● كان رفاعة الطهطاوي على قدر كبير من الوعي والاعتزاز الديني والقومي وهو ما نأى به عن أي صدمات فكرية أو حضارية مثلما حدث لبعض معاصريه أو سابقيه
● دعا رفاعة إلى الاستفادة من المعطيات المادية للحضارة الغربية وما تتضمنه من العلوم والمعارف، مع المحافظة في الوقت ذاته على الخصوصية الثقافية لبلاده
● سعى رفاعة الطهطاوي إلى إنجاز أول مشروع لإحياء التراث العربي الإسلامي ونجح في إقناع الحكومة بطبع عدة كتب من عيون التراث العربي على نفقتها
● أعاد رفاعة الطهطاوي إحياء الثقافة العربية المحتفظة بهويتها محاولاً دمجها مع التمدن والحداثة الغربية بما لا يمس أصولها
يا ابن الذي أيقظت مصر معارفهُ أبوك كان لأبناء البلاد أبـا
أحمد شوقي في رثاء الإبن الأصغر لـ رفاعة الطهطاوى
عندما نتحدث عن الزمكان في فكر رفاعة الطهطاوي فإننا نتحدث عن أثر البعد الزماني.. فقد شعر به الطهطاوي بعد سفره لفرنسا بعدما رأى الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب فاستدعي رفاعة زمن ازدهار الحضارة العربية الإسلامية إلى أن وقر في ذهنه أن الحضارة الغربية ما هي إلا حلقة طبيعية في حلقات التطور البشرى وكذلك لعب البعد المكاني الوطني في فكر هذا الرجل دورا كبيرا.. هذا البعد الذى انتقل معه في رحلته إلى فرنسا وكذلك في منفاه بالسودان.
لقد كان لارتباط أفكار رفاعة الطهطاوى بالبعد الزماني والمكاني أثرها في أن يسبق رفاعة عصره في كثير من الأفكار بل دوره التنويرى إلى دور المعلم الموجه حين حذر من خطورة الوقوع في أسر الانبهار بالحضارة الغربية تلك المشكلة التي واجهت كثيرا من مثقفي العالم العربي بعد ذلك.
ولد رفاعة رافع الطهطاوي "رفاعة الطهطاوي" في 15 أكتوبر 1801م، بمدينة طهطا إحدى مدن محافظة سوهاج بصعيد مصر، ونشأ في أسرة كريمة الأصل شريفة النسب لقي رفاعة الطهطاوي عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد وفاة والده وجد من أخواله اهتماما كبيرا فتعلم على أيدي مشايخ سوهاج مبادئ الفقه واللغة، سافر بعدها رفاعة الطهطاوي إلى القاهرة، وهناك التحق وهو في السادسة عشرة من عمره بالأزهر في عام 1817م.
تلقى رفاعة الطهطاوي العلم والدراسة بالأزهر على يد عدد من المشايخ منهم الشيخ شمس الدين الفضالي الشافعي والدمنهوري والشيخ أحمد الدمهوجي والشيخ حسن القويسني والشيخ إبراهيم البيجوري والشيخ حسن العطار شيخ الأزهر الذي صار رفاعة ملازما له.
سافر رفاعة الطهطاوي مع البعثات المصرية إلى فرنسا ومن الشائع حول رفاعة الطهطاوي أنه سافر كإمام لطلاب البعثة التي ذهبت إلى فرنسا، وأنه أحب التعليم واجتهد في البداية من تلقاء نفسه حتى ضمته البعثة لصفوف الطلاب، وهذا القول مردود عليه بأنه لو سلمنا بهذا الرأي فإن رفاعة الطهطاوي سيكون إماما للبعثة على ظهر السفينة فقط فطلاب البعثة تفرقوا بين المدن والمدارس الفرنسية وهو ما يستحيل جمعهم لأداء صلاة جامعة أو جلسات علم شرعي في تلك الظروف كما أن القارئ لكتابات رفاعة الطهطاوي في باريس "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" يلاحظ أنه من بداية الأمر يتحدث بصفته أحد الطلاب، مما يؤكد أن رحلة الطهطاوي العلمية بدأت في مصر وأن نبوغه العلمي هو الذى أهله للبعثة لا وظيفته الدينية، أما عن لقب شيخ الذى عرف به رفاعه فهو لقب طبيعي لكل خريجي الأزهر، وكان هناك خمسة طلاب مع رفاعة في البعثة يسبق اسمهم لقب الشيخ وهم أحمد العطار ودرس علم الميكانيكا، ومحمد الدشطوطى درس الطب والتشريح، ورفاعة درس الترجمة وعبدالله وأحمد -تذكر الوثائق اسمهما الأول فقط- عادا إلى مصر قبل أن يكملا دراستيهما.
