفضل مع الولايات المتحدة».

اللقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس ترامب فى نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة حكمته حسابات عديدة بدت واضحة فى الارتباك السابق على اللقاء حول مسألة المساعدات المقدمة لمصر وطلب لجنة المخصصات فى مجلس الشيوخ تخفيض المساعدات لعام ٢٠١٨ بمقدار ٣٠٠ مليون دولار، وهو طلب يبدو اليوم مفهوما بالنظر إلى التسريب الخاص بمذكرة وزارة الخارجية الأمريكية إلى مجلس الشيوخ، والتى حملت انتقاداً لبعض الأوضاع الخاصة بحقوق الإنسان وحرية التعبير وهو تسريب سبق القمة الرئاسية بساعات ويعكس بالأساس رؤى متضاربة بين البيت الأبيض فى جانب والخارجية والكونجرس فى جانب آخر. فهناك فى الكونجرس من يرى أن وزارة الخارجية يتقلص دورها وتضعف قبضتها على إدارة العلاقات الخارجية بعد وصول ترامب للسلطة، ومن المنطلق السابق يحشد اثنان من كبار رجال مجلس الشيوخ وهما باتريك ليهى السناتور الديمقراطى الأبرز فى لجنة المخصصات والجمهورى لينزى جراهام صاحب التاريخ المعروف وبجانبهما السناتور جون ماكين الذى يدعم بقوة منظمات ومؤسسات دعم الديمقراطية فى الخارج باعتبارها من أدوات السياسة الخارجية التى لا يمكن الاستغناء عنها بعد أن حققت نتائج إيجابية فى مرحلة الحرب الباردة وما بعدها وماكين هو رئيس لجنة القوات المسلحة فى الشيوخ. 

من المؤكد أن هناك اتصالات تجرى بين القاهرة وواشنطن لتضييق الفجوة بين العاصمتين بعد موقف الخارجية الأمريكية التى كانت مطالبة بتقديم مسوغات الإبقاء على المساعدات كما هى أو تقديم ما يفيد بوجود ما يستدعى تقليص المبالغ المرصودة للمعونة العسكرية والاقتصادية. هناك تيار قوى فى واشنطن - سبق أن تطرقنا إليه- يعلى من قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان بحكم أن هناك فريقًا من النشطاء اللذين لعبوا أدوارًا مهمة فى المرحلة التى سبقت ثورة ٢٠١١ وما جاء بعد الثورة من تطورات على المستوى الداخلى فى مصر والفريق السابق يعمل فى واشنطن على العمل على فتح المجال العام بالضغط على البيت الأبيض والخارجية عبر بوابة الكونجرس لاستخدام المساعدات المقدمة، والتى تبلغ مليار و٣٠٠ مليون دولار. استفادة منظمات أمريكية عديدة من الأرقام المرصودة لمساعدات المجتمع المدنى والمنظمات الحقوقية فى مصر وهو ما يجعل الجدل فى واشنطن حاضرا دائما ولا يهدأ. 

فى الجانب الآخر، خرجت إلى العلن فى وثيقة الخارجية تخوفات من من عدم قدرة الجانب الأمريكى على تقييم العمليات العسكرية فى شبه جزيرة سيناء التى يقول التقرير إن المساعدات الأمريكية تستخدم هناك. وتقول الخارجية الأمريكية إن المسئولين المصريين يوفرون «وصولا محدودًا» للمسئولين الأمريكيين للقيام بجولات فى مشروعات التنمية فى سيناء قرب قناة السويس. 

رغم التحفظات المرسلة للكونجرس تسير العلاقات الثنائية بوتيرة جيدة وفى اللقاءات التى جرت فى نيويورك الكثير من الدلالات الواضحة وأهمها اللقاء مع أعضاء غرفة التجارة الأمريكية التى تمثل أكبر تجمع للشركات الكبرى وهى الغرفة التى تحمل آراء إيجابية بشأن تطورات الاقتصاد المصرى فى السنوات الأخيرة وتستشعر أهمية الإجراءات المالية والاقتصادية فى العامين الماضيين، وبخاصة تعويم العملة وهى الإجراءات المدعومة بتقارير مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولى ووكالات التصنيف الدولية الكبرى وآخرها تقرير مؤسسة موديز والذى رغم عدم تحريك التصنيف وبقاءه كما هو عند (B٣)، إلا أنه تحدث عن الإيجابيات مثل التعويم والقاعدة التمويلية الواضحة فى السوق المحلى فى مقابل سلبيات مثل ارتفاع المديونية مقارنة بالناتج المحلى الإجمالي. 

مسألة التعامل مع الكونجرس الأمريكى فى المرحلة المقبلة هى واحدة من النقاط الحيوية التى يتعين منحها مزيدا من الاهتمام. فالنواب الأمريكيون واقعون تحت آلة إعلامية ودعائية كبيرة، بعضها يقدم الأمر باعتباره دفاعا عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ومن ثم يمنح أولوية لتعديل قانون المنظمات الأهلية فى مصر ضمن ممارسات أخرى خاصة بحرية التعبير. وقد تحدثت فى وقت سابق على زيارة الرئيس مع بعض المتخصصين فى الشأن المصرى فى الولايات المتحدة، فأكدوا أن هناك سؤالاً مهمًا فى واشنطن ينبغى التعامل معه بشكل واضح، وهو يتعلق بما يجرى الترويج له عن اتساع نطاق التضييق على الحريات فى البلاد بصورة تدعو إلى أسئلة عن مستقبل السلطة فى مصر خاصة أن هناك أطرافًا تمول وتنشر دعاية مضادة لمصر على مدى أكثر من أربع سنوات فى العاصمة الأمريكية. والوفود المصرى الكثيرة بعضها يكون مقنعًا والبعض الآخر يأتى بنتيجة عكسية نتيجة ضعف مهارات التفاوض أو غياب الحجة، وهو أمر لا يمر مرور الكرام فى الأوساط الأمريكية. نعم، العلاقات الاستراتيجية والعسكرية لا غنى عنها، ونعم يمكن احتواء الموجة الحالية ضد مصر بالتفاهم على ملفات بعينها، ونعم هناك من يعرف قدر مصر فى موازين الشرق الأوسط، ولكن يبقى السؤال هو كيفية التعامل مع بيئة سياسية متغيرة فى واشنطن فى السنوات القادمة، خاصة أن الرئاسة الأمريكية الحالية تمر باختبارات واختيارات عديدة ولم يستقر لها الأمر بعد!.