السبت 18 مايو 2024

حفيدة رفاعة الطهطاوى: أسرتنا امتداد طبيعى تلقائى لما دعا إليه رفاعة الطهطاوى

رفاعة الطهطاوى

أخبار10-8-2023 | 17:13

إيمان الطيب

● لا شك أننا أحفاد رفاعة نشعر بالفخر لما قام بها جدنا، فهو رائد نهضة مصر الفكرية الحديثة، وهو الأب الفكرى لرواد التنوير فى القرن العشرين
● كان رفاعة هو أول من دعا إلى تعليم المرأة، والذى أثمرت دعوته إنشاء مدرسة الحكيمات ثم بعد ذلك مدرسة السنية، لتستعيد المرأة قيمتها الإنسانية
● أرى أن رفاعة قدم لمصر رسالة حية تستمر، ويجب أن نعيد الكشف عنها بشكل مستمر، لأنها تقدم لنا قنوات جديدة تتناغم مع كل حقبة زمنية
يعد رفاعة الطهطاوى أهم رواد التنوير فى العصر الحديث،  ومن أوائل دعاة حرية المرأة ورأى مدى الظلم الواقع عليها فى تلك الأزمنة، وتجلى ذلك فى كتابه تخليص الإبريز فى تلخيص باريز، فكان له دور كبير فى حركة النهضة الثقافية التى عاشتها مصر فى عهد محمد على.
فمساهماته امتدت إلى حركة الترجمة و النمو الثقافى والعلمى وتحرر المرأة من الجهل والبطالة.
وفى ذلك السياق كان لـ الهلال ذلك الحوار مع حفيدة رفاعة الطهطاوى. د.علياء رضاه رافع، أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات- جامعة عين شمس، ومديرة مؤسسة البناء الإنسانى والتنمية..
كيف أثر كونك حفيدة رفاعة الطهطاوى فى نشأتك؟
- لا شك أننا أحفاد رفاعة نشعر بالفخر لما قام بها جدنا، فهو رائد نهضة مصر الفكرية الحديثة، وهو الأب الفكرى لرواد التنوير فى القرن العشرين، مثل محمد عبده، على عبد الرازق، طه حسين، محمد حسين هيكل وغيرهم. ولكن هذا الانتساب لا يجب أن يقف عند منطقة الفخر والاعتزاز، وإنما محبة العلم والتعلم. 
- وهو ما انتقل إلينا بشكل عفوى من خلال البيئة الخاصة التى نشأت فيها، حيث كان والدى مفكرا ورائدا صوفيا، يشجعنا أن ننهل من كل روافد الفكر، ويقرأ معنا أمهات الكتب، وكانت والدتى تحرص دائما على أن تجدد معرفتها ولا تتوقف عن الاطلاع والقراءة والتعلم. 
وهكذا كانت أسرتنا امتدادا طبيعيا تلقائيا غير مفتعل لما دعا إليه رفاعة من الاطلاع والحياة فى العصر وعدم الانعزال عن الحضارة العالمية. 
 لك مؤلفات عديدة حدثينا عنها  ...
- تتنوع مؤلفاتى ما بين كتابات وأبحاث علمية، وما بين كتب فكرية قمت بصياغتها بالاشتراك مع أخى وأختى، أو الاشتراك مع  شخصيات من مختلف أنحاء العالم،  أو كتب قمت بتأليفها بمفردى، والحقيقة أن موقعى على الويكيبيديا يحمل زخما كبيرا من هذه الأعمال. و نشرت هذه الكتب في عديد من البلاد مثل الهند واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا، وأغلبها يدور حول رؤية مستقبلية لتغيير الوعى الإنسانى لإعلاء قيم التآلف بين البشر وهدم الحواجز الوهمية بين الحضارات، وذلك من زوايا مختلفة، وهى من قريب أو بعيد توسع من رسالة رفاعة وتأخذها إلى آفاق أخرى. 
كيف ترين نفسك فى إكمال مسيرة الجد ؟