وبديهي أن معظم أفراد البعثة كانوا متعلمين بالأزهر فقد كان الأزهر في تلك الأثناء هو المؤسسة العلمية الوحيدة في مصر وكل من التحق بالبعثات كان خريج أزهري أو طالب علم لم يكمل في الأزهر فله بالتالي نصيب من العلم الشرعي والديني وبالتالي لم يكونوا بحاجة إلى شيخ أو إمام أو واعظ بالمعني الرسمي.
يجب أن نقر أن رفاعة الطهطاوي كان على قدر كبير من الوعي والاعتزاز الديني والقومي وهو ما نأى به عن أي صدمات فكرية أو حضارية مثلما حدث لبعض معاصريه أو سابقيه وحتى اللاحقين له حتى يومنا هذا ممن بهرتهم أضواء الحضارة الأوروبية فانقلبوا على كل موروث بل وحاولوا استنساخ النموذج الفكرى الأوروبي في مجتمعاتهم دون الالتفات إلى أي فروق عقيدية أو مجتمعية.
لقد حمى اعتزاز رفاعة الطهطاوي بهويته الحضارية إصابته بأي صدمة وكان لهذا الاعتزاز أكبر الأثر في أن ينظر للحضارة العربية نظرة مجردة من الهوس نظرة عالم يدرك التطور الحضارى الطبيعي للبشر مدرك أن الحضارة الأوروبية ما هي إلا حلقة في التراث الحضارى للبشر، اعتمدت على منجزات الحضارة الإسلامية وقامت بها فكانت النتيجة أن أقبل الطهطاوي على علوم الغرب محاولاً إفادة مجتمعه منها في ضوء الهوية والموروث الحضارى المحلي لمجتمعه وفي ذلك يقول الطهطاوي في كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريز "من المعلوم أني لا أستحسن إلا ما لم يخالف نص الشريعة الإسلامية على صاحبها أفضل الصلاة وأشرف التحية". ومن ثم فمن الممكن القول بأن رفاعة الطهطاوي قد تعامل مع معطيات الحضارة الغربية تعاملا انتقائيا بما يفيد المجتمع المصرى ولا يتعارض مع ثوابته، يقف رفاعة الطهطاوي من الحضارة الغربية موقفاً وسطاً بين الانغلاق على الذات والتبعية للآخر، حيث دعا رفاعة إلى الاستفادة من المعطيات المادية للحضارة الغربية وما تتضمنه من العلوم والمعارف، الذي يعد تراثاً إنسانيا عاماً مع المحافظة في الوقت ذاته على الخصوصية الثقافية لبلاده، فلا يقبل شيئا يتعارض مع معتقداته وهويته الحضارية، لقد وعي رفاعة الطهطاوي للصدمة الحضارية التي قد تصيب أبناء مجتمعه ممن قد وقعوا في شباك الفلسفة الأوروبية أو ينبهروا بها فقال عن الفلسفة الغربية "بها حشوات ضلالية مخالفة للكتب السماوية.. وأن كتبها محشوة بكثير من البدع.. فمن أراد الخوض فيها يجب أن يتمكن من الكتاب والسنة حتى لا يغتر بذلك" فقد رفض الطهطاوي الفلسفة المادية التي تنطلق منها الحضارة الغربية، وركز على قيام الحضارة على جانبين مادي ومعنوي، وقد أكد على أهمية الجانب المعنوي المتمثل في الدين، وما يؤخذ منه من أخلاق في بناء التمدن والحضارات، مبينا أن ما خالف الدين غير مقبول ولا يعد تمدنا حقيقيا، وفي سبيل ذلك دعا الطهطاوي علماء الدين لتشجيع الاجتهاد وإعمال العقل وتحقيق فقه المنافع وما فعله هذا الشيخ النابه كان وليد قرار قد اعتزمه في نفسه من قبل، بفضل اتصاله بالشيخ حسن العطار الذي تتلمذ عليه وسمع منه عن علوم الفرنسيين الابتكارية وفنونهم وكان العطار قد اقترب من علماء الحملة الفرنسية وأدرك الهوة الواسعة التي اتسعت بين الغرب والعالم الإسلامي في مجال الحضارة والتقدم ولما رجع رفاعة إلى الوطن أدرك ما يحتاجه البعث والنهوض فتبنى حركة الترجمة المنظمة وأنشأ مدرسة الألسن وبعث حياة جديدة في التعليم.
