تعتبر اللغة الهيروغليفية أو الكتابـة الهيروغليفـيـة أي (النقش المقدس أقدم لغة مكتوبة معروفة في التاريخ. هي لغة المصري القديم في مصر القديمة، وتعود جذورها إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد. يُعتقد أن أقدم النصوص الهيروغليفية تعود إلى حوالي عام 3200 قبل الميلاد.
أقدم لغة عرفت ودرست، و قد كان من الصعب جدا معرفة هذه اللغة دون العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون الذي فك رموز اللغة الهيروغليفية وفهمها بشكل موسع عام 1822، من خلال دراسة حجر رشيد، وهو حجر منقوش بنفس النص بالهيروغليفية والديموطيقية واليونانية فعمل شامبليون على مقارنة النصوص في اللغات الثلاث وتحليل الرموز والرموز المرجعية الموجودة في النصوص الهيروغليفية لكشف مفتاح فهم النظام الهيروغليفي.
بفضل هذا الاكتشاف، أصبح بإمكان العلماء فهم وترجمة النصوص الهيروغليفية و تكوين صورة شبه متكاملة عن حياة المصري القديم و تاريخه و الاحداث التي حصلت واستعادة المعلومات القيمة عن الحضارة المصرية القديمة وتاريخها وفتحت الباب للكثير من البحوث والاستكشافات في هذا المجال.
وبالرغم من أن اللغة الهيروغليفية ليست جزءًا من اللغات العربية، إلا أنها لها تأثير كبير على الثقافة العربية من عدة أوجه:
أولها الإثراء اللغوي فقد تم تطوير العديد من الكلمات والمفردات في اللغة العربية المعاصرة من خلال استعمال بعض الكلمات المشتقة من الهيروغليفية. على سبيل المثال، كلمة "مصر" في اللغة العربية تشير إلى البلاد نفسها، وهي مشتقة من كلمة هيروغليفية تعني "منزل القاهرة". بالإضافة إلى ذلك، العديد من الكلمات المستخدمة في المجالات العلمية والتقنية، مثل الفيزياء والكيمياء، لها أصول هيروغليفية.
ومن بين هذه الكلمات:
مصر (Misr): تشير إلى البلاد نفسها وتعني "منزل القاهرة" في الهيروغليفية.
نيل (Nīl): يشير إلى نهر النيل، وكلمة "نيل" تعود إلى الهيروغليفية "نيلوس" (Nīlos).
كتاب (Kitāb): يعود أصلها إلى الهيروغليفية "كبت" (Kb.t) وتعني "كتاب".
قلب (Qalb): يعود أصلها إلى الهيروغليفية "كلب" (Qlb) وتعني "قلب".
شمس (Shams): تعود إلى الهيروغليفية "شمس" (Shms) وتعني "شمس".
قمر (Qamar): يعود أصلها إلى الهيروغليفية "كمر" (Qmr) وتعني "قمر".
بلد (Balad): تعني "بلد" أو "دولة" في اللهجة الدارجة، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "بلت" (Blt) وتعني "بلد".
كتكوت (Kattūt): تعني "فراخ" أو "صغار الدجاج"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "كتكت" (Ktk.t) وتعني "فرخ".
كوشة (Kūsha): تعني "قش" أو "قشر الأشجار"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "كوش" (Kwš) وتعني "قش".
طوابير (Tawābīr): تعني "صفوف" أو "تجمعات"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "توب" (Tw.b) وتعني "صف".
حجارة (Hajāra): تعني "حجارة" أو "أحجار"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "حجر" (Ḥgr) وتعني "حجر".
فرماج (Firmāj): يعني "جبن"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "فرم" (Frm) وتعني "جبن".
خشب (Khashab): يعني "خشب"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "خشب" (Ḫšp) وتعني "خشب".
خيط (Khīṭ): يعني "خيط"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "خيط" (Ḫyt) وتعني "خيط".
سلم (Sallam): يعني "سلم" أو "درج"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "سلم" (Sllm) وتعني "سلم" أو "درج".
عبد (ʿabd): يعني "عبد" أو "خادم"، وتعود أصولها إلى الهيروغليفية "عبد" (ʿbd) وتعني "عبد" أو "خادم".
نوح (Nūḥ): يعني "نوح"، ويشبه كلمة الهيروغليفية "نوح" (Nwh) وتعني "الماء".
خدمة (Khidmah): يعني "خدمة" أو "خدم"، ويشبه كلمة الهيروغليفية "خدم" (Ḫdm) وتعني "خدمة" أو "خادم".