- استكمال مسيرة جدى اكتشاف ولم أكن أدرى به، لقد شغلتنى قضية الأصالة والمعاصرة، مذ بدأت أتخذ طريقى الأكاديمى في العلوم الاجتماعية، بعد العلوم الفلسفية، ولم يكن هذا الانشغال انتقائى، أو لأننى أنتمى لهذا الجد، بل كان مركز اهتمامى، حيث إننى وبحكم نشأتى، كنت أرى أن  الفكر الإسلامى يحمل رسالة عالمية ولا يتعارض مع القيم الإنسانية، بل إنه مصدر لقيم عالمية تعيش فى الفطرة، ويحملها رواد وحكماء وقادة دون ذكر مباشر للإسلام. 
كما أن رغبتى العارمة فى رفع التراكمات التاريخية التى شوهت الرسالة، ونفرت من استخدام الإسلام فى الصراعات السياسية. وأدركت أنه اتجاه قديم بدأ منذ الفتنة الكبرى، ثم  فكر الخوارج الذى مازال يغذى كل الفرق التكفيرية الإرهابية، واختلاط الأمر بين رسالة رحمة وحضارة علم وبين اتجاهات سلفية تعيش فى الظلام. 
إن البحث عن كنوز التقدم فى التراث الروحى قاسم مشترك بينى وبين جدى، والاهتمام بمشروع حضارى إنسانى جانب آخر من جوانب ارتباطى الروحى به، وليس مجرد الارتباط الدموى
.ماهو رأيك فى آراء الجد رفاعة الطهطاوى وفكره المستنير عن المراة؟
- مازال يذهلنى هذا الإنسان الذى عاش فى القرن التاسع عشر، الذى لم يكن فيه للمرأة وجود إنسانى، بل كان الفكر الشائع هو سجنها في إطار الدور التقليدى، والانتقاص من قدراتها العقلية والفكرية، وعدم الاهتمام بتثقيفها أو تعليمها، وكان رفاعة هو أول من دعا إلى تعليم المرأة، والذي أثمرت دعوته إنشاء مدرسة الحكيمات ثم بعد ذلك مدرسة السنية، لتستعيد المرأة قيمتها الإنسانية
 وفى كتابه المرشد الأمين للبنات والبنين وضع أسسا تربوية للمساواة فى التعامل مع الابن والابنة, لقد كان يدعو أن تكون العلاقة بين الزوج والزوجة علاقة صداقة وود ورحمة، وأنها صديق يمكن التشاور والحوار معها وتبادل الرأي والمشاركة الفكرية. والواقع أن هذا هو سلوك الرسول عليه الصلاة والسلام مع زوجاته،  إذ كانت السيدة خديجه هي أول من علم بنزول الوحي عليه، وهى التى آمنت به، ووثقت فيه، ووقفت بجانبه، وكان رأي أم سلمة رأيا صائبا في الحديبية، حيث أصاب المسلمين شك في رسالتهم نتيجة للصلح الذي رأوا فيه انتقاصا من قدرهم، وقد اجتمع المسلمون مرة أخرى فى ثقة ومحبة عندما بدأ الرسول فى استكمال طقوس العمرة، وأعطى لهم فرصة لمراجعة أنفسهم. لقد اتخذ رفاعة الرسول قدوة، ورأى في سلوكه كل المعاني والمبادئ الإنسانية العظيمة. 
كان العهد الذى كتبه رفاعة لزوجته كريمة الأنصارى وثيقة عظيمة في بيان احترامه لها ولعلاقة المحبة التي تربطهما، وهى وثيقة تتعدى كونها أمرا شخصيا لرفاعة، فهى رسالة مستمرة تبين أن رباط الثقة والمحبة والاحترام بين الزوجين أعظم من أى  رباط اجتماعى مادى. 
وما زلنا حتى هذه اللحظة محرومين من هذه الرؤية الحضارية المتقدمة فى بناء العلاقة الزوجية وتكوين أسرة متينة البنيان. 
 كيف اكملت رسالة رفاعة الطهطاوى من خلال عملك المؤسسى ؟
