الجمعة 21 يونيو 2024

وحوش البحر: دورها فى حرب أكتوبر يؤكد أنها حامية الحدود البحرية

4-10-2017 | 15:45

بقلم : لواء بحرى اح م/محمود متولى

في حرب أكتوبر كان للقوات البحرية دور قتالي فريد استطاعت من خلاله أن تحيد دور البحرية الإسرائيلية بل وتجعلها فى حالة ذعر وتسيطر علي المضايق لتفرض عليها سيطرة مصر .

هذا الدور أثبت للعالم أن لدي مصر قوات بحرية لها قدرات غير عادية ليس في مستوى القطع والأسلحة وإنما في مستوى كفاءة المقاتل البحري المصري الذى استحق ان نطلق عليهم وحوش البحر .

ورغم مرور كل هذا الزمن تبقى القوات البحرية المصرية حارس حدود الوطن البحرية لتواجه الأعداء والمخاطر التي تهدد الأمن القومى من هذا الاتجاه ولهذا يظل إصرار القيادة العامة على دعم القوات البحرية بكل التقنيات وعناصر التسليح الحديثة، تعتبرالقوى الشاملة للدولة هى محصلة المقومات المادية والمعنوية وما يوفره التقدم التقنى لها والتى يتم توظيفها فى إطار الإستراتيجية الشاملة للدولة لتحقيق أهدافها مع قدرة الدولة على استخدام كل مواردها بطريقة تؤثر على سلوك الدول الأخرى لصنع أو لصياغة السياسة القومية.

وتنقسم القدرات الشاملة للدولة إلىعنــــــاصر مــــاديـــة (القدرة الاقتصادية – القدرة الحيوية – القدرة العسكرية– القدرة السياسية) وعناصر معنوية (الإرادة القومية – الأهداف الاستراتيجية – القدرة الدبلوماسية).

تنقسم القوة من حيث النوع إلى قوة عسكرية (وهى الأداة التى تلجأ إليها الدولة عند إخفاق السياسة فى تحقيق الأهداف)، قوة اقتصادية (وهى قدرة الدولة فى التحكم والسيطرة على الثروات الطبيعية وفن إدارتها لتحقيق الازدهار والرفاهية)، قوة قومية (وتتركز فى المصادر والثروات الطبيعية - العنصر البشرى والعلم)، القوة البحرية .maritime power

ونظراً للتوافق والتباين بين آراء المفكرين فى التعريفات المختلفة للقوة البحرية وقوة الدولة فى البحر والقوات البحرية...، وفى ظل عدم تغطية مفردات اللغة العربية لكل المصطلحات المذكورة سابقاً باللغة الإنجليزية فإنه يمكن أن نخلُص بأن القوة البحرية (powerMaritime ) تتضمن (الموقع الجغرافى – إنتاجية المجتمع – قوة الدولة فى البحر). وتقاس قوة الدولة فى البحر (Sea power of the state) بما تمتلكه من أساطيل تجارية وصيد وسفن أبحاث وحفارات ومنصات بترولية وأنشطة سياحية وثروات طبيعية، وكذلك كل ما يعمل لصالحها بالبر من موانئ ومؤسسات لإعداد الكوادر وترسانات بناء وصيانة وإصلاح السفن وتسهيلات ولوجيستيات، إضافةً للقوات البحرية التى تحمى وتؤمن كل ذلك فى ضوء رؤية القيادة السياسية لتفعيل قوة الدولة فى البحر.

فقد اعتبرت البحار على مر التاريخ أحد مصادر الخير والتواصل والرخاء، ولقد حرصت معظم الدول والأمبراطوريات القديمة على تعظيم الاستفادة من البحر، وتطويعه واستغلال ثرواته، ويكفى أن نشير إلى أين ما يقرب من ٩٥في المائة من حجم التجارة العالمية يتم نقلها بحراً.

ولهذا مع تزايد الاستنزاف الهائل لموارد اليابسة الذى أدى بالإنسان إلى الاتجاه نحو البحر لسد احتياجاته البشرية، ونظراً لاختلاف دوافع الدول لاستغلال البحار، فقد تم عقد العديد من المؤتمرات وإبراز اتفاقيات؛ بغية الوصول إلى أفضل وأنسب السبل لاستغلال واستثمار ثروات البحار (الحية والمعدنية)، بالإضافة إلى تحديد طرق التعامل مع السفن مختلفة الجنسيات.

