كتب: أحمد سعدة
أنا مُطلق بعدما ذاب الحب، وزادت المشاحنات بينى وبين زوجتى لأتفه الأسباب، وطلقتها بعد خمسة عشر عامًا من الزواج، حينما أضحى الطلاق هو الحل الوحيد.
وعشت فترة أسأل نفسى من الذى تسبب فى الطلاق؟.. ربما أنا، وربما كلانا.. لكن الأكيد أنه حدث على أية حال.. وأصبحت أُعانى كى أرى ابنتى وأقضى معها بعض الوقت، وتقبلت ذلك رغم قسوته وألمه، تفاديًا للمحاكم والفضائح والبهدلة.. وخرجت مهزومًا مكسورًا أبحث عن روحى من جديد.
كنت أعمل فى مجال السياحة كمستشارٍ قانونى لشركة كبرى.. وشعرت برغبة فى الابتعاد.. الابتعاد عن خسارتى وضياعى، وطلبت الانتقال إلى فرع آخر للشركة خارج البلاد، ووافق المسئولون على الفور تلبية لرغبتى المُلحة، ورغبتهم القديمة فى هذا القرار.
وعلى ما يبدو أننى لم أكن الهارب الوحيد.. فقد كانت هنالك امرأة مطلقة أخرى جاءت لنفس البلد هاربة من زواج لم يكمل شهورًا، ولم يترك خلفه أبناء، لكنه ترك جرحًا عميقًا يشعر به كل من ينظر فى عينيها.
جاءت كمُترجمة شابة، وجميلة.. كنت أراقبها كل صباحٍ وسط أفواج السياح، جادة، حزينة، وملتزمة.. وشعرت برغبة قوية فى الاقتراب منها والتعرف عليها.. وكنت أجلس متعمدًا فى نفس المقهى الذى تجلس عليه.
ومن خلال عملى وموقعى رتبت كل الظروف التى تسمح لى بالتعارف عليها.. وبالفعل تعارفنا، وبذكائها انتبهت إلى أن تعارفنا لم يكن محض صدفة، ولكننا صرنا منذ ذلك الوقت أصدقاء.
وأصبحت هى شمسى فى هذه الغربة، وفى تلك المدينة الباردة التى لا ترى الشمس إلا أيامًا معدودات كل عام.
وصار لقاء المقهى مقدسًا وأساسيًا لاستمرار الحياة.. كنت أكبرها بعشرين عامًا، لكن شعرت بروحى تتجدد معها، وحكيت لها عن نفسى وزواجى وخيباتى، وحكت لى عن عشقها للسفر والترحال.. وصارت لى أقرب من نفسى، لكنى التزمت حدودى ومسافاتى، حتى لا تفسد علاقتى وصداقتى بها.
وفى نهاية يوم عمل شاق تعرضت لإجهاد مضاعف وأصبت بأزمة قلبية فقدت الوعى بسببها، ولم أفق منها إلا فى المستشفى، وفتحت عينى لأجدها جوارى، ودموعها تتساقط على وجهى، وأنفاسها تخترق روحى.
ولمست اهتمامها، وشعرت كأننى أُولد من جديد.
وخرجت من المستشفى مندهشًا وسعيدًا.. ومن شدة سعادتى انتابنى خوف على هذه السعادة.. وخوف من أن تنتهى كما ينتهى كل شىء فى الحياة.
إن قلبى الذى قرر الطبيب أن أبعده عن أية انفعالات، عاد يندهش ويدمع، عاد ينبض بالفرح، لكنه فرح ممزوج بالصمت.
قاومت أيامًا، ثم ذهبت للقائها فى ذات المقهى، وقررت أن أترك نفسى تنساب لشلال الحياة.. لكن كان هناك دومًا صوت يصرخ بداخلى ويذكرنى بأننى رجل على مشارف الخمسين من العمر، بينما هى شابة تصغرنى بعشرين عامًا.
لكنى أحببتها، وكل يوم يمر يزداد تعلقى بها.
ولكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فقد قررت الشركة غلق فرعها فى الخارج، ولم يعد هنالك معنى لبقائى، وصار لزامًا علىّ أن أعود خلال أيام إلى القاهرة لمزاولة أعمالى.. وما يؤرقنى هو أننى للآن لم أستطع أن أصارحها بحبى لها، رغم يقينى من أنها تحمل نفس المشاعر تجاهى.
وأنا الآن أفكر جديًا فى مصارحتها بحبى وطلب الزواج منها، لكنى متردد أمام الفكرة لفارق السن بيننا.. فهل من حقى أن أتشبث بالحياة معها، أم أطوى حبى بين ضلوعى وأعود بدونها.
**الرد**
من حقك بالطبع التمسك بالحياة.. ولكن أخشى أن تكون مشاعرك تجاهها مجرد أنانية منك، ومحاولة لإثبات وجودك وإرضاء غرور كرجل مرغوب تحبه الفتيات الصغيرات.
وأنت ناضج، وتعرف بالطبع أن رجلًا فى خماسين العمر ومريض بالقلب، لن يكون قادرًا على أن يكون ندًا لشابة ملتهبة المشاعر، وملتهبة الجسد، وتصغره بعشرين عامًا.
وصحيح أن الفتاة ناجحة وجميلة ومتحققة وتعرف ماذا تريد، وليست مراهقة أو ساذجة.. لكن لا تنسى أن هناك قصة فشل تقف خلف دوافعها فى الاهتمام بك.. وأغلب الظن أن الغربة كانت سببًا قويا فى اقترابها منك، دون التسرع وتسمية ذلك الاهتمام حبًا.
وهى تمر بفترة تخبط فى حياتها بعد طلاقها، ويصعب فى هذه المرحلة ائتمان مشاعرها، والحكم على عواطفها، حتى لو قالت لك أنها تحبك.
وإن كانت بكت لمرضك، فهذا أمر منطقى فى ظل أنك أول شخص ظهر أمامها فى ظل ظروف الغربة والطلاق، وفى ظل الصداقة التى جمعتكما.
إن مصارحتك بحبك للفتاة قد تكون نتيجته أن تخسرها كصديقة للأبد، وحتى لو كسبتها كزوجة فلن يكون زواجًا متكافئًا.. ولن يبقى منه سوى عجزك، وندمها.
ومشاعرك من الأفضل أن تغلبها العاطفة الإنسانية الراقية التى تنتصر فيها التضحية على الأنانية وإنكار الذات.
لقد بدأت قصتكما فى الغربة، ومن الأفضل أن تنتهى أيضًا فى الغربة.. واترك الفتاة لحال سبيلها واكتفى بصداقتها، ولا تضيع عليها فرصة الزواج من شاب يناسبها، وابحث أنت أيضًا عمن تناسبك.