السبت 4 مايو 2024

عبد القادر حاتم .. المهمة السرية لإعلام الحرب

4-10-2017 | 16:13

بقلم: مدحت بشاى

سأل ضابط إسرائيلى أسير، المقاتل المصرى درويش: كيف حدث هذا .. كيف استطعتم القضاء علينا وكنا نرى عدد دباباتكم محدوداً قبل أول طلقة  وأجاب المقاتل المصرى الشاب الجواب ببساطة شديدة هو المقاتل المصرى وجسارته وإيمانه وحلوله الإبداعية، فالنصر الآن للمقاتل المتفوق وليس للدبابة الأكثر إمكانيات ومعدات تقدير مسافة أو أشعة أو ذخيرة بدليل أن كل هذا كان لديكم، وعجزتم عن هزيمتنا رغم تفوقكم العددى فى الدبابات والأطقم، إلى جانب طائراتكم، وضربكم فى العمق ..وهكذا تصاعد إيقاع حركة أبطالنا الصناديد فى وحدات الدبابات والمدفعية والمشاة والدفاع الجوى والصاعقة والمهندسين، فى معاركهم ذات الأسلحة المشتركة، وعبر الانطلاق إلى عمق دفاعات العدو فى مراحل التطوير والهجوم المضاد الذى قمنا به مع الأسبوع الثانى من الحرب، وقال لى مقاتل مدرعات: (ذهن قائد الوحدة المدرعة لابد أن يعمل أثناء القتال بسرعة جنزير الدبابة .. ولقد كانت أذهاننا بسرعة جنزير الدبابة.. ذلك لأننا كنا عطشى للنصر)..

نعم، إنه الإبداع الفردى والجماعى من جانب متخذ القرار السياسى والعسكرى والإدارى وأيضا أفراد التنفيذ على الأرض بكل رتبهم وأدوارهم، ومنذ اليوم التالى لرفض الجماهير المصرية قرار الرئيس جمال عبدالناصر بالتنحى، تسارعت الخطى لدراسة كل أسباب حدوث الكارثة بموضوعية ووفق دراسات منهجية علمية منطقية، وفى مرحلة تالية إعداد خطط إصلاح وإعادة البناء على كل الأصعدة عسكرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وإعلامياً إلخ ..

والمتابع لكل عمليات فترة حرب الاستنزاف يتأكد له عبر مراحل كل تدابير الإعداد والتنفيذ لتلك الحرب المهمة توافر قدر هائل من إعمال الفكر الإبداعى الداعم لروح الحماس الوطنى لدى مقاتلينا الأبطال لإزالة آثار العدوان ..

فلنتأمل ذلك التصريح «كل موضوعات الإعلام المصرى كانت حملة خداع من جانب الرئيس أنور السادات، أو شخص ما بجواره، وأن ذلك ليعتبر أكبر نجاح لمصر فى حرب يوم الغفران (أكتوبر)» .. هى عبارة كتبها الجنرال إيلى زعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عام ١٩٧٣ فى كتابه «حرب يوم الغفران»، عن مدى نجاح الإعلام المصرى فى إخفاء قدراتنا على الحرب، وتحقيق المفاجأة الاستراتيجية فى حرب أكتوبر، وبالطبع كان الشخص الذى تحدث عنه هو صاحب تلك الخطة العبقرية الدكتور محمد عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام الأسبق .. هى خطة الخداع الاستراتيجى كما أُطلق عليها واشتهرت به بعد أن باتت تمثل الخطوات المهمة الخاصة الأهم فى سبيلنا لتحقيق نصر أكتوبر العظيم..

فى كتابه «دور الإعلام فى تحقيق المفاجأة الاستراتيجية» شرح باستفاضة د. حاتم جوانب من خطوات تنفيذ تلك الخطة التى كلفه بإدارتها الرئيس السادات، ذكر بداية : «كانت أمامى فجوة عدم الثقة بين الشعب وأجهزة الإعلام سببها فقدان مصداقية الحكومة وجهازها الإعلامى منذ ١٩٦٧، وعندما كانت الإذاعة المصرية أثناء الهزيمة تذيع أكاذيب، لذلك كان دستور الإذاعة والإعلام فى عام ١٩٧٣ هو الصدق والسرعة فى نقل الخبر بحيث يستمع المواطن المصرى أول خبر عن أحداث الحرب بسرعة من مصادر الإعلام المصري».

وأضاف فى سرد تجربته: «عندما كلفنى الرئيس الراحل أنور السادات قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣ بأن أكون مسئولا عن الحكومة، وأن أنوب عنه فى رئاسة مجلس الوزراء، وانعكس ذلك على قرارى الأول فى مجلس الوزراء، وهو عدم الإدلاء بأى تصريح مباشر أو تلميح عن الأداء أو الاستعداد للحرب وانطبق ذلك على العسكريين والسياسيين أيضا، وكنا فى هذا نستفيد من الدروس السابقة نتيجة التصريحات غير المسئولة والتهديدات الجوفاء، التى طالما ترددت واستغلتها إسرائيل لمصلحتها حتى حدثت هزيمة يونيه١٩٦٧. وبالتالى كانت بداية خطة العمل الاستفادة من الدروس المؤلمة للنكسة. وكانت إحدى أولوياتى هى استعادة ثقة الشعب فى الحكومة وفى وسائل الإعلام الوطنية، وعلى هذا الأساس جرى الإعداد والتخطيط الذى حقق النصر، وكان إعلام أكتوبر سندا وعونا فى نجاح الجهد الدبلوماسى والأداء العسكرى فى تحقيق النصر النهائي».

