الأحد 5 مايو 2024

تاريخ الشعوب المتحررة وأدوار القادة

مقالات16-8-2023 | 17:41

عادة ما تصنع الشعوب تاريخها ويكتبه المؤرخون منسوبا بإنجازات إلى الحكام، لأسباب سياسية أو في ظروف تفرض فيها وجهات نظر بعينها لتوجه الأفكار والعقول والقلوب إلى مسار ما، وتمجد الأوراق سير البعض دون البعض الآخر.

الأمر يختلف تماما حينما يتعلق التاريخ بنضال الشعوب الباحثة عن التحرر الوطني والقومي والساعية إلى الديمقراطية والمساواة والعدالة، ذلك أن الشعوب ذاتها هي التي تنجب القادة و تضخ بأعراقها المزيد من المناضلين والمقاومين والشهداء، فتصنع التاريخ بنفسها وتحدد رموزها وتضعهم في عناوينه الرئيسية.
في يوم مشرف ومشرق أشرقت شمسه بشهر آب – أغسطس حضر تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وصدفة تاريخية رائعة أن يكون يوم ميلاد قائد عرفه التاريخ ببسالته وشجاعته وتواضعه و الدفاع عن كرامة الإنسان و التآخي، وهو الزعيم الكردي مسعود بارزاني، فيوم 16 أغسطس هو الذكرى 77 لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اتي في ظرف مهم حساس وبعد بروز الشعور القومي آنذاك لدى الشعوب المضطهدة كلها، ومنذ تأسيسه بقيادة الأب الروحي للشعب الكردي مصطفى بارزاني، ناضل الحزب بكل جدارة إخلاص لدعم الحقوق الكردية والعراقية.
رفع الحزب ومعه قيادته شعار "الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان" إيمانا بحل الخلافات في مناخ ديمقراطي رغم الصعوبات والعوائق المحلية و الإقليمية وشراسة أعداء الكرد الذين واجهوا الشعب والحزب معا، وتعجبوا لشجاعة هذا القائد الذي كرس حياته من أجل قضية شعبه فشارك في ثورات بارزان وجميع الحركات التحررية الكردية، وهو ابن عائلة وطنية أسست منذ بداية القرن النواة الأولى للحركات التحررية الكردستانية.
استطاع هذا الحزب الكردستاني التخلص من كل العوائق و التقدم نحو التطلعات الكردستانية مدافعا عن طموحات جميع الكرد والعراقيين كافة، وخاصة بعد تغير اسمه إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، ما أدى إلى التفاف الجماهير الكردستانية باختلاف القوميات و الأديان حوله وقائده والسير معا من أجل تحقيق مطالب وحقوق مشروعة، رغم وجود الأحزاب السياسية الكردية وبعض الحركات الشعبية آنذاك، والتي لم تستطع لعب نفس الدور بذات المستوى النضالي، فبات من الضروري تشكيل حزب قومي كردستاني لمواجهة التغيرات وتلبية مطالب شعب كردستان.
إن تأسيس الحزب في أغسطس عام 1946 يمثل نقلة نوعية و ضرورة ملحة لتغيير الواقع الكردي والمطالبة بحقوق الشعب الكردي ضمن عراق ديمقراطي، لإيمان قادته بالديمقراطية و تأمين حقوق القوميات كلها في ظل دولة تنعم بالديقراطية.
وكان و لايزال له دور هام و فعال من نضال شعبنا كردستان بدليل انتفاضة عام 1991 وتحرير المدن والقصبات الكردستانية و تأسيس البرلمان الكردستاني وتشكيل حكومة للإقليم حققت الإنجازات الملحوظة للجميع خلال الفترة الماضية و كان له دور فعال ومؤثر في تحرير العراق وإسقاط الدكتاتورية.


على الصعيد المحلي كان له و لا يزال هناك دور هام للحزب في دعم حكومة الإقليم منذ الكابينة الأولى، وإقرار الأمن و السلام في كردستان والإقليم مقبل على الانتخابات التشريعية في 28 من شهر فبراير 2024، نجد الكرد على يقين بأن الحزب سيحصل على مقاعد أكثر بدعم من مؤازري وأصدقاء الحزب طالما كان الإصرار قويا على إجرائها في وقتها المحدد.


وعلى الصعيد العراقي؛ لا يزال دور الحزب الأهم في تشكيل الحكومات العراقية منذ العام 2003 وتقريب وجهات النطر بين الأطراف المختلفة، ولرئيسه مسعود بارزاني دور هام ومشهود في هذه الإنجازات، وخلال تعرض العراق لهجوم داعش استطاعت قوات بيشمركة كردستان بقيادة وإشراف مباشرين من بارزاني دحر أسطورة داعش وتحرير كل المناطق من الإرهاب، بالتعاون والتسيق مع قوات الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي والشرطة الاتحادية حتى تحرير مدينة الموصل.


وعلى الصعيد الإقليمي؛ استطاع الحزب إقامة علاقات صداقة مع دول الجوار على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لأن سيادة العراق هي خط أحمر بالنسبة للحزب والإقليم، وكذلك بنى الحزب علاقات صداقة مع الكثير من الدول و الحركات التحرربة و الأحزاب الديمقراطية.
هذه الحالة الفريدة تؤكد دوما على حقيقة أن الشعوب الحرة تصنع التاريخ وأن رموز النضال والقادة أتوا من رحم ثورات التحرر فصنعوا لشعوبهم وأنفسهم تاريخا حقيقيا لا ينكره أحد مهما طال الزمن أو تبدلت الأوراق.