بقلم: حمدى رزق
نكَحَ يَنكَح ويَنكِح، نِكاحًا، فهو ناكِح، هى ناكِحٌ، وناكِحَةٌ والمفعول مَنْكوح..
حديث النكاح يسرى، حرت واحتار دليلى فى سيطرة النكاح على العقل الجمعى العربى، ناهيك عن العقل المصرى، طالع العناوين على محركات البحث، Google نموذج ومثال، صفحة النكاح وتنويعاتها، كيف يتم النكاح فى الإسلام، النكاح والإلقاح، الخطبة الشرعية وأركان عقد النكاح، ما يحرم من النكاح، النكاح الشرعى، الفرق بين الزواج والنكاح، النكاح المباشر، النكاح فى المنام، فن النكاح فى تراث شيخ الإسلام .
وأزيدكم من النكاح بيتا، ومن موقع الداعية الكيوت عمرو خالد شرح واف لأنواع النكاح عند العرب قبل الإسلام، ومثله وفى مواقع أخرى، أسئلة شرعية عن أنواع النكاح، والنكاح كما هو معلوم بالضرورة أنواع، وتتنوع الأنواع، فهناك أنواع عند السنة، وأنواع عند الشيعة، وفرع منها أنواع النكاح عند الشيعة الإمامية.. إلخ.
وإذا كنت من هواة مطالعة كتب النكاح للاستزادة من علوم النكاح وأوامره ونواهيه، متوفر فى المكتبات الإلكترونية، كتاب «بداية المجتهد» المشهور بكتاب النكاح، و«الشرح الممتع على زاد المستقنع»، و«الإفصاح عن عقد النكاح» و«آداب النكاح وكسرالشهوتين»، و«النكاح من بلوغ المرام»، و«المناكحة والمفاتحة» وإلخ.
اعلاه من تراثنا الفقهى المعتبر، وبلغة قرآنية جد حصيفة ومعتبرة وراقية لا تسبب حرجا ولا تثير شهوة ولا توقظ الشيطان، ولكن بعد ارتقاء الأقدمين جبل النكاح رهقا ووضع علامات على طريق النكاح تبلغ المرام ، بات مستغربا أن يترى سائل فى وحل نفسه متحيرا عن نكاح البهيمة، وكأن قوما بيننا لا يزالون ينكحون البهائم، والأعجب أن تفتى التى هى مفتية بجواز نكاح البهائم على ما وصل إليها وقال به الأقدمون.
ويسأل آخر مبلبلا ساقطا من حالق فى وحل نفسه، عن نكاح الميتة بعد طلوع الروح، ويجيزه الذى يفتى على أئمته ويقر بجوازه، وكأن بيننا من يتوقون إلى نكاح الموتى قبل الغسل، أو تفشى فينا نكاح الأموات، وكأنها لقطة مستوحاة من سلسلة أفلام «الأحياء الأموات» الامريكية المرعبة.
مثل هذه النماذج الشاذة تؤشر على أن الشغل الشاغل للعقل العربى الجامع فى فراغه اللانهائى هو النكاح، الدماغ العربى فيه هواء، تصفر فيها الرياح، إلا من رحم ربى وفكّر وتدّبر فى خلق الله، شغل العقل العربى بالنكاح فى الليل والنهار لغو مستلغز يحتاج إلى تفكيك رموزه، وكأن الدنيا خلت إلا من النكاح، وخلت أعطاف عقولنا من شواغلها فباتت تجتهد فى استنباط الشاذ من أحكام أنواع النكاح، ويجتهد المجتهد فى السؤال، ويعمل المفتى عقله فى تخريج أحكام النكاح، ونحن عليهم شهود، لربما قالوا فى النكاح ما يروى عطش النفس الظمأى للنكاح.
لله فى خلقه شئون، سيطرة النكاح على العقل العربى تحتاج إلى وقفة وتبين، وقفة من عقل بلغ الشذوذ به مبلغه للسؤال عن نكاح الميتة، وتأزم وضعه ولفته الحيرة ليس فى تدّبر خلق السماوات والأرض، بل فى وطء البهيمة، عندما يسيطر النكاح على المجال الحيوى للتفكير العربى، وتملأ الفضاء الإلكترونى فتاوى وكتب النكاح، وتفرغ الجعبة من أفكار منيرة، وتغشاها ظلمة غرف النوم فلا تنبت إلا فى ظلها الظليل مثل هذه الأسئلة التى تنم عن شذوذ أصحابها الذين غرقوا حتى آذانهم فى مطالعة فقه النكاح.
وتبين كيف تمحور العقل العربى حول نصفه السفلى، فصار ما علاه من عقل فى أسفله من شهوة، وتغلبت شهوته على عقله فصار ينشد نكاح البهيمة بعدما فرغ من نكاح الجهاد، فأصبح يطارد كل ما هو أنثى حتى البهيمة بعدما وطأ الغلمان، وكأنه خلق للنكاح، ولا يفقه إلا النكاح، وما إن يفرغ من نكاح إلا ويطلب المزيد، هل من مزيد، والنكاح مثل رى العطشى من الماء المالح، ترتوى فتزداد عطشا.
ومن هذا الذى نقول، يسيطر على العقل العربى فحولة مستبطنة غير مثبتة علميا، ولا تصمد أمام المقارنات فى الجنوسة والذكورة، فترى الرجل العربى يمشى كذكر الوز فاردا قلوعه، ويقال له يادكر، جن مصور متصور فى الفراش، ومن المتخيلات أنه مطلوب وبإلحاح لتلقيح إناث الأجناس الأخرى، وأنهن فى الأصقاع يشتهونه مثلما صورت لنا الخيالات السينمائية أن المصرى شايل سيفه مثل عنتر زمانه.
ويتفاخرون فى سهراية آخر الليل بالنكاح، والمصريون منهم يفضلون يوم الخميس عن غيره من الأيام عن الحكى الجنسى وينصرفون مبكرا من المقاهى والمنتديات للإيحاء، باعتباره يوم النكاح، وإذا تسامروا فنكاحا ونكاحا وتترى من أفواههم النكات الجنسية، ويتبادلون سرا وعلانية حبوب النكاح، وتشيع فيهم الحبة الزرقاء، ويسجلون أعلى المشاهدات لأفلام البرونو، ويتفننون فى استنباط طرائق النكاح، لو توافر العقل العربى على علوم الفيزياء توافره على علوم النكاح لبلغنا عنان السماء، ولو اجتهد فى استخراج الذهب من عروقه فى باطن الجبال لصرنا من أصحاب النعم، ولو أعمل العرب عقولهم قليلا لذهبوا إلى الفضاء، ولكنهم فى فضاء عقولهم يعمهون.