الثلاثاء 21 مايو 2024

خيانة..

18-2-2017 | 18:15

كتب: أحمد سعدة

لماذا نعيش فى دنيا بهذا القبح، تفوح منها رائحة الغدر والكراهية .. ؟

ألتفت حولى فلا أجد إلا الخيانة والكذب .. وأمشى فى كل مكان فلا أقابل إلا وجوهًا ماكرة تتفنن فى المكر والخداع .. والكل يتقن لغة واحدة فقط .. لغة المصالح.
هذا عمى يحتال ليأخذ من نصيبنا فى ميراث أبى .. وهذه أمى أدمنت الشات ووجدت نفسها فى المحادثات الهاتفية الليلية مع مراهقين من عمر أبنائها، تدللهم ويدللونها ..

والدنيا ضاقت حولى، بلا صديق أو رفيق .. ولم أعد أرى فيها إلا السواد ..
وكل هذا يتواضع أمام ما فعلته معى زوجتى..
لقد أحببتها من كل قلبى، ومنحتها نفسى وكل ما أملك .. وفى المقابل عاشت معى حياة فاترة لا تهتم فيها سوى بما فى جيبى وما معى.. لم أرض أبدًا عن حياتى معها .. لكننى فى نفس الوقت كنت عاجزًا عن فراقها .. وعشت معها ثلاث سنوات لا أفعل شيئا إلا إرضائها بمنتهى البذخ لاحتواء نوبات تمردها على الحياة معى..

نعم، عشت معها تمامًا بلا كرامة، كرجل تابع كليًا لامرأة ..
ومع الوقت تسلل الإحباط إلى قلبي، بعدما دمرت بداخلى كل أمل فى أن تحبنى.. وبعدما سلبتنى نفسى.. وأفسدتنى وأرهقتنى وعذبتنى بحبى لها ..
كنت أفخر بها وبجمالها أمام الناس، بينما هى لم تهتم لأن تنظر لى بعين الحب ولو لمرة واحدة ..وكنت أشعر بأن العالم يتأرجح فوق رأسى كلما هددتنى بالابتعاد .. فأظل أياما بلياليها أصالح فيها، وأُقبل يديها وقدميها وأهاديها بالماس والذهب، لتتراجع عن تهديداتها ..
لا يمر عام على سيارتها الحديثة، إلا وتطلب تغييرها .. ولا تقتنى عطورها وملابسها إلا من أرقى بيوت الموضة فى مصر أو أوروبا .. وعشت حياتى فقط من أجلها، ومن أجل طلباتها التى لا تنتهى.. وكل هذا كان على قلبى زى العسل، طالما أنها معى.. طالما أنها زوجتى..
كانت ضربة موجعة لى ولكرامتى حينما علمت أنها تعمدت تأخير الإنجاب بأقراص منع الحمل، وتحججت بأن العمر لا يزال أمامنا .. وتقبلت الفكرة مثل كل شىء معها أقبله.

ورغم أنى رجل تجاوز الأربعين، إلا أنها كانت تسحبنى معها كل ليلة فى كازينوهات يرقص فيها الشباب كالقرود على موسيقى صاخبة وماجنة .. ويا ويلى إذا لم أتخلى عن بدلتى وأشاركها هى وأصدقائها ..
لقد شعرت جدا بحقارتى وسذاجتى.. لكنها بما فعلت بى وبما أفسدته فى شخصيتى، جعلتنى خاضعا تماما لها .. جعلتنى أراجوزًا تافهًا من صنعها ..
وأصبحت هى دموعى المتحجرة التى تأبى النزول من عينى.. وآهاتى المكتومة بين أضلعى.. ومارست معها حياة فاشلة كل الفشل .. ورغم كل ذلك فإنها حبيبتى التى أسكنتها فى صمامات قلبى وشرايينه .. حبيبتى التى امتلكت مفاتيح نفسى وتحكمت فى مزاجى وانقلابى..
وسألت نفسى: هل فعلا أحبها أم أننى أدمنت عذابى معها ؟

