الأربعاء 25 سبتمبر 2024

مجلة بريطانية: الغرب لم يعد قادراً على شن حرب

الصراع في أوكرانيا

عرب وعالم2-8-2023 | 11:22

دار الهلال

 أشار الكاتب في مجلة "نيوستيتسمان" البريطانية مالكولم شيونه إلى أن مخططي الدفاع الغربيين تصوروا طريقتين لخوض الحرب في ذروة لحظة الأحادية القطبية قبل الأزمة المالية: الانخراط أولاً في تدخلات قصيرة وحادة ومتطورة تقنياً بشكل مذهل ضد الدول المارقة مثل كوريا الشمالية وليبيا وإيران، وكانت الثانية الانخراط في مهام حفظ السلام، عفا الزمن الآن عن هذه الأحلام. 

وأظهر الصراع في أوكرانيا أن الحرب الصناعية قد عادت؛ في الحقيقة، ربما يكون من الأدق القول إنها لم تختف قط. في بداية الحرب، تم الاستهزاء بروسيا باعتبارها اقتصاداً بحجم بلجيكا وهولندا، وكان الخبراء في جميع أنحاء الغرب على يقين من أن الصواريخ والقذائف والرصاص والقنابل اليدوية والمجارف ستنفد من مخزونات الروس في نهاية المطاف. بعد أكثر من 500 يوم على بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تبين أن الحقيقة هي عكس ذلك.

فقذائف المدفعية مصنوعة من الفولاذ وليس من النقود الورقية. بالتالي، تقول "ستيتسمان" إن امتلاك صناعة الصلب والمصانع من دون نقود يُعد أمراً مهماً جداً، في حين أن امتلاك المال من دون صناعة الصلب ومصانع المدفعية هو أمر ضئيل الأهمية. كانت الأخبار الأخيرة التي تفيد بأن الولايات المتحدة سترسل قنابل عنقودية إلى أوكرانيا تخبر المراقبين بما أخبرتهم إياه الولايات المتحدة: أكبر اقتصاد في العالم على وشك استنفاد الذخيرة التقليدية لإرسالها إلى أوروبا.

ولا يعتقد الكاتب أن صراعاً بين القوى الكبرى أو حرباً عالمية ثالثة مرجحان كما يرى البعض في واشنطن بعد صعود الصين. لكن هذا الخبر أقل إيجابية مما قد يبدو. كانت الحرب العالمية الثانية هي الحرب الصناعية النهائية، ولذلك هي حرضت كامل القوة الإنتاجية الكاملة للقوى العظمى ضد بعضها البعض.

ولم يتم إنتاج أي غسالات أو طرازات جديدة من السيارات خلال ذروة المشاركة الأمريكية: لقد تم بذل القدرة الصناعية بشكل كامل في جهد تدمير قوى المحور. أنتجت مصانع الفونوغراف وآلات الطباعة بنادق كاربين إم-1 بكميات لا تنتهي. أصبح مصنعو السيارات مصنعي دبابات بين عشية وضحاها. لم يعد أي من ذلك ممكناً بالنسبة للدول الغربية. يقدم الكاتب بريطانيا مثلاً على ذلك.

وفقدت بريطانيا أكثر من خمسة عشر ألف دبابة خلال الحرب العالمية الثانية. اليوم، تمتلك البلاد أقل من مئتين وخمسين دبابة قتالية رئيسية، ونحو ثلث تلك الدبابات لم يعد عاملاً. بالنظر إلى أن المملكة المتحدة لم يعد لديها أي قدرة على بناء دبابات جديدة، إذ تم إغلاق آخر مصنع للدبابات في العقد الماضي، إن حصة متزايدة من الدبابات المتبقية في المملكة المتحدة تخدم فقط كآلات تُحول قطعها إلى عدد متناقص من الدبابات التي لا تزال تعمل. بين 2010 و2014، "تخلصت" وزارة الدفاع من 43 دبابة من طراز تشالنجر 2 التي تشكل الجزء الأكبر من القوات المدرعة البريطانية، من خلال وضعها "خارج أي إصلاح اقتصادي" حسب صحيفة "تايمز".
 

وأشار الكاتب أيضاً إلى أن بإمكان بريطانيا أن تشارك في صراع بين قوى عظمى متصور في واشنطن طالما خاضت القتال بالقرب من الجزر البريطانية، وبشرط اتفاق شرف بين جميع المعنيين على عدم استمرار الحرب لأكثر من أسبوعين. بعد تلك النقطة، ستنفد الذخيرة من المخزونات البريطانية، ولم يعد هناك أي مصانع فونوغراف أو آلات كاتبة لتحويلها إلى الإنتاج العسكري كما لم يعد هناك موظفون مدربون للعمل في المصانع.

بعدما ساد اعتقاد بأن الحرب الصناعية قد ماتت، كان الغرب بطيئاً في الاستيقاظ على النطاق الكامل لما يعنيه حقاً إلغاء التصنيع الذي فرضه على نفسه. في إحاطاته الداخلية، يقدر البنتاغون الآن أن قدرة بناء السفن الصينية أكبر بـ200 مرة من قدرة الولايات المتحدة وما من طريقة لسد هذه الفجوة.

على سبيل المقارنة، كانت الهوة بين اليابان والولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية أكبر بـ"مجرد" عشر إلى عشرين مرة لمصلحة الثانية. كانت تلك الفجرة تعد وبشكل صحيح خللاً في توازن القوى لا يمكن التغلب عليه بشكل جوهري. إن الاعتقاد بأن هذا يعني ببساطة أن الولايات المتحدة ستدخل صراعاً مع الصين في وضع غير مؤات، لكنها ستظل قادرة على القتال والفوز بالطريقة والأدوات نفسها التي حاربت وفازت بها في النزاعات الصناعية السابقة، هو إخفاق في فهم مدى تغير العالم.

بمجرد إلغاء التصنيع، لا يعود بالإمكان الانخراط في حرب تتضمن استخدام ثم فقدان عشرات وعشرات الآلاف من الدبابات والطائرات والعربات المدرعة واستخدام مئات الملايين من قذائف المدفعية.

هذا لا يعني أن الحرب تصبح مستحيلة: كانت هناك العديد من الحروب الكبيرة والصغيرة التي خيضت في وسط أفريقيا خلال الذاكرة الحية.

لكن بالنسبة إلى الحرب الصناعية، إنها تنتمي فقط إلى دول ذات قواعد صناعية كبيرة. ولكي يعيد الغرب بناء نفسه إلى ما كان عليه سنة 1960 مثلاً، لا يَعِد هذا الأمر بأن يكون قضية سريعة. لقد استغرق الأمر أكثر من جيل لإلغاء التصنيع، ومن المحتمل أن يستغرق الأمر الوقت نفسه للتراجع عنه، إذا كان ذلك ممكناً أصلاً.