الأحد 16 يونيو 2024

قابل للبيع..

18-2-2017 | 18:17

كتب: أحمد سعدة

 

أكتب إليك بعدما أغلق اليأس أمامى كل نوافذ الأمل، وصارت الحياة في وجهى أضيق من ثقب إبرة، وأظلم من ليل الصحراء .. وأصبحت أخجل من كل شىء. أخجل من النظر إلى المرآة، أو النظر في عيون الناس .. أخجل حتى من الوقوف بين يدى الله.
إسمى يوسف .. أعيش مع أمى وحيدين بعد أن تزوجت أختى منذ عامين، وسافرت مع زوجها .. نشأت يتيمًا، وتخرجت من كلية التجارة بعد كفاح طويل عاشته أمى.

اجتهدت كثيرًا للبحث عن عمل، واضطررت للعمل (ديليفرى) بأحد المطاعم المشهورة حتى أتكفل بمصاريف أمى وأُعوضها بعضا من معاناتها.
بعد أيام من التحاقي بالعمل ذهبت لتوصيل أوردر لإحدى شقق المهندسين، وفتحت لي الخادمة ثم أتت سيدة في منتصف العقد الخامس، نظرت لوسامتى بإعجاب شديد وأعطتني بقشيشًا يقترب من راتبى الشهري.

نظرت لها بخجل وامتنان شديدين، وقبل أن أنصرف طلبت رقم هاتفي الشخصى،  تواصلنا على الهاتف، وطلبت مني أن أمُر عليها بعد أن أنتهى من عملى .. كان الوقت متأخرًا وكنت خجلًا وفتحت هي الباب وكانت كل الأنوار مغلقة إلا من ضوء خافت في حجرة بعد الممر الطويل أمامنا .. ورغم أنها كانت بملابس شفافة ورائحة مثيرة إلا أنني كنت متوازنًا حتى جذبتني من يدي لحجرتها، ولم استعصم .. وهذه المرة منحتني بقشيشًا مضاعفًا نظير استخدامها جسدى .. ما أحقرني !!
ظللت أتردد عليها أسابيعًا بعد انتهاء العمل .. كنت أعرف جيدًا أنني لم أحبها ولا أحب حتى الجنس معها .. كنت فقط أحب شغفها بى، وبالطبع أحب البقشيش الذي تمنحني إياه.
وفي إحدى الليالى وأنا اقوم بتوصيل أحد الأوردرات بإحدى شقق الزمالك تكرر المشهد، وطلبت منى صاحبة البيت رقم هاتفى، وتقابلنا في منزلها في نفس الليلة بعد انتهائى من العمل .. وقضيت معها الليلة حتى الصباح، ومنحتني نفس المقابل وهي تقول أنها عرفتنى من خلال صديقتها التي تسكن في المهندسين، وأنها تعرف كل ما بيننا، وأن صديقتها ماهرة في اصطياد الشباب.

في البداية صدمت جدًا، وخجلت وزاد احتقارى لنفسي، لكني أصبحت منذ تلك الليلة محترفًا لهذه المهنة اللا أخلاقية في تلبية نداء الغريزة الذي يأتينى من سيدات المجتمع الراقي اللاتي ذاع صيتى بينهن، وأصبحت أعاشرهن بلا ضمير لأطفىء نيران أجسادهن المشتعلة، وأطلب المال وأحدد سعرى ببجاحة، ولا أنتظر إحساناتهن .. أصبحت أتمنع وأغيب، وأراهن على خضوعهن لي.
وأدمنت مع هذه المهنة شرب السجائر والحشيش والكحوليات .. وانغمست بسيقان عارية في مخاط هذه الحياة الخنزيرية، وأصبحت داعرًا بلا قلب.. بلا روح .. أصبحت فقط؛ قابلا للبيع.

وحينما مرضت أمي جاءت خالتي لزيارتنا ومعها ابنتها التي كنت أعرف أنها تحبني منذ صغرها، ولم أكن يوما أهتم بحبها، ولم أسعد به .. لكن في ذلك اليوم بدت لي بدرًا أضاء ظلمتي الحالكة في صحراء التيه التى كنت أتخبط بين ضياعها باحثا عن قارعة الطريق.
لا تتخيل ماذا فعل وجودها بحياتى، وماذا فعل وجهها البرىء بقلبى المُدنس بعدما صرت لا أطيق وجهى، وأنظر للمرآة وأتعجب متسائلا: متى صرت متسخًا لهذا الحد ؟!

