الأحد 28 ابريل 2024

«ولستَ نبيًّا.. ولكن ظلُّكَ أخضر».. محمود درويش في رثاء عبدالناصر

محمود درويش في رثاء عبدالناصر

ثقافة9-8-2023 | 11:35

عبدالرحمن عبيد

بينما كان محمود درويش والذي تحل ذكرى رحيله اليوم في موسكو عام 1970، تفاجئ بأن الرئيس جمال عبدالناصر يُريده في مقابلةٍ، في البداية ذُهل درويش الذي لم يكمل بعد الثلاثين من عمره، من كون زعيم بحجم عبدالناصر يريد رؤيته.

 

فلما التقى الشاعر بالرئيس، بادره عبدالناصر بسؤاله عن سبب بقائه في الجليد؟ -يقصد موسكو-، فأجبه درويش متعللًا، أنه ممنوع من دخول أي دولة عربية بسبب جواز سفره الإسرائيلي، ويرجع سبب امتلاك درويش لمثل ذلك الجواز، كونه من المحسوبين على عرب 48.

 

ونتيجة لهذا اللقاء قام جمال عبدالناصر، بمنح درويش جواز سفر دبلوماسي، مكنه من دخول كثير من الدول العربية وعلى رأسها مصر التي مكث بها زمنًا طويلًا.

 

من هنا كانت عَلاقة الشاعر محمود درويش بالزعيم الراحل عَلاقة حسنة، بسبب المساعدة التي قدمها لدرويش، ولما توفي جمال عبدالناصر يوم الـ28 من سبتمبر -أيلول الأسود-، في نفس العام الذي تقابلا فيه، غادر موسكو، متجهًا إلى القاهرة مباشرةً، وهناك نعى درويش عبدالناصر بقصيدة من أشهر قصائده وهي "الرجل ذو الظل الأخضر"، على غرار القصيدة التي خاطب فيها نزار قباني عبدالناصر بقوله: "قتلناك يا آخر الأنبياء"، ولكن درويش يقول: " ولستَ نبيًّا.. ولكن ظلُّكَ أخضر".

 

ونص القصيدة:

في ذكرى جمال عبد الناصر

نَعيشُ معكْ

نسير معك

نجوع معك

وحين تموت

!نحاول ألاّ نموت معك!

ولكن،

لماذا تموت بعيدًا عن الماء

والنيل ملء يديكْ؟

لماذا تموت بعيدًا عن البرق

والبرق في شفتيك؟

وأنت وعدت القبائلْ

برحلة صيف من الجاهليهْ

وأنت وعدت السلاسل

بنار الزنود القويهْ

وأنت وعدت المُقاتل

بمعركة.. ترجع القادسيهْ

نرى صوتك الآن ملءَ الحناجرْ

زوابع

تلو

زوابع...

نرى صدرك الآن متراس ثائر

ولافتة للشوارع

نراك

نراك

نراك...

طويلًا

.. كسنبلةٍ في الصعيد

جميلًا

.. كمصنعٍ صهر الحديد

وحُرًا

.. كنافذة في قطار بعيد..

 

ولستَ نبيًّا،

ولكن ظلّك أخضر

أتذكر؟

كيف جعلت ملامح وجهي

وكيف جعلت جبيني

وكيف جعلت اغترابي وموتيَ

أخضر

أخضر

أخضر...

أتذكر وجهي القديم؟

لقد كان وجهي يُحنَّط في متحف إنجليزي

ويسقط في الجامع الأمويّ

متى يا رفيقي؟

متى يا عزيزي؟

متى نشتري صيدليهْ

بجرح الحسين... ومجد أميّهْ

ونُبعث في سدّ أسوان خبزًا وماء

ومليون كيلواط من الكهرباء؟

أتذكر؟

كانت حضارتنا بدويًا جميل

يحاول أن يدرس الكيمياء

ويحلم تحت ظلال النخيل

بطائرة.. وبعشر نساء

ولست نبيّاً

ولكن ظلّك أخضر ..

نعيش معك

نسير معك

نجوع معك

وحين تموت

نحاول ألاّ نموت معك

ففوق ضريحك ينبت قمحٌ جديد

وينزل ماء جديد

وأنت ترانا

نسير

نسير

نسير.

Dr.Randa
Dr.Radwa