الثلاثاء 4 يونيو 2024

بالصور: «بطن البقرة».. الباحثون عن «الحياة» بين تلال القمامة

29-9-2017 | 21:10

كتبت- أماني محمد وتسبيح سمير وإسلام ياسر

 

أمتار قليلة تفصل بين مجمع الأديان ومنطقة «بطن البقرة» في قلب مصر القديمة، والمصنفة بأنها منطقة "خطورة أولى ومهددة للحياة" حسبما وصفها محافظ القاهرة السابق الدكتور جلال السعيد، وهو التصنيف الذي جعلها على قائمة العشوائيات المطلوب تطويرها، والتي يحلم قاطنوها حتى اليوم بأن يشملهم مشروعات النقل إلى إحدى الأحياء الجديدة كحي الأسمرات.

 

المنطقة "المنكوبة" تتكون من ممرات وأزقة ضيقة تصل كل منها بالآخر تنتهي بجبل يحد أطرافها، لم يصلها خدمات الصرف الصحي بعد، لكنها قائمة على نظام "الطرنشات"، ويواجه أهلها أزمة في تعليم أبنائهم ففضلا عن السمعة السيئة التي تحيط بهم وتمنعهم من دخول مدارس مدينة الفسطاط الجديدة أو "العماير" كما يسمونها، وتجد أقرب مدرسة إليهم في محيط جامع عمرو أو في منطقة الزهراء فلا يستطيعون الذهاب إليها على الأقدام.

المستشفيات والصيدليات أيضا خدمة تفتقدها المنطقة، قال عنها المحافظ السابق إنها "منطقة خطورة أولى مهددة للحياة، وتصنف كمنطقة خطورة من الدرجة الثانية كسكن غير ملائم"، فعلى امتداد 29 فدانًا تقطن نحو أربعة آلاف أسرة في مبانٍ عشوائية الإنشاء أغلبها مصنوعة من أسقف خشبية، وحياة مليئة بالمعاناة والسعي وراء لقمة العيش التي تنحصر أغلبها في "جمع القمامة" سواء من داخل المنطقة أو خارجها.

 

مشاكل المواطنين

"المنطقة لا يوجد بها أفران للخبر، لكن تأتي إلينا سيارة تابعة للمخابز يوميا".. هذه مشكلة أولى كشفها حمدي زينهم، أحد قاطني المنطقة غير الأصليين، فهو جاء إليها قبل أربعة أعوام فقط بعد زواجه من إحدى فتياتها، مضيفا "هنا لا يوجد صرف صحي وكل هذا يؤثر على أساسيات البيت، نحاول تجديد المواسير بشكل مستمر، والمكان هنا شبه مغلق ومنعزل عن العالم الخارجي".

 

فيما يحلم سيد الدسوقي، الشاب الذي لم يكمل العشرين من عمره بأن يخرج من تلك البقعة التي رأى فيها الشقاء والتعب، فيقول "أعمل منذ صغري في جمع القمامة شغلتنا كلها تعب بدون راحة ممكن نخرج في منتصف الليل ونعمل حتى الصباح أو طوال النهار ونرجع بالليل"، فيما يتمنى أن يخرج من المنطقة إلى مكان آخر أكثر نظافة وأمانًا لكي يستطيع العيش.

 

وتتمنى "أم خالد" صاحبة الخمس وستين عاما، أن تخرج إلى بيئة أفضل لكي يعيش أولادها وأحفادها في وضع إنساني ملائم، فيما تؤكد أن عملها بالمنطقة في القمامة والمخلفات هو مصدر رزقها الذي تفتخر به لأنها علمت منه أولادها وشيدت بيتا لهم وزوجتهم، ولكنها تشكو من غلاء الخدمات خلال الأشهر الأخيرة الماضية.

 

وتضيف:" نحن هنا في منطقة كأي منطقة بها الصالح والفاسد، نعم نريد الخروج والتطوير ولكن بوضع لائق إنسانيا وليس على الشارع أو مناطق صحراوية" ، مؤكدة أن الأهم بالنسبة لها هو السكن الآمن أما عن العمل "فالأرزاق بيد الله وربنا ما بينساش حد" والرزق موجود في كل مكان أهم حاجة السكن بلا أذى".