هل سيأتى اليوم الذى أتخلص فيه من أسرها ؟
ولكن الأيام كانت كفيلة لاختبار قدرتى على فراقها .. واختبار قدرتى على احتمال أفعالها .. حتى لو كان هذا الفعل، هو الخيانة ..
نعم خانتنى.. !
فى آخر شهورى معها كنت أحاول معرفة سبب انهيارها وسوء حالتها النفسية، لكن بلا نتيجة .. وأفضل ما فى تلك الفترة أنها كانت تحضننى وتبكى على صدرى عكس شخصيتها معي، ولم أفهم ما بها .. وصارت أكثر رقة معى، وصرت أكثر تعاطفًا مع دموعها، وكنت أبكى بجوارها .. وعرضت عليها المتابعة مع طبيب نفسى، وكل ما كان يؤرقنى هو إحساسى بأنى ربما أكون سببا فى أزمتها ..
هل تريد أن تعرف كيف عرفت بخيانتها لى؟
سأقول لك .. فى إحدى نوبات انهيارها، تناولت مهدئات لك ىتنام، وأغمضت عينها ودخلت فى مرحلة ساقطة بين الصحو والإغماء، ثم بدأت تهذى بكلمات غريبة وكأنها تطلب من شخص ما ألا يبتعد عنها، وأنها تحبه .. ثم دخلت فى مرحلة أخرى من ترديد كلمات قبيحة وعبارات جنسية صريحة وكأنها تطلب من نفس الشخص أن يعاشرها .

كانت أول مرة أسمع تلك الألفاظ على لسانها، وكأنها عاهرة .. وقلت أنها ربما هلوسة التعب، لكنها نطقت اسم شخص .. ويا ليتها ما نطقته.
هل تريد أن تعرف من هو ؟
انه ابن أختى.. وهو ليس فقط ابن أخى، بل أنه أيضا صديقى ومدير أعمالى.. وأمين أسرارى وأوراقى وممتلكاتى..
ووجدتنى لأول مرة أمسك تليفونها وأفتش فيه وفى رسائلها ومكالماتها .. إن كل رسائلها إليه عبارة عن توسلات واعتذارات، وكل رسائله لها عبارة عن إهانات وتجاوزات .

إنه يفعل بها، ما تفعله هى بى.. إنها تعشقه مثلما أعشقها أنا .. ويهينها وتهون عليه، كعشقى لها وهوانى عليها ..
وفهمت من الرسائل أن لقاءاتهما كانت فى شقة كنت قد كتبتها باسمها .. وأننى عشت مغفلا أتجرع السم والعذاب فى كئوس من الذل والوجع ..
ونظرت لها لأجد عينيها فى مواجهة مباشرة مع عينى التى انفجرت دموعها .. فجذبتها من قميصها، وسألتها: ليه ؟

