الإثنين 29 ابريل 2024

تلك آثارنا (18).. تمثال الملك أمنحتب الثالث الخشبي

مقالات21-7-2023 | 20:30

في مجال الآثار، لا تكمن أهمية الأثر في حجمه، وكذلك لا يكمن الجمال في ضخامته ووزنه، فكم من كبير خامل، وكم من ضخم من الجمال عاطل، ولكن في مجال الآثار قد ينبىء القليل عن الكثير، وقد يحمل الضئيل من الدلالات والحقائق الكم الوفير.

وهذا التمثال الصغير، الذي لا يتجاوز ارتفاعه 26 سم للملك أمنحتب الثالث (1393-1353 ق.م تقريبًا)، يعدُّ أحد روائع أعمال فن النحت الخشبية في مصر القديمة، صحيح أنه لا يقارن في حجم ومهارة وقوة تعبير تمثال شيخ البلد "كا عبر " من الدولة القديمة، لكنه يحمل دلالات أخرى ذات أهمية فنية وتقنية وأثرية، فهذا التمثال الصغير، المثبت على قاعدة خشبية منقوشة، قد جمع بين الكلاسيكية المصرية المتبّعة في النحت من عصر الدولة القديمة، حيث يعود شكل التمثال، الذي يمثل هيئة الماشي، إلى عصر الأسرة الثالثة (حوالي 2675-2625 ق.م)، وبين الطابع الجديد للملامح الشخصية في التماثيل الملكية، التي اتسمت بالواقعية التعبيرية، وغاب عنها الهيبة، والوقار، بعدما سمح الملك أمنحتب الثالث بتصوير نفسه على أنه رجل مسن بهيئته الواقعية فبدأ بكرش ملحوظ وفك متهدل. يصوره ماشياً ساقه اليسرى تتقدم على اليمنى، وهو يرتدي التاج الأزرق، مع جسم الصل ملفوف من الأمام، هناك فتحة مربعة لرأس الصل أعلى الجبهة، وهي مفقودة الآن. وهذا التاج الذي لم يظهر إلَّا قبل الأسرة الثامنة عشرة مباشرة (حوالي 1539 قبل الميلاد)، بعد أكثر من ألف عام.

هناك حفر عالي الدقة والتنفيذ في التاج، الذي يُرجح أنه صنع منفصلاً ثم ثُبِّت بالوصل في مكانه فوق الرأس، وحلقة معدنية صغيرة على الجزء الخلفي من الرقبة ربما لربط شرائط من رقائق الذهب للتاج.

الذراعان مفقودان، ربما كانا متصلان بالجذع، وربما كان الوصل أشبه ما يكون بالوصل في تمثال كاعبر "شيخ البلد" من الدولة القديمة (بالنقر واللسان).

ملامح الوجه دقيقة، رقيقة، متسقة، تغلفها الرقة. الحاجبان مقوسان، والعينان كأنهما تنطقان من الزجاج الأبيض والأسود، والحاجبان ومحدد العيون من الزجاج الأرجواني والأزرق، الحلمات مصنوعة بشكل منفصل. يرتدي الملك نقبة طويلة مذهبة بأوراق الذهب ذات حدود عريضة في الأعلى بتصميم معينات منقوشة؛ ثم حزوز طولية.

التذهيب في بعض مناطق الرأس، والنقبة، غالباً ما كان يطبَّق مع الخشب بعد وضع طبقة لاصقة من الغراء أو الصمغ في صورة رقائق أو صفائح، وفي أحيان أخرى بعد الغراء والجص الرقيق، وقد يتم تطبيقه بصورة مباشرة على الخشب وأن كان ذلك قليلاً. وهو في هذا التمثال على الأرجح بعد استخدام مادة لاصقة كأرضية تساعد على التصاق رقائق الذهب بالخشب.

التمثال مثبَّت على قاعدة خشبية، بالتأكيد من خلال لسان في تجويف بالقاعدة، كما هي العادة في مثل هذه التماثيل الواقفة على قاعدة سواء خشبية أو معدنية، وربما تكون هذه القاعدة من نوعية من الخشب مختلفة عن النوعية المصنوع منها التمثال.

والخشب، كما هو معروف، من المواد سهلة التشكيل والنحت، أو الحفر، عليها وهو ما ساعد الفنان في إخراجه بهذا الشكل المميز. ويظهر من الملامح تأثير فن العمارنة مما يرجح أن يكون التمثال قد صنع بعد وفاة أمنحتب الثالث. يفتقد التمثال مساحة من الذهب في الجهة اليمنى من النقبة، ومن عصابة الجبهة، كما يفقتد التمثال للذراعين، ربما يتم العثور عليهما يوماً ما في أي مكان من العالم؛ ليجتمع شمل الجسد بهما ويجتمعان به.

وأخيراً فإن ما يؤسف له أن هذا التمثال الرائع  لا يقتنيه أحد متاحفنا، بل هو من مقتنيات متحف بروكلين، ثاني أكبر المتاحف في مدينة نيويورك، بعد متحف المتروبوليتان، وواحد من أكبر متاحف الولايات المتحدة الأمريكية، لا ندري كيف خرج من مصر وصل إلي هناك ومتى كان ذلك؟.

Dr.Randa
Dr.Radwa