الإثنين 29 ابريل 2024

رفاعة الطهطاوي .. المظلوم دراميًا

مقالات11-8-2023 | 13:42

● تعرض رفاعة الطهطاوي لصدمة حضارية خلال بعثته التى استمرت خمس سنوات، ولكنه ظل على قناعاته بقيمه وعقيدته، فلم تفتنه الحداثة الغربية فى شتى المناحى
● شخصية الطهطاوى ذات الثراء الدرامى والتأثير الكبير كانت تستحق مئات الأعمال الدرامية والتى كان يجب أن تتناول تأثيره العلمى والفكرى والأدبى في  مصر


رفاعة الطهطاوى المؤسس الفكرى لحركة الإصلاح الحديث فى مصر قبل قرنين من الزمان، الشخصية المثيرة للانتباه فى تاريخ مصر الحديث وصاحبة البصمة الكبرى فى  فكر حركة الإصلاح التى حدثت في الدولة المصرية منذ عهد محمد على باشا واستمرت بعده، يُعد شخصية درامية بكل المقاييس، تصنع الحدث وتؤثر فيه، فحياته ومشواره نموذج لعمل درامى متكامل تتحقق فيه عناصر الجذب والفرجة والمتعة سواء الفكرية أو الروحية.

فهذا الشاب الأزهرى الذي بعثه الوالى"محمد علي باشا" حاكم مصر عام 1826 إلى فرنسا ليكون إماماً لبعثة فنية تكون نواة للتقدم العلمى لمصر، كانت وظيفته هى الحفاظ على ثوابت العقيدة والقيم لدى المبعوثين، ولكن أستاذه الذى رشحه للسفر "حسن العطار"طلب منه متابعة ما يراه فى باريس وتدوينه، ولم يكن يعتقد يوماً ما أن تلميذه سيكون اللبنة الأساسية لنقل الفكر والتحديث لمصر، ومنها للعالم العربى، في فترة كانت مصر والعالم العربى تعيش تحت وطأة التخلف الفكرى والثقافى والحضارى للدولة العثمانية التى عزلتنا عن العالم الخارجى، فكان كتاب الطهطاوى الشهير "تخليص الإبريز فى تلخيص باريز"، وكتبه الأخرى، خطوة نحو آفاق جديدة من المفاهيم والأفكار.

تعرض رفاعة الطهطاوى لصدمة حضارية خلال بعثته التى استمرت خمس سنوات، ولكنه ظل على قناعاته بقيمه وعقيدته، فلم تفتنه الحداثة الغربية في شتى المناحى، فاتبع منهجاً دقيقاً للغاية للحفاظ على العقيدة من ناحية، وإدخال التنوير والحداثة من ناحية أخرى، دون الإخلال بالهوية العربية / الإسلامية، ومن ثم حرصه على نقل ما شاهده، بل والأهم التعرف على الأسباب الموضوعية للتقدم الغربى، وهو ما دفعه للتركيز وبشدة على عملية الترجمة، ووضع أسس للتعليم تكون نواة التقدم المرجو في مصر، فأنشأ بأمر الحاكم "مدرسة الألسن" التي قامت بتدريس اللغات المختلفة، غربية أو شرقية، والتى سرعان ما تحولت لمدرسة أشمل، احتضنت كثيراً من التخصصات، منها العلوم الطبيعية والسياسة والتاريخ... إلخ، بما يمكن تصنيفها على اعتبارها جامعة بالمفهوم الحديث، ثم أضيف لها مهمة تخريج كوادر للدولة، فكانت النواة التعليمية بعد أن اقتصرت حركة التعليم على الأزهر الشريف والكتاتيب، فصارت صرحاً فكرياً وإدارياً كبيراً له إسهاماته في بناء الدولة، وتخريج رجال الدولة.

ولعل أعظم ما قدمه الطهطاوى أيضاً كان بدء حركة الترجمة فى البلاد لنقل التراث الغربى، سواء العلمى أو الفكرى أو الأدبى، إلى اللغة العربية بهدف الاستنارة والتقدم، فترجم مئات الكتب، حيث قام الطهطاوى وتلاميذه بترجمة أكثر من ألفى كتاب فى أربعين عاماً، ويعد أول من وضع لبنة التعريب لهذه الدواوين، وفصل الدولة المصرية لغوياً عن الدولة العثمانية، وهو بذلك يمكن اعتباره من رواد فكرة القومية أو الوطنية المصرية مقابل الأممية العثمانية، فضلاً عن تأليفه لأول نشيد وطنى لمصر، وكان أول من أنشأ صحيفة مصرية، هي "روضة المدارس"، وكان لها دورها في نشر الفكر والثقافة والعلوم، كما كانت له مؤلفات كثيرة متنوعة، من العلوم الطبيعية إلى السياسة والفكر، فهو يُعد بالفعل المؤسس لحركة التنوير والإصلاح التي استند إليها من أتوا بعده.  