وعليه، كان من أهم ركائز الخطة الإعلامية قبل المعركة قائماً على الإيحاء أن مصر تتجه نحو العمل والنضال السياسي، وتتجه لإرساء السلام فى الشرق الأوسط.

لقد كانت فكرة «المباغتة الذكية» هى الأساس الذى اعتمدت عليه تلك الخطة، يذكر د. حاتم: «لقد سربنا أخبارا بأننا سنقوم بحالة طوارئ ونشر الخبر فى لبنان وبعض أجهزة الإعلام العالمية، وقام ديان بحشد قواته وتكلف ثلاثة ملايين دولار، وبعد ذلك عرف بأننا لم نقُم بحالة الطوارئ وأعدنا الخبر بعد شهر- فأعاد إعلان حشد قواته ولم تقُم بحالة الطوارئ، وبعد ذلك قال ديان فى تصريحاته وفى مجلس الوزراء الإسرائيلى إن (هذا كله للاستهلاك المحلى المصري)، ولما تم حشد القوات المسلحة فعلا لم يحشد قواته إلا يوم ٤ أكتوبر بعد فوات الأوان»...

ويحكى «حاتم»، عن جزء آخر من خطة الخداع الاستراتيجى قائلًا: «القسم الثانى من المفاجأة الاستراتيجية هو المفاجأة التكتيكية وهى التى تقوم بها القوات المسلحة فى إخفاء تسليحها وتدريبها وخطة الهجوم وتوقيته وأسلوبه، وقد أصدرت قرارا بصفتى المسئول عن إعداد الدولة للحرب مع المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام على تشكيل لجنة سرية للغاية من القيادة وعدد محدودمن الإعلاميين لوضع وتنسيق خطة الخداع التى توضع بالنسبة ليوم الصفر، فى مطلع أكتوبر ١٩٧٣، كان علينا أن نتأكد من عدم تسريب موعد ساعة الصفر سواء للمخابرات الأمريكية أو الموساد الإسرائيلى فطلبت من وزير خارجيتنا دكتور محمد حسن الزيات أن يقابل هنرى كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وفعلا تمت المقابلة وبعث الزيات برقية للرئيس السادات تحمل استياء شديدا من نتيجة المقابلة، فقد طلب الزيات أن تعمل الولايات المتحدة على حث إسرائيل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة من أجل الانسحاب من سيناء والأراضى المحتلة ولكن كان جواب كيسنجر فيما معناه أنه ليس للدولة المهزومة أن تطلب شيئا كهذا».

ويذكر حاتم: «كانت هذه البرقية من أسعد ما تلقيت فى حياتى من أنباء، فمعناها أن خطة المفاجأة الاستراتيجية نجحت طالما أن الولايات المتحدة ومخابراتها والمخابرات الإسرائيلية المتعاونة معها لا تعرف أنه بعد ٢٤ ساعة، أى فى يوم السبت ٦ أكتوبر ١٩٧٣ ستقوم القوات المسلحة المصرية بالهجوم على إسرائيل فى الثانية ظهرا».

وهنا يذكر صاحب تلك الخطة: «جمعت رجال الإذاعة والتليفزيون الساعة ١٢ ظهرا يوم السبت ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وكان البيان الأول قد أعد فى قيادة القوات المسلحة. وطلبت من المذيعين عمل بروفة لإذاعة البيان، ووضعت الخطوط الرئيسية فى هذه الخطة. على أساس أنه لا خطابة ولا إثارة ولا حماس بالنسبة لكل البيانات العسكرية. فالإعلام هو لنقل الأخبار. وليس من عمله صنع الأخبار، ومن المهم أن يتفادى الإعلام كل أخطاء إعلام ١٩٦٧، وأن تقتصر إذاعة البيانات على المذيعين فقط، ولا داعى لأن تقوم المذيعات بالإذاعة خشية الانفعال، خصوصا وقد تقع الأحداث ليس بها انتصارات فيصعب عليهن التحكم فى مشاعرهن، وقد سمحت بإذاعة المذيعات للبيانات بعد يوم ١٠ أكتوبر بعد أن تحقق النصر. وكانت جميع الأغانى هادئة بلا افتعال وبث أحاديث عن روعة قواتنا وصلابة الجبهة».

ويتابع مختتمًا: «كان من جراء هذه السياسة الإعلامية المصرية أن تمتع إعلامنا بدرجة عالية من المصداقية والمهنية بسببها كان غالبية الإعلام العالمى ينقل عنا حتى المواطن الإسرائيلى كان يبحث عن الإعلام المصرى ليستقى منه أخباره».

التفاصيل كثيرة، والعمل عبر تلك الخطة شمل كل قطاعات الحياة، وعبر كل ما أشاعته من حالة «المصداقية» بين السلطة والجماهير ساهمت فى تجسيد ووجود حالة أطلقنا عليها «روح أكتوبر» والتى بتنا نحاول استدعاءها عند السعى لتحقيق التغيير، فنعاود تفعيل أطر التحفيز الجماعى لتحقيق قفزات نحو التواجد فى دنيا العالم المتقدم ..

    Dr.Randa
    Dr.Radwa