في سنة 1247هـ / 1831م عاد الطهطاوي إلى مصر ليبدأ مشوارا من العمل وكانت أولى الوظائف التي تولاها رفاعة بعد عودته العمل مترجما في مدرسة الطب وهو أول مصري يشغل هذه الوظيفة ومكث بها عامين، ترجم خلالهما بعض الرسائل الطبية الصغيرة، وراجع ترجمة بعض الكتب، ثم نقل سنة 1349هـ/ 1833م إلى مدرسة الطوبجية (المدفعية) لكي يعمل مترجما للعلوم الهندسية والفنون العسكرية ولما اجتاح وباء الطاعون القاهرة سنة 1250هـ / 1834م غادرها إلى طهطا، ومكث هناك ستة أشهر ترجم في شهرين مجلدا من كتاب مالطبرون في الجغرافيا، وعندما عاد إلى القاهرة قدم ترجمته إلى محمد علي، فكافأه مكافأة مالية، وأسس رفاعة الطهطاوي مدرسة الألسن وعمل ناظرها، وهي المدرسة التي صارت مركزا لبث العلوم الحديثة عبر عدد من الكتب المترجمة التي اختارها بعناية لتحقيق النهضة العلمية بين أوساط المصريين وبذلك حقق التكامل بين الأزهر من جهة وعلوم العصر من جهة ثانية فلقب برائد الإصلاح والتنوير ووصفه مثقفي العرب بأنه كان ذكياً نابهاً بين أقرانه محبا للعلم جاء من أقصى الصعيد حيث البؤس والضنك إلى قلب باريس بحدائقها وميادينها ومباهجها فتعلم فيها الفرنسية، ودرس التاريخ، والجغرافيا، والفلسفة والآداب الفرنسية، وقرأ مؤلفات "فولتير"، و"جان جاك روسو"، و"مونتسكيو"، وتعلم فن العسكرية، والرياضيات. ويقول المستشرق "جب": كانت المصادر الأولى التي أخذ الفكر الأوربي يشع منها هي المدارس المهنية التي أنشأها محمد علي، والبعثات العلمية التي أرسلها إلى أوروبا، ويذكر أن منها مدرسة الألسن التي كان يشرف عليها العالم الفذ رفاعة الطهطاوي.
رحل رفاعة الطهطاوى عبر الزمان والمكان في قضية المرأة ليوازن بين ما تستحقه وفق التشريع الإسلامي وبين وضعها المعاصر في مصر وفرنسا فوقف من قضاياها موقفًا محافظا ودعا إلى منحها حقوقها التي أقرها الإِسلام والعناية بأمر تعليمها وتهذيبها وبث روح الأخلاق في نفسها، بتعليمها عقائد الإِسلام وعباداته وآدابه، ومن ثم دعا إلى التزامها الحجاب ونهى عن تبرجها أو اشتراكها في الأعمال التي تعرضها للاختلاط بالرجال وكان يرى أن عفة المرأة ومحافظتها على نفسها لا تتعلق بكشف الوجه أو ستره بل كل ذلك يعود إلى التربية إن كانت حسنة أو سيئة من قبل الوالدين وأفراد الأسرة والتربية هي التي تؤثر على أخلاق الفتاة فتجعل منها إنسانة تحترم الآخرين وتلتزم بالحشمة والوقار أو فتاة طائشة متغطرسة لا تعطي للشعائر الدينية والسلوك الحسن أي اعتبار.