وبالتأكيد يؤثر الموقع الجغرافى لمصرعلى قوتها فى البحر، ومن ثم على تحديد مصالحها القومية؛ لأنها دولة ساحلية تقع فى قلب العالم وتمتلك سواحل ومساحات مائية كبيرة وتتحكم وتسيطر على قناة السويس (طريق التجارة العالمية والبترول) وامتداده الطبيعى خليج السويس، بالإضافة إلى تحكمها فى مضيق تيران المدخل الوحيد لخليج العقبة.

ويتأثر الدخل القومى لجمهورية مصر العربية تأثراً مباشراً بما يتعلق بالموارد البحرية بأبعادها المختلفة، فمن وجهة نظر الاقتصاد تعتبر البحار وما تحويه نشاطاً إنتاجياً هاماً، حيث يخلق قيما اقتصادية تساعد على زيادة الدخل القومى للدولة.

ومن ثم فإن مكونات قوة مصر فى البحر تنقسم إلى العناصر الآتية:

عناصر الثروة المرتبطة بالبحر الموارد الاقتصادية

منصات البترول والغاز– الثروة السمكية والمعدنية – السياحة البحرية – قناة السويس.

عناصرإستغلال الثروة المرتبطة بالبحر

(أسطول النقل التجارى وأسطول الصيد والسفن الخاصة بالأبحاث العلمية والمعدات البحرية التى تمكن من استغلال الثروات الطبيعية الموجودة فى البحر)

عناصر دعم وتأمين الثروة المرتبطة بالبحر

(الموانئ البحرية– الترسانات والأحواض العائمة والجافة وورش الصيانة والإصلاح – مؤسسات إعداد الكوادر.... إلخ).

عناصر حماية الثروة المرتبطة بالبحر«القوة العسكرية »

القوات البحرية

أشمل تعريفات الأمن القومى هو أنه القدرة على توفير أكبر قدر من الحماية والاستقرار لتحقيق التنمية الشاملة للدولة بكافة المجالات فى الدولة ضد كافة التهديدات الداخلية والخارجية، سواء إقليمية أو عالمية لتحقيق الأهداف القومية للدولة.

وترتبط قوة مصر فى البحر ارتباطا مباشرا بقوى الدولة الشاملة فى علاقة تكاملية تتناسب طردياً فيما بينهما فهى تؤثر فيها وتتأثر بها، وطالما أن قوى الدولة الشاملة تعمل على تحقيق التنمية الشاملة، وأن الأمن القومى المصرى يهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الحماية والاستقرار لتحقيق التنمية الشاملة للدولة، فإن الأمن القومى المصرى يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقوة مصر فى البحر ومن هنا تنبع أهميه قوة مصر فى البحر، حيث تعد قوة الدولة فى البحر إحدى الدعائم الأساسية التى تؤدى إلى تقدم وازدهار الدولة فى كافة المجالات، ونظراً لما تتمتع به مصر من موقع استراتيجى فريد وطويل للسواحل وكبير للمسطحات المائية، بالإضافة إلى التزاماتها القومية كدولة محورية ورائدة فى الوطن العربى, تسير على درب التنمية والتقدم وتقابل العديد من التحديات.

وسوف نركز فى هذا المقال على القوات البحرية باعتبارها جوهر قوة الدولة فى البحر والتى تعتبر أحد مكونات القوة العسكرية للدولة، والغرض من إنشائها ينبع أساساً من الاحتياجات القومية للدولة لاستخدام البحار (على السطح وتحت السطح وفى الحيز الجوى فوقه) وتؤثر بأسلحتها من البحر إلى اليابس وفى البحر نفسه، وبالتالى فهى تعمل كضمان موثوق به لأمن الدولة وكوسيلة هامة لتأكيد وحماية مصالحها واهتماماتها فى البحر، والوظيفة الأساسية للقوات البحرية مهما تعددت أسلحتها وتطورت، هى تمكين الدولة من استخدام سفنها أينما وحينما تريد وحرمان العدو من استخدام سفنه.

يمكن إيجاز سبب سعى الدول لامتلاك قوة عسكرية بحرية فى الآتى:

- حماية خطوط المواصلات البحرية للدولة، حيث إن البحار مازالت هى الطريق الرئيسى الذى يمكن أن يستوعب وسائل النقل الأسهل والأرخص من أى وسيلة أخرى.

- كسب مراكز تجارية وقواعد فيما وراء البحار.

