الأحد 5 مايو 2024

«هذا البحر لي».. تعرف على جدارية محمود درويش ومفهومها

جدارية محمود درويش

ثقافة9-8-2023 | 12:09

عبدالرحمن عبيد

تُعد جدارية محمود درويش والذي تحل ذكرى رحيله اليوم، إحدى أهم القصائد في حياته وفي تاريخ الشعر المعاصر، وتقع تلك القصيدة الطويلة على طريقة الشعر الحُر -الحداثي- في 508 بيتًا، ونشرت لأول مرة في كتاب مستقل في بيروت عام 2000.

ومفهوم الجدارية حداثي في شكله، تراثي في واعيه، وهو أداة مستعارة من الفنون التشكيلية، وتعد عند كثيرين من النقاد تفاعُلًا بين الفنون عامةً، حيث تُستدعى الأنساق الثقافية الكامنة في وعي المجتمعات الإنسانية، وتوظفها بطريقة مغايرة عن المألوف، ويشار إلى الجدارية بوصفها أحد تداعيات الحداثة الكتابية، فهي تتجاوز مرحلة التدوين، لتصل إلى مرحلة التخليد.

 وهذه الظاهرة في ذاتها ليست جديدة، بل تظهر بوضوح في التراث العربي القديم، ففي زمن الخلافة العربية، يُحكى أن الخليفة إذا أرد أن يكرم شاعرًا ما، دعا لكتابة قصيدته على جدار حجري، ومن هنا جاء مصطلح الجدارية.

يستهل درويش القصيدة بقوله:

 

هذا هُوَ اسمُكَ

قالتِ امرأةٌ،

وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ

أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي.

ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ

طُفُولَةٍ أَخرى. ولم أَحلُمْ بأني

كنتُ أَحلُمُ. كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ. كُنْتُ

أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً

وأَطيرُ. سوف أكونُ ما سأَصيرُ في

الفَلَك الأَخيرِ.

 

وأشهر مقطوعة من تلك الملحمة الشعرية الطويلة، تلك الأبيات الأخيرة، التي ألقاها درويش بصوته في إحدى الأمسيات الشعرية التي كان يُحيها في لبنان:

 

هذا البحرُ لي

هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي

هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ

من خُطَايَ وسائلي المنويِّ لي

ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي. ولي

شَبَحي وصاحبُهُ. وآنيةُ النحاس

وآيةُ الكرسيّ، والمفتاحُ لي

والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي

لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي

طارت عن الأسوار لي

ما كان لي. وقصاصَةُ الوَرَقِ التي

انتُزِعَتْ من الإنجيل لي

والملْحُ من أَثر الدموع على

جدار البيت لي

واسمي، وإن أخطأتُ لَفْظَ اسمي

بخمسة أَحْرُفٍ أُفُقيّةِ التكوين لي:

ميمُ المُتَيَّمُ والمُيتَّمُ والمتمِّمُ ما مضى

حاءُ الحديقةُ والحبيبةُ، حيرتانِ وحسرتان

ميمُ المُغَامِرُ والمُعَدُّ المُسْتَعدُّ لموته

الموعود منفيًّا، مريضَ المُشْتَهَى

واو الوداعُ، الوردةُ الوسطى،

ولاءٌ للولادة أَينما وُجدَتْ، وَوَعْدُ الوالدين

دال الدليلُ، الدربُ، دمعةُ

دارةٍ دَرَسَتْ، ودوريّ يُدَلِّلُني ويُدْميني

وهذا الاسمُ لي

ولأصدقائي، أينما كانوا، ولي

جَسَدي المُؤَقَّتُ، حاضرًا أم غائبًا

مِتْرانِ من هذا التراب سيكفيان الآن

لي مِتْرٌ وسنتمترًا

والباقي لِزَهْرٍ فَوْضَويّ اللونِ،

يشربني على مَهَلٍ، ولي

ما كان لي: أَمسي، وما سيكون لي

غَدِيَ البعيدُ، وعودة الروح الشريد

كأنَّ شيئًا لم يَكُنْ

وكأنَّ شيئاً لم يكن

جرحٌ طفيف في ذراع الحاضر العَبَثيِّ

والتاريخُ يسخر من ضحاياهُ

ومن أَبطالِهِ

يُلْقي عليهمْ نظرةً ويمرُّ

هذا البحرُ لي

هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي

واسمي

وإن أخطأتُ لفظ اسمي على التابوت

لي.

أَما أَنا وقد امتلأتُ

بكُلِّ أَسباب الرحيل

فلستُ لي.

أَنا لَستُ لي

أَنا لَستُ لي