- أنشأت مؤسسة البناء الإنسانى والتنمية لتكون بذرة في رؤية مستقبلية للحضارة، أساسها الإنسان، إذ إن الإنسان هو صانع الحضارة، وبناء الإنسان المدرك لمعنى إنسانيته يفجر فيه طاقات الإبداع والعطاء، ويجعل طريقه إلى العلم والمعرفة طريقا لا يتوقف. 
وهذا الإنسان الذى نريد أن يكون عنوانا على الإنسانية، يجب أولا أن يحقق إنسانيته، وهذا من خلال أن تكون حياته ذات معنى وهدف أوسع وأرحب من مجرد تحقيق أهدافة الخاصة، بل يأخذ من كل ما يقوم به أداة كى يخدم هدفا أسمى. 
من هذا المنطلق تتبنى مؤسسة البناء الإنسانى والتنمية برنامج "الطريق نحو التحقق"، ويقدم أربعة أجزاء قائمة على منهجية علمية، تساعد المشترك على القيام برحلة داخلية يتحقق من خلالها وضوح الرؤية والوصول إلى سلام واطمئنان، يجعله أكثر قدرة على العطاء والعمل، ويتبعه ورش عمل للشباب بوجه خاص ولا يحرم منه الكبار.
 وذلك لاستخراج الطاقة الكامنة لكل شاب، من خلال استخراج ما يحب أن يقوم به في الحياة وما هو أهل له ، واتخاذ العمل الذي يساعده على تفجير طاقاته من دون صراع مع أقرانه أو خوف من الفشل، والورشة الأخرى تقوم على إزاحة ما علق في وجدان الشباب أو الكبار من صورة عن النفس، تقف حائلا دون انطلاقهم نحو أهدافهم. 
المؤسسة تعمل على الانتماء إلى وطننا العزيز من خلال الانتماء إلى معنى مصر من خلال الشخصية المصرية الممتدة عبر التاريخ، والتي لم يفرق بينها الانتماء الديني، لأن الإيمان قيمة مشتركة، اخذت معناها من خلال العمل الحضاري على مر التاريخ المصري. 
ومن ناحية أخرى فإن الحضارة المصرية تقدم رسالة معاصرة للعالم الآن، فهى حضارة قامت على التجمع على وحدة الهدف، ورؤية الحياة الدنيا أنها جسر يمتد إلى الحياة الآخرة، فكان التوازن بين الإيمان والعمل، والعلم والفن، والخاص والعام. 
 وهذه الرؤية يقدمها مشروع أصل ووصل. 
المؤسسة تقدم ندوات ثقافية يحضرها قمم فكرية، وموقع المؤسسة يسجل ويوثق لهذه الندوات، كما أنها تقوم بنشر كتب، فهى عضو فى اتحاد الناشرين المصريين منذ عام 2016.  
أود أن انوه عن رفاعة إذا كان معنا اليوم ورأى ما تقوم به المؤسسة، لكان مستبشرا خيرا أن رسالته مازالت قائمة. 
كيف ترين رفاعة الطهطاوى وماقدمه اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات؟
أرى أن رفاعة قدم لمصر رسالة حية تستمر، ويجب أن نعيد الكشف عنها بشكل مستمر، لأنها تقدم لنا قنوات جديدة تتناغم مع كل حقبة زمنية. 
 هل نال رفاعة الطهطاوى التكريم الذى يستحقه؟
- تكريم رفاعة هو الاستمرار فى تطوير مشروعه النهضوي، فهو لا ينتسب إلى عصر بعينه، وإنما قدم مفاتيح للتقدم صالحة للاستفادة منها فى عصور لاحقة، وليس باستعادة أقواله أو دراسة أعماله دراسة حرفية، ولكن دراسة تحليلية تستخرج الكنوز الفكرية التي تقاوم تقديس الماضى.
 وفى نفس الوقت فإن رؤيته لا تقلل من التراث الروحى الحضاري للعالم الإسلامى، وإنما تعيد اكتشافه مجددا من خلال فكر حر خلاق.  من هنا أرى أن رفاع. لاحظ

الاكثر قراءة