- التأثير بطريقة إيجابية لأجل مساندة بعض الدول أو إخضاع أعداء هذه الدول للسيطرة على البحار ولتهديد أهداف إستراتيجية فى عمق الدول الأخرى.

حماية الدولة لمصالحها فى البحر لما تمتلكه من غذاء وطاقة ومواد صناعية،
ولذا تسعى الدول إلى فرض قواتها العسكرية فى البحر لتأكيد ومساندة حقها فى
ثروات البحر وقاعه.

-الخصائص المميزة للقوات البحرية:

إن معظم الإستراتيجيين ورجال السياسة يتفقون على الخصائص الفريدة التى تتميز بها القوة البحرية والتى قال عنها وزير البحرية البريطانى الأدميرال جون فيلد هاوس رائد عملية الإبرار البحرى فى حرب فوكلاند فى وصف موجز عن القوات البحرية ( يمكن للقوات البحرية أن تتقدم أوتنسحب وأن تتركز وأن تنتشر، وذلك بدون خرق للحدود أو تنازل عن الأرض، كما يمكن للقوات البحرية أن تصل بسهولة فائقة إلى أماكن لا يمكن أن تصل إليها النوعيات الأخرى من القوات) ولقد سبق التفكير فى القوات البحرية كأداة للدبلوماسية منذ العصور القديمة، وذلك باعتبارها تمتلك عدداً من المميزات التى تنفرد بها عن القوات البرية والجوية، ويمكن إيجاز هذه المميزات فى (الاختراق والوصول – خفة الحركة – التنوع وتعدد المهام – القدرة على العمل مستقلة / منفردة – الصمود – القدرة العالية على النقل – العلانية – شدة التأثير – السرية).

- تكوين القوات البحرية:

تتكون القوات البحرية من سفن السطح (حاملات الطائرات، البوارج، الطرادات، مدمرات، الفرقاطات، القراويط، لنشات الصواريخ والمدفعية والطوربيد، سفن الإبرار، كاسحات وصائدات الألغام، سفن مكافحة الغواصات، سفن مساعدة وإنقاذ وإمداد ومساحة بحرية وتدريب) والغواصات- وحدات الصواريخ والمدفعية الساحلية - الوحدات الخاصة ومشاة الأسطول وفى أساطيل كثيرة من الدول البحرية يعتبر الطيران البحرى أحد الأسلحة العضوية للقوات البحرية.

- الدور الأمنى / البوليسى:

يهتم أساسا بامتداد سيادة الدولة على بحرها الإقليمى وولايتها على المنطفة المجاورة له والمنطقة الاقتصادية الخالصة، حيث تقوم بتأدية المهام التالية:

أ - حراسة الحدود البحرية.

ب- الاشتراك فى تأمين الجبهة الداخلية.

ﺠ- المساهمة فى بناء الدولة داخلياً.

- الدور العسكرى:

الوظيفة الأساسية للقوات البحرية هى تمكين الدولة من استخدام السفن أينما وحينما تريد وحرمان العدو من استخدام سفنه، ويتطلب منها إحراز سيطرة على قطاعات ومناطق من مياه البحار والمحيطات المتصلة بمصالح الدولة الخارجية وبشئون أراضيها، حيث تعتمد أبعاد هذه السيطرة بقدر كبير على مدى تباعد مواقع مصالح الدولة فيما وراء البحار وعلى طول خطوط المواصلات التى تربطها عبر البحار بهذه المواقع، ويقصد بالسيطرة هو إمكانية التحكم فى قطاعات معينة من البحار لفترة زمنية طويلة ولمدى جغرافى بعيد بهدف تحقيق الأهداف المرجوة من هذه السيطرة.

- الدور السياسى:

أ – يهتم بمساندة السياسة الخارجية للدولة، خصوصاً أثناء المباحثات أو المفاوضات واستكمالاً لدور السيادة المطلوب قيام القوات البحرية به لتحقيق أهدافها وقت الحرب، فهو أيضاً مطلوب فى وقت السلم بغرض منع نشوب الحرب، حيث تعمل على إكراه الخصم على تجنب ملاقاة هذه القوات البحرية صاحبة السيادة، وهذا ما تؤديه القوات البحرية والذى يعتبر من طبيعتها التى تتميز وتنفرد بها دون سائر أفرع القوات المسلحة، وبالتالى فهو دور هام جداً على المسرح السياسى والدبلوماسى العالمى لا يقل أهمية عن الدور وقت الحرب.

