تحلُّ علينا اليوم الذكرى 21 لرحيل الدكتور عبدالرحمن بدوي، الذي أثرى المكتبة العربية والثقافة الإنسانية بالكثير من المؤلفات الطليعية والتحقيقات العلمية والترجمات الإبداعية، محاولًا التوفيق ما بين ديناميكية الغرب، وأصالة وإبداع الشرق، حتى قال الدكتور طه حسين في حقه إبان اجتيازه مرحلة الدكتوراة: "الآن.. أصبح في مصر فيلسوف".
ولد الدكتور عبدالرحمن بدوي في الـ 17 من شهر فبراير عام 1917، في قرية شرباص بمحافظة دمياط شمالي مصر، حيث تلقى بها تعليمه الإلزامي ثم انتقل إلى القاهرة وهناك أكمل تعليمه الإعدادي وحصل على الثانوية العامة من المدرسة السعيدية، وحل في المرتبة الثانية بين طلاب مصر عام 1934.
التحق "بدوي" بقسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وأثناء دراسته ابتعث إلى الخارج لدراسة اللغة الألمانية والفرنسية، بتوجيهات من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وقد كان "بدوي" يثمن جُل حبه لأساتذته الفرنسيين اللذين درسوا له بالجامعة، ويرى في مجهودهم العلمي أثرًا كبيرًا في تكوينه، ونضوجه الفكري.
وقد حصل على درجة الماجستير عن رسالته "مشكلة الموت في الفلسفة الوجودية" والتي عدلها إلى "مشكلة الموت في الفلسفة المعاصرة"، وحصل على درجة الدكتورة عن رسالته "الزمان الوجودي"
بالإضافة إلى المساهمة الكبيرة التي قام بها الدكتور عبدالرحمن بدوي، للثقافة العربية، بتقدم الفلسفة الوجودية التي تبحث عن تفسير لأحوال الوجود، وأحوال الإنسان، ومصير الإنسان، وعواطفه ومشاعره التي تمرُّ بصدره وتأثر بشكل واضح في مسيرة حياته كلها.
وقد اختلف الباحثون في عدد مؤلفات الدكتور عبدالرحمن بدوي، منذ أن ترك جامعة القاهرة عام 1966، واستقراره بالأخير في باريس، عكف الدكتور بدوي على تأليف الكتاب تلو الآخر، حتى قيل إن مؤلفته بلغت 130 وبعضهم قال بل بلغت 150، ويرى الفيلسوف محمود أمين العالم والذي يُعد تلميذًا لـ عبدالرحمن بدوي، أن مؤلفاته تقترب من 200 كتاب.
ومن أهم أعماله: "الإنسان والوجودية في الفكر العربي، أفلوطين عند العرب، مناهج البحث العلمي، اشبنجلر، موسوعة الفلسفة، موسوعة المستشرقين".
وأثناء وجوده في باريس سقط مغشيـًا على الأرض، ونقل على إثر ذلك إلى مستشفى "كوشان" -بحي مونبرناس بباريس-، ثم تمت بين إدارة المستشفى والقنصل المصري بفرنسا محادثات، أسفرت عن تحمل الدولة نفقات علاج "بدوي"، فعاد إلى مصر وهو في حالة صحية متدهورة، حتى استقر بمستشفى معهد ناصر، التي تُوفي بها يوم الـ25 من يوليو عام 2002، وكانت أخر أعماله التي صدرت قبل وفاته، ترجمة جزء من السيرة النبوية إلى الفرنسية.