الأحد 12 مايو 2024

البيدق لا يجيد نظرية الألعاب

مقالات27-7-2023 | 20:19

أعادت مخرجات قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" بفيلنيوس إلى الواجهة، السؤال الذي تردد كثيراً ما هو مصير إنضمام اوكرانيا الى الحلف؟ المشهد بدأ مختلفاً بشكل جذري في قمة فيلنيوس، بعد مرور 500 يوم على اندلاع الحرب، استفاد الغرب واستعاد الحلف الغربي "شبابه" وبدت أوروبا أكثر تماسكاً وأنطلقت مرحلة توسع جديدة بانضمام السويد المرتقب خلال أشهر معدودة، بينما تواجه موسكو موقفاً جديداً، يغدو معه بحر البلطيق "بحيرة أطلسية مغلقة" بالكاد تطل عليها روسيا بمساحة محدودة شمالاً ومن جيب كالينينجراد المحاصر بدول "معادية".

لكن مع كل ذلك التعقيد فى المشهد تظل نظرية الالعاب سيدة الموقف , .تلك النظرية التى أسسها وصممها عالم الرياضيات الهنغاري-الأمريكي جون فون نيومان، وتعرف بأنها وسيلة من وسائل التحليل الرياضي لحالات تضارب المصالح للوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرار في ظل الظروف المعطاة لأجل الحصول على النتائج المرغوبة.  أصبحت تلك النظرية تطبق اليوم فى معضلات أكثر جدية تتعلق بـعلوم الحاسب وعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة بالإضافة إلى العلوم العسكرية.

تشكل الحرب الروسية الأوكرانية فى تلك النظرية اللعبة الرئيسية وموقف يجب على اللاعبين الرئيسيين (الدول الغربية - الولايات المتحدة – روسيا - أوكرانيا) فيه اتخاذ قرار. يتصرف اللاعبون استراتيجيا أي أنهم يحسبون أو يتكهنون حركة المنافس أو اللاعب الآخر ويدخلونها في حساباتهم . كل اللاعبين يعرفون نوايا (أي ما هي النتيجة التي يريد المنافس أن يصل إليها) منافسيهم , ومنافسوهم يعرفون ذلك بل ويعرفون أن منافسيهم يعلمون ذلك.يخطط الغربيون ومعهم الولايات المتحدة الامريكية الى إنهاك روسيا عبر حرب طويلة الامد تخسر فيها روسيا قدراتها العسكرية والاقتصادية بل وقدرتها وتأثيرها السياسي فى العالم .

جاءت تلك الفرصة عبر غياب الخطة الأساسية بسحب أوكرانيا للمعسكر الغربي وإستخدام أراضيها فى تهديد روسيا فى العمق . إكتشف القيصر بذكائة التخطيط وبدأ حرباً للدفاع عن عمق دولته . تحول اللاعبون الى الخطة البديله الاولى وهى محاولة تشويه روسيا عبر تصدير مشهد للعالم بأن روسيا معتدية على جارتها لاغراض توسعية وأيضا تتحفظ على منافذ الحبوب والغلال وتنهك الاقتصاد العالمى , ليفوت القيصر ذلك ويتم ابرام إتفاقية العبور للحبوب من العقلاء فى العالم . ليتحول اللاعبون الى خطة أكثر صراحة ومواجهه .

الانهاك العسكرى والإقتصادى لروسيا عبر حرب طويلة الامد ينهك فيها الاقتصاد الروسي وكذلك العتاد العسكرى , فى كل هذة الخطط والأحداث إين هو موقع أوكرانيا, أنها البيدق الذى يقع فى المواجهه ينفذ ما يطلب منه عبر دعم محدود وخسائر مفتوحة , لا يحقق نصراً كاملا ً ولا يخسر كل شيئ. فقط ينفذ خطة اللاعبين للإطاحة بروسيا , بدأ البيدق فى تنفيذ الخطة يوم إرتضى أن يطمح بعيداً عن المعسكر الشرقى و أن يكون أحد اللأعبيين الغربيين وينضم اليهم فى معسكرهم ويترك جذوره الشرقية , ويهدد روسيا , بينما رسم اللاعبين الكبار كل ذلك فى تغافل واضح لمصالح البيدق فى الميدان.

فقط رسائل مطمئنة حذرة اننا معك مع قليل من الدعم وحسابات اللعبة التى تقتضى عدم انضمام أوكرانيا للمعسكر الغربي حتى لا يدخل الغرب مكان البيدق فى مواجهه صريحة عسكرية مباشرة مع القيصر وتصبح الاراضى الاوروبية مسرحا للحرب . فقط يكفى أن تستمر الاراضى الاوكرانية مسرحاً لتلك الحرب وتنفذ ذلك الهدف بالنيابة عن المعسكر الغربي . تلك هى الرسالة الصريحة من القمة الأخيرة.

ظهر ذلك فى"خيبة أمل" زيلينسكي بعد رفض مطالبه بتحديد جدول زمني لانضمام بلاده إلى "الناتو"، كان زيلينسكي يرغب في العودة إلى بلاده بانتصار واضح ورسالة قوية لموسكو، ومع أنه لم يحصل على كل ما أراد . حصل على وعد لأوكرانيا بأن تكون إجراءات الانضمام للناتو اسهل من أى دولة وقت أن يقرر الغرب ذلك .كان هذا الوعد الضعيف كل ما تحصل عليه زيلينسكي مع حزمة من المساعدات وإعتبره البيدق كافيا ً أن يستمر فى التقدم. فى الحقيقة، مضى أوان التراجع للبيدق وعليه أن يستكمل ما بدأ . ولكن عليه أن يتعلم أكثر من نظرية الألعاب التى تدار حتى لا يخرج الخاسر الوحيد من الأزمة.

Dr.Radwa
Egypt Air