مرمر (Marmar): يعني "رخام"، ويشبه كلمة الهيروغليفية "مرمر" (Mrmr) وتعني "رخام".
زرافة (Zarāfah): يعني "زرافة"، ويشبه كلمة الهيروغليفية "زرافة" (Zrf) وتعني "قملة النخيل".
طوب (Ṭūb): يعني "طوب"، ويشبه كلمة الهيروغليفية "طوب" (Ṭb) وتعني "طوبة".
هناك كلمات كثيرة أخرى مثل "تاتة" التي تعني خطوة خطوة، وتُقال للأطفال الصغار عند محاولات التدرب على السير، وكذلك كلمة "نُنة"، التي تعني طفل صغير، أما "كركر" التي يشار بها إلى الشخص الذي يفرط في الضحك، وتعني بالمصرية القديمة "يضحك".
وكلمة "بطط" اي رقرق بطط العجين نفسها بالهيروغليفية، "مكحكح" التي تعني في الهيروغليفية رجل شايب.
"حَبة حَبة" ذات المعنى عن المصريين القدماء.
"بح" التي تُعني "انتهى".
"مأهور" التي تحمل معنى الحزن والقهر.
ست" بمعنى سيدة
وكلمة "فط" بمعني يقفز
و"مأأ" وتعني يقرأ الشيء بدقة، و"هم هم" بمعنى يأكل.
أتذكر حين جئت الى مصر لأدرس في جامعة القاهرة وكان أحد أسباب اختياري أرض الكنانة هو ليس فقط للمشاركة في المشهد الثقافي المصري والاستفادة من النقد الحي و المباشر من أهم الكتاب و النقاد فحسب بل لحبي أيضا للاستكشاف بواطن الأسرار في مصر الفراعنة و من هنا كان تواصلي مع الأستاذ الدكتور و العالم المصري الكبير الراحل الدكتور عبد الحليم نور الدين لأتعلم تاريخ مصر القديمة وقد كنت أجلس معه تلميذة بآذان صاغية و كنت أجد عالما من السحر الأخاذ في أحاديثه.
و بالعودة للغة الهيروغليفية و تأثيرها على الثقافة العربية نجد أنه، بالإضافة إلى اللغة، تأثرت الثقافة العربية بالعديد من العادات والتقاليد المصرية القديمة. وقد تركت تأثيرها العميق على العديد من الجوانب الثقافية في المنطقة. على سبيل المثال، الأعياد مثل عيد شم النسيم و ارتباطه في فصل الربيع.
كما أن الفنون المصرية القديمة قد ألهمت العديد من الفنانين العرب في إبداعاتهم، وتظهر العديد من العناصر المصرية في فن العمارة العربية التقليدية ، مثل استخدام الأعمدة والأقواس المستوحاة من الآثار المصرية. كما تركت المصر القديمة أيضًا أثرها ببعض العقائد والمفاهيم المصرية القديمة خاصة تلك التي تشبه المعتقدات الدينية في الديانات السماوية و في مجال الطعام والغذاء ومثال على ذلك كعك العيد (الكحك المصري) القديم الذي مازال محتفظا بشكله ونقوشه إلى يومنا هذا.
وتوارث الناس عن الحضارة الفرعونية التي نقلت إلينا عن طريق فهم اللغة الهيروغليفية بعض الحرف اليدوية مثل النسيج والنحت والطباعة والخياطة والتطريز.
الأساطير والقصص التي علمت الأدباء و فتحت مخيلة كتاب الأطفال على سبيل المثال قصة إيزيس وأوزوريس وقصة الرحلة الليلية للشمس.
كما أن الطقوس الجنائزية الفرعونية من العزاء و الموكب الجنائزي و مجلس البوم العاشر ومجلس البوم الأربعين الذي يكون قد اكتمل به إجراءات التحنيط، حيث يتم إحياء هذه التقاليد في بعض المناطق بمصر و في بعض البلدان العربية حتى اليوم.
كما ورث العرب من الفراعنة الاهتمام بالأسرة والأطفال وكتابة التاريخ والتأكيد على تثبيته وتوثيقه.