كما أنه دعا إلى عمل المرأة وأنها تستطيع أن تشتغل من الأعمال ما شاءت على قدر قوتها وطاقتها. وفائدة ذلك إلى جانب الفوائد الأخرى، أن العمل يحفظ ألسنة النساء من الأباطيل، وقلوبهن من الأهواء، والعمل يصون المرأة ويقربها من الفضيلة ونالت المرأة من كتاباته الكثير وبالخصوص في كتابي "تلخيص الإبريز في تلخيص باريز" وكتاب "المرشد الأمين" وقام الطهطاوي بعقد مقارنة بين المرأة ووضعها في مصر ووضع المرأة بشكل عام في العالم وعلى وجه الخصوص في فرنسا وقد ذكر الطهطاوي في مقارنته عدة ملاحظات حول المرأة الفرنسية من حيث المظهر، والسلوك، والعمل، والمساواة بينها وبين الرجل في الأعمال، وتقسيم العمل بينهما قائلًا: "إن البيع والشراء بالأصالة للنساء وأما الأشغال فهي للرجال". وأوضح أن المرأة الفرنسية إذا شاركت الرجل في العمل والخروج إلى المتنزهات ومجالات الحياة المختلفة، فإن ذلك لا يقلل من عفتها، ولا يشين أخلاقها، وألقى الضوء على مكانة المرأة في المجتمع الفرنسي، وما يرتبط به من السلوك الفردي والاجتماعي وحاول الطهطاوي أن يطور حال المرأة المصرية، ورأى أن أهم شيء يساعد على ذلك هو تعليمها، فتصبح مؤهلة لاستقبال أفكار جديدة ومطورة، ولهذا شارك في لجنة تنظيم التعليم التي اقترحت الاهتمام بتعليم البنات وإنشاء مدارس خاصة لهن، لكن هذا الاقتراح لم ينفذ في ذلك الوقت، لأن المجتمع لم يكن ليتقبل هذه الفكرة الغريبة عنه واكتفت اللجنة بإنشاء مدرسة تمريض وتحدث الطهطاوي في كتاباته عن قضية مهمة أخرى تخص المرأة وهي قضية تعدد الزوجات فلم يحرم الطهطاوي التعدد ولكنه اعتبره مضرا بالمجتمع والفرد والأولاد والمرأة إذا لم يكن مقيدًا بالعدل ولم يكن يرضاه لنفسه فضرب المثل في الضوابط والشروط للزواج وفكرة التعدد ففي وثيقة مفتوحة كتبها لزوجته التزم فيها بأن يبقى معها وحدها على الزوجية دون غيرها من زوجة أخرى ولا جارية فإذا تزوج بامرأة أخرى تطلق الزوجة الأولى تلقائيا وقد وعدها بأنه سيبقى على عهده ولا يخله ما دامت معه على المحبة والوفاء والولاء.
وفي حديثه عن المدنية والأخلاق والتواصل بين الشرق بحضارته والغرب بمدنيته الحديثة فصحح نظرة أهل الشرق عن الغرب قائلا "إن ما يسمى عندنا بعلم أصول الفقه يشبه ما يسمى عندهم بالحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية وما نسميه العدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والمساواة وما يتمسك به أهل الإسلام من محبة الدين والتولع بحمايته مما يفضلون به عن سائر الأمم القوة والمنعة يسمونه محبة الوطن".
وتأتي الرياح بما لا تشتهي السفن فمع ولاية عباس الأول حكم مصر صدرت الأوامر لرفاعة بالذهاب إلى السودان لتولي نظارة مدرسة ابتدائية هناك لتكون رحلة جديدة عبر الزمان والمكان نتج عن تلك الرحلة ترجمة رفاعة لرواية فرنسية شهيرة باسم "مغامرات تليماخوس" أو "مواقع الأفلاك في وقائع تليماك" لمؤلفها القس الفرنسي فينيلون التي اعتبرها النقاد في عصرها صورة واضحة عن مساوئ عصر الملك لويس الرابع عشر وبذلك أتاح رفاعة إلي المثقف العربي نوعا جديدا في القراءة وهو أدب الاجتماع السياسي ووصف رفاعة في كتاباته مظاهر الحياة السودانية مثل البطان وهي عادة جلد العريس بالسوط في يوم فرحه إذ يقول:
ويضرب بالسياط الزوج حتى يقال أخو بناتٍ في الجِلاد
وتعرض لظواهر اجتماعية كالختان والبغاء وتجارة العبيد والخصيان وغيرها