شخصية بهذا الثراء الدرامى والتأثير الكبير كانت تستحق مئات الأعمال الدرامية والتي كان يجب أن تتناول شخصيته وتأثيره العلمى والفكرى والأدبى فى  مصر، ولكن هذه الشخصية الرائعة ظُلمت دراميا فلم تتناولها إلا أعمال درامية قليلة جدا لا تتناسب مع قيمة وأهمية " الطهطاوى" الحقيقية.

فقبل ستة وثلاثين عاما كان يغني المطرب الشاب وقتها مدحت صالح تتر المسلسل النادر"رفاعة الطهطاوى" الذي عُرض في عام 1987  في 20 حلقة فقط،  حيث كان يقول "رفاعة يا طهطاوى .. يا جدنا العزيز يا أول الخطاوى .. من القاهرة لباريز..  اقرأ كانت بداية القرآن المجيد واحنا رفعنا راية العلم والتوحيد والعلم طبيب مداوى" ..  والمسلسل من تأليف حسن محسب ومعالجة وسيناريو محمد أبو الخير، وإخراج نور الدمرداش، وجسد شخصية "رفاعة الطهطاوى" في المسلسل الممثل سمير البنا، وهو ممثل مصرى رصيده الفني يقرب من 15 عملا فقط، أغلبها مسلسلات تاريخية، مثل: بلاط الشهداء والأنصار والقضاء فى الإسلام، وشارك في البطولة الفنان شكرى سرحان وهدى رمزى وأنور إسماعيل وزين عشماوى وتهانى راشد وأحمد راتب وأحمد ماهر.

وفي الإذاعة ظهرت شخصية "الطهطاوى"، حيث جسدها الفنان عبد الرحمن أبوزهرة، من خلال "البرنامج الخاص"، الذي يكتبه شريف أباظة، وإخراج إيمان فرغلى وشارك فى البطولة عبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد ولاء الدين، ومحمد منصور.. كما قدم الشاعر فؤاد حداد، وبالتعاون مع سيد مكاوى، حلقات غنائية من برنامج بعنوان "من نور الخيال وصنع الأجيال" فى تاريخ القاهرة عن رفاعة الطهطاوى، واشترك في الأداء التمثيلي بها سهير المرشدى، وفي الأداء الغنائى محمود السكرى، وإخراج صفح الله الصفتى.

وظهرت شخصية رفاعة الطهطاوى في مسلسل "بوابة الحلوانى" فى جزأيه الثاني والثالث وأدى الدور الفنان حمدي غيث، والمسلسل من تأليف الكاتب الراحل محفوظ عبد الرحمن وإخراج المخرج الكبيرإبراهيم الصحن، وهو الجزء الأخير من حياة الطهطاوى وعلاقته ببعض أبناء محمد على.

وقدم شخصية "الطهطاوى" الفنان محمود الجندى  في مسلسل" على مبارك" رائد النهضة الحديثة فى مصر، عام 2008 وهو تأليف محمد السيد عيد وإخراج وفيق وجدى. 

وفي عام 2015  تم تقديم سيرة "رفاعة الطهطاوى  في عرض مسرحى بعنوان "بحلم يا مصر" تأليف نعمان عاشور وإخراج عصام السيد وبطولة علي الحجار ومروة ناجي وحسن العدل ويوسف إسماعيل وعلا زنيهم ومازن الغرباوي ويدمج العمل بين نصين أحدهما روائى والآخر استعراضى عن "رفاعة الطهطاوى" يتتبع العرض مسيرة الشيخ "رفاعة الطهطاوى" أحد رواد التنوير فى مصر على مدار خمسة عقود بدءًا من انضمامه كشيخ أزهرى شاب واعظًا للبعثات التى أرسلها محمد على للدراسة فى فرنسا، إلى انضمامه لها طالبًا ومترجمًا، ودوره بعد عودته في إنشاء مدرسة الألسن للترجمة، وموقفه الإيجابى من المرأة، وجهوده نحو تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، ومطالبته بتعليم النساء وحقهن فى العمل، مرورًا بعلاقته بزوجته، ودوره فى ترجمة العديد من الكتب من أهمها الدستور الفرنسى، ومعاناته وتقلب أحواله مع تغير رؤى الحكام، ونفيه إلى السودان، والصراعات التى خاضها بسبب انحيازه للحرية والعدل وحقوق المرأة ومناداته بالحق في التعليم.
 

Dr.Randa
Dr.Radwa