ورث المعاصرون أيضا من أجدادهم الاهتمام بالمظهر والزينة والهندام و القماش و الملابس و المجوهرات و تسريحات الشعر و تحسين المظهر حيث ادوات الزينة مازالت تزخر بها المتاحف المصرية شاهدة على ذاك العصر الذهبي.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الهيروغليفية من أهم الرموز المكتوبة التي استخدمها العرب في تطوير الخط العربي. فقد تأثر الخط العربي بشكل واضح بالأشكال الهيروغليفية واستوحى بعض العناصر منها، مما أثر على التصميمات والزخارف العربية.
إن اللغة الهيروغليفية أثرت أيضًا على الأدب والفلكلور العربي. فقد تم استخدام الرموز المصرية في قصص وحكايات العرب، وكانت تعتبر عناصر جذابة وغامضة. كما تم استخدام القصص الأسطورية المصرية في الأدب العربي والشعر، حيث تم تجسيد الآلهة والأبطال المصريين في القصائد والروايات.
علاوة على ذلك، يمكن رؤية تأثير الهيروغليفية في الفنون البصرية العربية. فقد تم استخدام العناصر الهيروغليفية في التماثيل والتحف والرسوم الجدارية في العالم العربي، مما يعكس التأثير الفني للحضارة المصرية القديمة.
على صعيد آخر، يمكن القول أن اللغة الهيروغليفية ثارت اهتمام المستكشفين والعلماء العرب بتاريخ وحضارة مصر القديمة. فقد ساهمت دراسة الهيروغليفية في فهم أعمق للحضارة المصرية القديمة وتقدمها في مجالات مثل العمارة والزراعة والطب والفنون، وهذا أثر بدوره على تطور العلوم العربية والمعرفة.
اللغة الهيروغليفية لها عدة مميزات تجعلها فريدة ومهمة من بين اللغات المكتوبة التاريخية. إليك بعض المميزات الرئيسية للغة الهيروغليفية:
نظام الكتابة المعقد يستخدم الصور والرموز التي تمثل الكلمات والأصوات والمفاهيم. تتألف الكتابة من أكثر من 700 رمز يعبر عن الأشياء المختلفة، وهذا يعني أنها كانت تتطلب مهارات خاصة لفهمها واستخدامها.
كما تتميز بتعدد الاستخدامات كالنصوص الهيروغليفية على جدران المعابد والأهرامات والمقابر التي تتناول مواضيع مثل الدين والتاريخ والأدب والسياسة والتجارة.
كما تحمل الهيروغليفية ثروة ضخمة من المعرفة والتراث الثقافي للشعب المصري القديم. من خلال فهم الهيروغليفية، يمكننا الوصول إلى المعلومات حول الملوك والملكات والأحداث التاريخية والمعتقدات الدينية والتقنيات المستخدمة في تلك الحقبة.
هذه اللغة المعمرة استمر استخدامها على مدى آلاف السنين في مصر القديمة. وتوجد نصوص هيروغليفية تغطي فترات زمنية مختلفة، مما يوفر لنا فهمًا أعمق للتطورات اللغوية والثقافية على مر العصور.
تعتبر الهيروغليفية أيضًا شكلًا فنيًا مذهلاً. تمتاز الرموز والصور الهيروغليفية بتفاصيلها الدقيقة والتصميمات الجميلة. وقد استُخدمت الهيروغليفية لتزيين الأهرامات والمعابد والآثار الأخرى، وتعد أعمال الكتابة الهيروغليفية لوحات فنية تحظى بتقدير كبير.
كما أن دراسة الهيروغليفية وفهمها تساهم في فهم الحضارة المصرية القديمة بشكل أعمق. من خلال فك شفرة الهيروغليفية، تمكن العلماء من استعادة معلومات عن المجتمع والاقتصاد والدين والفن والعلوم في تلك الحقبة الزمنية.
تعد الهيروغليفية جزءًا هامًا من تراث البشرية، وتمتلك قيمة تاريخية كبيرة. تساهم دراسة الهيروغليفية في رصد التطورات اللغوية والثقافية والاجتماعية على مر العصور، وتكشف عن التواصل والتأثير بين الحضارات المختلفة.
العلوم الغامضة وأسرار الكون وعلم الفلك و السحر والغموض والعالم الآخر والخفايا والخبايا التي تثير الفضول و تجرك للأعمق ولمحاولة فهم هذا الكون وأسراره.
فهذه اللغة فتحت آفاقا واسعة وأبوابا مازالت تفتح أبواب ومازالت الأسرار قيد الكتمان وفي كل عام ينكشف واحدا منها ويظل الشغف جاذبا لهذه الحضارة الخالدة الحضارة المصرية الفرعونية ممتدة الأصداء.