بعد وفاة عباس الأول سنة 1270هـ/ 1854م عاد الطهطاوي إلى القاهرة، وأسندت إليه في عهد الوالي الجديد سعيد باشا عدة مناصب تربوية فتولى نظارة المدرسة الحربية التي أنشأها سعيد لتخريج ضباط أركان حرب الجيش سنة 1277هـ/ 1856م كما سعى رفاعة الطهطاوي إلى إنجاز أول مشروع لإحياء التراث العربي الإسلامي ونجح في إقناع الحكومة بطبع عدة كتب من عيون التراث العربي على نفقتها مثل تفسير القرآن للفخر الرازي المعروف بمفاتيح الغيب ومعاهد التنصيص على شواهد التلخيص في البلاغة وخزانة الأدب للبغدادي ومقامات الحريري وغيرها من الكتب التراثية والحضارية غير أن هذا النشاط الدءوب تعرض للتوقف سنة 1277هـ / 1861م حيث خرج رفاعة من الخدمة وألغيت مدرسة أركان الحرب واقتصر عمله علي النشاط الثقافي والتأليف حتى تولى الخديو إسماعيل الحكم سنة 1279هـ / 1863م فعاد رفاعة إلى ما كان عليه من عمل ونشاط ومهام رسمية على الرغم من تقدمه في السن واقتحم مجالات التربية والتعليم فأشرف على تدريس اللغة العربية بالمدارس واختيار المدرسين والمناهج التي تدرس بها، وحظي برئاسة كثير من لجان امتحانات المدارس الأجنبية والمصرية لتطويرها والدفع بها نحو التقدم واللحاق بركب النهضة العلمية ومن أبرز الأعمال التي قام بها رفاعة الطهطاوي في عهد الخديو إسماعيل نظارته لقلم الترجمة التي أنشئت سنة 1280هـ / 1863م لترجمة القوانين الفرنسية فاستعان الطهطاوي بتلاميذه من خريجي مدرسة الألسن ومن هؤلاء: عبدالله السيد وصالح مجدي ومحمد قدري حيث خصص مقر نظارة قلم الترجمة حجرة واحدة بديوان المدارس ولم يَحُل ذلك دون إنجاز أعظم الأعمال فترجم القانون الفرنسي في عدة مجلدات وطبع في مطبعة بولاق باسم تعريب القانون المدني الفرنساوي كما عهد ناظر المدارس علي مبارك باشا إلى الطهطاوي إصدار مجلة روضة المدارس سنة 1287هـ /1870م أسوة بجريدة الديار المصرية لكي تكون منارة لتعليم ونشر الثقافة بين أبناء المصريين حيث التحق بروضة المدارس كبار العلماء من أمثال عبدالله فكري الأديب الكبير، وإسماعيل الفلكي العالم الرياضي والفلكي، ومحمد باشا قدري، وتلميذه صالح مجدي والشيخ حسونة النواوي الفقيه الحنفي وآخرين وكانت المجلة تنشر مقالات تاريخية وجغرافية واجتماعية وصحية وأدبية وقصصا وأشعارا، كما كانت تنشر ملخصا لكثير من الدروس التي كانت تلقى بمدرسة دار العلوم وكتاب مستقل يلحق بالجريدة ألف لها على أجزاء توزع مع كل عدد من أعدادها فنشرت كتاب آثار الأفكار ومنثور الأزهار لعبدالله فكري، وحقائق الأخبار في أوصاف البحار لعلي مبارك والصحة التامة والمنحة العامة للدكتور محمد بدر والقول السديد في الاجتهاد والتجديد والإيجاز في سيرة ساكن الحجاز للطهطاوي الذي لم تنل الشيخوخة من عزيمته وعطاءه فظل يكتب المقالات والكتب وقد وصفه تلميذه النابه صالح مجدي الذي سجل سيرته "بأنه قليل النوم، كثير الانهماك على التأليف والتراجم" حتى توفى في 1 ربيع الآخر 1290هـ / 27 مايو 1873م.
في النهاية فإن الزمان كان له دور كبير في فكر رفاعة الطهطاوي فقد استدعي رفاعة الماضي ليستشرف المستقبل حيث أعاد رفاعة الطهطاوي إحياء الثقافة العربية المحتفظة بهويتها محاولاً دمجها مع التمدن والحداثة الغربية بما لا يمس أصولها وكذلك كان للمكان عظيم الأثر في فكره فكان المعلم والموجه لكل مثقف ومسؤول موضحا أهمية المكان في الفكرة وتنفيذها.