قضت خالتى وابنتها في بيتنا شهرًا لرعاية أمى .. وتأكدت من أننى صرت أحب ابنة خالتي التي سكنت قلبى وروحى .. وفي الليلة الأخيرة لها ببيتنا بعد أن تعافت أمى انتظرتنى حتى عدت من عملي وقدمت لي العشاء، وجلست تتأملنى وأنا أتناول عشائي وتبتسم كأم حنون .. كانت جميلة وشهية وجذابة وتمتلىء حبًا لي .. لكني والله لم ألمسها رغم نداءات عيناها.

مشت وغربت شمسى، وأحسست بافتقادها .. لقد استطاعت في شهر واحد أن تترك بصمتها ولمستها على كل مكان في البيت، وتركت حضورها ينخر في روحي ويشعرنى كم أنا وحيد وبائس من دونها .. كانت تتصل بى كل يوم تسأل عن أمى التى بدأت تلح على في الارتباط بها وخطبتها .. لكن من أنا لأستحق ذلك الملاك الطاهر النقى البرىء.
لم تكن أمى تعرف أنني أصبحت ذئبًا يسعى لاصطياد فرائسه، أو ربما كنت أنا الفريسة. لا أدرى .. كل ما أعرفه أنني صرت حيوانًا وهي ملاكى الجميل .. وبعد صراع طويل صارحتها بحبي ورغبتى في الارتباط بها وشرحت لها ظروفى، لكنها لم تطلب شيء سوى دبلة خطوبة.

طلبت منها مهلة لأرتب بعض الأشياء المتعلقة بعملى كنت أبحث معها عن حياة نظيفة، وغيرت رقم هاتفى وبدأت في البحث عن عمل جديد وظننت أنى شفيت من مرضى .. لكني لم أشف سيدى!
فالحياة مقرفة، وأبواب العمل موصدة، وأنا لم أعد أحتمل الفقر والكبت والحرمان .. عدت إليهن، وطلبت المزيد من المال، وبالغن في الكرم لإرضائى بالأموال والهدايا التي كان آخرها سيارة حديثة بسلسلة مفاتيح ذهبية .. وحبيبتى مازالت تنتظر انتهاء مهلتي.

فهل أصبحت حالتى مستعصية ؟

الرد ..

حالتك بالفعل أصبحت مستعصية جدا، ومحتاج إنك تتغطى كويس قبل ما تنام.

صحيح أنك عاطل وفاشل، لكنك مؤلف بارع رغم فشرك وكدبك وخيالك المراهق الواسع .. وأسلوبك الممتاز يصلح لأفلام كوميدية من نوعية أعمال عادل إمام، وربما لأفلام بورنو من بطولة عامل الديليفرى.
وعلى ما يبدو أنك كتبت هذه الرسالة تحت ضغط خيالات العادة السرية التي تغذي أحلامك ونشواتك، وتصور لك أنك "يوسف" هذا الزمان الذي تحلم به نسوة المجتمع الراقى اللاتى يقطعن أنفسهن عليه، ويراودنه عن نفسه بعد أن يغلقن الأبواب.
ونحن نسمع كثيرا عن عاهرات يحترفن مهنة الدعارة وبيع أجسادهن، كما نسمع عن قوادين يديرون شبكات دعارة، لكن لم نسمع أبدا عن رجل يحترف بيع جسده بالمال .. وسيدات المجتمع الراقى لسن في حاجة لخدمات عامل ديليفري، وحولهن مئات الأصدقاء أكثر منك وسامة وعضلات، ولن يكلفهم مليما واحدا.

إنك في محاولة للهروب من واقع حرمانك وضياعك وفقرك وبطالتك، تقفز بأحلامك إلى عالم خيالى من اللذة الجنسية، وتغرق في دنيا من الخمر والنساء والأموال والهدايا والسيارات والسلاسل الذهبية نظير قدراتك الرهيبة.

وبالطبع فإن أحلامك المريضة تلقيك في النهاية كجثة هامدة على سريرك من أثر التعب، بعد أن تكون قد أفرغت طاقاتك المكبوتة في نشوات مفتعلة ووهمية .. ثم تستيقظ بعدها لتدون أحلامك في رسالة تضيع بها مزيدًا من وقتك وأوقاتنا.

إن العمل المنتج وحده يا صديقى هو الذي يعطى للإنسان قيمته، وليس العمل الجنسى الذي يتساوى فيه الإنسان مع باقى الحيوانات .. وبطولات الإنسان الحقيقية تلك التي يحققها في حقول العلم والعمل وميادين القتال، وليس التي يحقهها في الفراش.
وإذا كان هنالك بالفعل فتاة تحبها وتحبك، فلتترك خيالاتك وكسلك، وتنهض من سريرك، وتشمر عن ساعديك وتبحث عن عمل شريف تستخدم فيه عقلك ويديك لتكسب بهما على أرض الواقع، بدلا من أن تستخدم شيئا آخر يُغرقك في مزيد من الكسل والأوهام.