 

ومنذ 45 سنة، تعمل أم خالد، في جمع القمامة ويعمل معها أولادها بعد أن علمتهم ولم يجدوا عملاً مناسبًا، فعملوا على فرز القمامة التي يجمعونها ويبيعونها إلى مصانع وتجار، قائلين:"العربيات تخرج لجمع القمامة من الشوارع المحيطة في المنطقة وخارجها ونورد شغل لتجار في مناطق أخرى مثل منشية ناصر".

 

التطوير على بُعد أمتار

ويحكي رمضان حسن، والذي تجاوز عامه الخمسين، والقاطن في المنطقة منذ صغره، إن المنطقة منذ أن ولد وهي على نفس الحال بخدمات سيئة فلا مستشفيات أو صيدليات داخلها إلا في محيط جامع عمرو، ويضيف:"50 عامًا لم تتغير المنطقة وأهلها هم من تولوا نظافة البلد منذ أيام القفة والعربية التي تجر باليد".

 

وقال إن مساكن الفسطاط القريبة كانت عبارة عن زرائب منذ سنوات طويلة وكانت مأوى للحيوانات والخنازير وكانت بيوتها من الصاج وعبارة عن عشش صغيرة، إلا أنها ومنذ نحو 20 سنة هدمت ووصلها التطوير، ويضيف أنه "نتمنى أيضا أن ننضم إلى مشروعات التطوير ونريد أن يتم مراعاة ظروفنا، فلا نسكن بلا شروط مجحفة أو مبالغ تأمينية وإيجارات مرتفعة فالبيوت هنا كلنا ملكنا".

 

وتقول حنان محمود، ربة المنزل، إن مشكلتهم تكمن في الصرف الصحي فهي الأزمة الكبرى لأنها تضرهم وتسبب أمراض وروائح كريهة فضلا عن ارتفاع تكلفة كسح "الطرنشات"، توضح "يأتي إليها فرد من أهالي المنطقة بسيارة لكسحها يأخذ في النقلة 50 جنيها كل شهر تقريبا، وهي تكلفة مرتفعة مع غلاء أسعار الكهرباء، لكن موظف التعداد السكاني أخبرنا باحتمالية تطوير المنطقة ونقل السكان".

وتوضح صفا عبد الله، ربة المنزل وإحدى سكان المنطقة، أن تعليم صغارها أبرز ما يؤرقها بسبب عدم وجود مدرسة بالمنطقة ورفض مدارس مجاورة قبولهم بسبب انتمائهم إلى بطن البقرة والانطباع المعروف عنهم أنهم سيئين وقليلي الاحترام.

 

وتضيف "مدرسة في العماير قالوا إنها لسكان الفسطاط الجديدة فقط، وأولادنا يذهبوا إما إلى المجمع في الزهراء أو بالقرب من جامع عمرو وكلها مدارس تحتاج إلى مواصلات.

 

آلية للإنقاذ

وعن تطوير المنطقة، قال النائب سعد بدير، أمين سر لجنة المحليات، إنهم يسعون لتنفيذ خطة تطوير العشوائيات دون كلل، مضيفا أن "عملية تطوير منطقة "بطن البقرة" قيد التنفيذ وهناك ملامح ومبادرات تؤكد هذا وحي الأسمرات وغيره جاهزون لاستقبال الأهالي, وجارٍ الآن حصر باقي العشوائيات في أنحاء مصر من أجل تطويرها".

 

وأضاف لـ«الهلال اليوم» أن نسبة العشوائيات تخطت 50% من المناطق بين بيوت آيلة للسقوط وبيوت خالية من المرافق وغيرها، وهناك مناطق أخرى تشملها عمليات التطوير مثل عزبة خير الله التي تقع فوق الجبل وبالفعل تم نقل أشخاص من قاطنيها إلى حي الأسمرات ومساكن الفسطاط الجديدة.

 

وأوضح أنه لا يمكن نقل منطقة بأكملها بين عشية وضحاها وأن الأمر يحتاج فترة زمنية طويلة، مضيفا أن "بعض الأشخاص يماطلون في تسلم الشقق وترك أماكنهم القديمة أو الاستفادة منها بشكل غير قانوني وهو ما يعرقل عملية نقل المواطنين ويسلب ذوي الحقوق في الحصول على سكن لائق".

 

وتابع:" لكننا مع ذلك نحاول أن نحل المشكلة جذريا وفى وقت قصير وهذا سينطبق على العشوائيات أجمعها".