ب-يعتبر الأسطول الحربى أفضل من يمثل الدولة صاحبة العلم تمثيلاً حضارياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً لدعم الدولة عن طريق التواجد البحرى فى المناطق البعيدة وإظهار العلم بها، وذلك عن طريق الزيارات التى يقوم بها إلى الموانئ الأجنبية لخلق انطباع يدعم مكانتها وهيبتها فى المجتمع الدولى، حيث يكون لهذه الزيارات ردود فعل محسوبة من الدول المضيفة.

ﺠ - بالتالى لا يمكن إنكار هذا الدور الذى تلعبه القوه البحرية الممثلة فى الأسطول الحربى والتجارى كإحدي أدوات السياسة والحرب، وحيث إن الحرب هى امتداد للسياسة فلا غرابة فى أن القوة البحرية وثيقة الصلة بالاستراتيجية الشاملة للدولة.

إن ذكرى حرب أكتوبر ١٩٧٣المجيدة تلقى بظلالها علينا خلال هذه الأيام

حيث برز الاستخدام الإستراتيجى لقواتنا البحريه لأول مرة فى تاريخها المعاصر عندما نجحت فى تنفيذ مهام إستراتيجية بمسرحى العمليات بالبحرين المتوسط والأحمر، ألا وهى التعرض لخطوط المواصلات المعادية، مما أثر على إمدادات البترول والاقتصاد المعادى.

كما برز أيضاً عندما قامت بنجاح بتنفيذ النقل الإستراتيجى للقوات فى مسرح الحرب أبان حرب تحرير الكويت.

لذا فقد كان لزاماً على مصر أن تطور قواتها البحريه وأن تستكمل وتحدث منظومة القتال البحرى لدعم تحقيق الأمن القومى المصرى

حيث إن تأمين وحماية المصالح المصرية فى ظل المتغيرات المعاصرة يفرض علينا الاستمرار فى تطوير قواتنا البحرية وقواتنا المسلحة لتجسيد المقولة البريطانية الشهيرة

(يجب أن تكون ناعماً ولكن احمل دائماً عصا ثقيلة)

ولهذا فإن سؤال البعض عن مبررات الحرص على تطوير قدرتنا البحرية ودعم القوات البحرية فالعديد من القطع المقاتلة بعد غير محله لأن التطور مطلوب وبشدة لعدة أسباب منها:

الفراغ الذى نشأ فى التوازن الإستراتيجى فى شقه العسكرى نتيجة لتآكل معظم البحريات العربية فى أعقاب ما يسمى بثورات الربيع العربى.

أيضا الرغبة فى تأمين المصالح الاقتصادية المصرية بالبحرين المتوسط والأحمر فى ظل التحديات والتهديدات الحالية (الإرهاب – عدم الاستقرار فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر- وجود العديد من الأهداف الحيوية والتى تبعد عن الساحل فى المنطقة الاقتصادية بالبحر المتوسط - ... إلخ)

بالإضافة إلى أن مشروع تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس هو المشروع القومي لمصر والذى يرتبط تماماً بقوتها فى البحر، كما أنه المشروع العملاق الوحيد على الساحة العالمية حــــالياً، خاصةً أن أوربا قـــــــــد تشبعت بالمشاريع العملاقة ويوجد لديها فائض تكنولوجى وأرصدة ضخمة تحتاج لاستثمـــــــــارات كبيـــرة، كما توجد خبرات وإمكانيات ومصالح لدى دول أخرى مثل الصين وروسيا والعـــــديد من الدول الآسيوية وغيرها. وهنا أؤكد على أن أهم الملامح التى ينفرد بها هذا المشروع دون غيره هى:

أنه ليـــس فقط مشروع لمصـر بــــــل مشروع للعالم بأسره، لأنه يعتمد على التجارة العالمية أكثر مما يعتمد على تجارة مصر (فهو يصنع ويــوزع ويسوق التجارة العالمية باستغلال الموقع الإستراتيجى الفريد لمصر)، كما يعد التفعيل الثانى لموقع مصر الإستراتيجى بعد شق قناة السويس. الأمر الذى جعله أكثر ارتباطاً بمصالح الدول المختلفة.

لذلك فقد وضع الرئيس عبدالفتاح السيسى البعد البحرى فى مكانه الصحيح فى السياسة المصريه.. واهتم بقوة مصر فى البحر وتنميتها ودعمها لصناعة مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة.

حفظ الله مصر وبارك فى أبنائها الأوفياء