قالت: سامحنى، واتركنى..
وحكت لى بالتفصيل ما كان يحدث بينهما .. ولم أتمالك نفس ىمن أثر الصدمة الموجعة .. وصفعتها بهيستيريا على وجهها، وجريت كالمجنون وأحضرت سكينا من المطبخ ..
وكنت أجبن حتى من أن أجرحها .. ووقعت السكين من يدي، ورميت رأس على صدرها وبكيت حتى أصابنى الإغماء ..
ولم أدرىب نفس ىإلا فى الصباح، لأجدها قد غادرت المنزل .. وحاولت الإتصال على كل أرقامها لكن دون وصول .. وبحثت عنها فى كل مكان كالمجنون لكن دون عثور..
ثم جاءنى عبر البريد ظرف مغلق بإسمى، فتحته لأجد فيه توكيلا عاما منها يحق لى بموجبه التصرف فى كل ممتلكاتها .. وأدركت أنها أرادت بهذا التصرف أن ترد لى كل شيء كتبته باسمها ربما بسبب عقدة الذنب التى تلاحقها، وربما بسبب صدمتها بعد أن تركها عشيقها ..
وكل ما كان يعترينى فى ذلك الوقت هو الخواء من بعدها، وتمنيت لو وجدتها وسامحتها على كل شىء .. وأيقنت أنها صارت وجعى ولوعتى، وقدرى وشقائى..
تركتنى خاويًا شريدًا تسكننى الغربة من بعدها .. وأصبحت مشتتًا عاجزًا عن فعل أى شىء إلا البكاء .. ومضى عام كامل أبحث عنها، ولا أجد إلا التعب والإحساس بالخراب والدمار فى حياتى.. وجربت كل شىء، وفشلت فى كل الأشياء، وخسرت جميع معارك الحياة .. وانتقلت من حب إلى حب، ومن حضن إلى حضن كى أنساها، لكنها دوما كانت حاضرة بكل ما سببته لى من تخريب وضرر ..
ولم أعد أبالى بالنساء، وأصبحت أبادلهن الحب فقط على الفراش .. ربما انتقاما منهن، وربما انتقاما من نفسى التى أفسدتها وأتلفتها .. ولم يعد هنالك معنى للحياة، أو سببًا واحدًا للبقاء ها هنا ..
أهملت عملى، وعاقرت الخمر، وبددت ثروتى كلها على موائد القمار، وأصبحت أتسول ثمن علبة السجائر .. واقتربت من سن الخمسين ، ولم يعد يضحكنى شيء أو يبكينى شيء .. وحياتى أصبحت إحباط قاتم، ويأس وملل واكتئاب ..
أكتب إليك هذه الرسالة من أمام قبر أبى بعد أن فقدت صلتى بالجميع، وفقدت حتى صلتى بنفسى.. أكتبها وأنا أعض أصابع الندم، بعد أن خدعنى شيطانى وأصبحت وحيدًا لا أجد من يسمعنى أو يتكلم معى..

أكتبها وأنا أبكى كطفل يتيم بلا مأوى تحت البرد والمطر .. أكتبها وأنا أبكى كما لم أبكِ من قبل فى حياتى..
الرد..
إبكى كثيرا .. إبكى بحرقة .. إبكى حتى تحمر عيناك .. فأنت بحاجة ماسة للبكاء ..
إن نجاتك من هذا الجحيم مشروط بانقلاب داخلى تشنه على تكوينك النفسى وعاداتك وسلوكياتك .. وتستبدل فيه همومك الشخصية وأهدافك الذاتية، بهموم اجتماعية وأهداف أسمى وأكبر ..
إن انتقالك من حضن إلى حضن، سيكون مصحوبًا دائما بقلقك وتوترك وخوائك النفسى وسينتهى عادة بالملل .. إن مشكلتك فى الحقيقة ليست تغيير المرأة التى تحبها، ولكنها مشكلة تغيير نفسك أولا ..
لقد أعطتك الدنيا درسا قاسيا قد يكون سرا فى اكتشافك لنفسك وفهمها .. ومن لحظات الصدمة والجرح وخيبة الأمل يولد الإنسان من جديد ..
وأنت وحدك القادر على تجاوز محنتك وبلاءك العظيم .. والعبور بسفينة حياتك من هذا المستنقع والوصول بها لأى بر .. فلتصل لأى بر أولا ..
والأمر هنا يتوقف على مدى أصالتك .. وعلى طبعك وجوهرك ..
فما هى أهدافك فى الحياة من الأساس ؟ وما الذى يرضيك وتبحث عنه ؟
فإن كان ما تبحث عنه هو الحب والنساء وحياة الترف، فأنت لن تبرح مكانك ولن تتجاوز نفسك وشهواتك التى بدأت من عندها وستنتهى أيضا عندها ..
إن استمرارك فى الحياة بهذه الطريقة الخنزيرية، وانزلاقك بسيقان عارية فى مخاط الجنس والمخدرات لن تفيق معه إلا لحظة الموت .. وقتها فقط ستكتشف أنك أهدرت عمرك هباء، ولم تجنى شيئا سوى العدم..

إن تجاوزك لذاتك المغلقة، سيفتح أمامك أبوابا واسعة وآفاقا إنسانية أرحب تشغلك عن همومك الشخصية الصغيرة ..
لذا فتش عن روحك أولًا.
وأخشى ما أخشاه، أن تموت قبل أن تجد روحك الضائعة .