الأحد 19 مايو 2024

مكرم محمد أحمد عن ذكريات حرب أكتوبر: سيمفونية عزفها الجيش المصرى

4-10-2017 | 16:30

حوار أجرته: أمانى عبد الحميد

لم يجد الكاتب الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد وصفاً لحرب أكتوبر أفضل من أنها سيمفونية عسكرية متكاملة عزفها الجيش المصرى باحترافية رائعة كانت كلها ابتكارات عظيمة، من مخلة المقاتلين إلى مضخة المياه التى فتحت خط بارليف، إلى صدق البيانات التى كانت تصل من القيادة العامة .. الكاتب الكبير من موقعه كمدير تحرير جريدة الأهرام أثناء الحرب رصد لحظات النصر وبطولات المقاتلين المصريين وإبداع القيادة ليحكى لنا التفاصيل.

بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣, ما الدور المطلوب من الجيش المصرى اليوم؟

الجيش المصرى منذ القدم وهو يلعب دورا كبيرا فى توحيد مصر, منذ عصر الملك نارمر موحد الوجهين القبلى والبحرى, وظل الجيش جزءا من هوية وتاريخ البلاد, وأعتقد أن السبب الرئيسى هو موقع مصر الجغرافى على ملتقى القارات والحضارات مما جعلها مطمحا لكثير من الدول والإمبراطوريات, حتى وصلنا إلى حرب ١٩٧٣, كل التحديات التى واجهها الجيش المصرى عبر عنها الإسلام فى جملة قصيرة هي: «مصر فى رباط إلى يوم الدين».

كنت محررا عسكريا وعاصرت حروبا كثيرة خاضها الجيش المصرى, كيف كان الوضع خلال حرب ٧٣؟

كنت محررا عسكريا فى حرب الجزائر والمغرب , حرب اليمن , حرب ١٩٦٧, لكننى فى حرب ٧٣ كنت أعمل داخل الديسك المركزى لجريدة الأهرام, وكنت وقتها أقوم بكتابة قصة الحرب يوما بيوم من خلال ما يأتينا من الجبهة المصرية، فى حين يقوم الزميل المرحوم عبد الحميد سرايا بكتابة ما يحدث على الجبهة السورية, كان يأتى إلى الجريدة يوميا ضابط جيش ذو رتبة كبيرة ليشرح لنا ما يحدث على الجبهة بالتفصيل, كانت كل الأخبار تأتينا بوضوح وصدق, وكانت جريدة الأهرام تتمتع بميزة خاصة حيث تأتيه تقارير مباشرة من البنتاجون الأمريكي, إلى أن وقعت معركة الدبابات داخل سيناء وواقعة الثغرة حيث أصبحنا جميعا لا نعرف حقيقة ما يدور على الجبهة.

ما الفرق بين الجيش المصرى فى ٦٧ والجيش المصرى ٧٣؟

فى حرب ١٩٦٧ كنت مراسلا عسكريا فى غزة, أذكر أن الأستاذ هيكل أرسلنى إلى أبعد نقطة فى العمق على أمل أن أكون أول محرر يدخل إسرائيل بعد انتصار الجيش المصرى ودخوله إسرائيل, وكان مانشيت الأهرام وقتها يبشر بالنصر ,«أسلحة الجيش تسد أفق الشرق الأوسط», وكان يفتخر بأن لا توجد قطعة فى سيناء إلا وبها قطعة سلاح, وتم تصوير الحرب على أنها لعبة سياسية لكنهاللأسف لم تكن ذكية, الإسرائيليون كانوا يعرفون حقيقة موقف الجيش المصرى على الأرض, ورأوا أن توزيع القوات المصرية سيمكنهم من توجيه ضربة قوية للجيش المصري.

لكن فى حرب ٧٣ كان المشهد مختلفا, كان هناك سهولة فى وصول المعلومات إلى أصغر جندى على الجبهة, وأصبحت معدلات أداء للقوات تتوافق مع المعدلات العالمية, وهناك خطة تمويه لعب فيها الرئيس السادات دورا مهما جعلت الإسرائيليين فى حالة عماء, وعندما بلغهم أن الحرب ستقوم الساعة ١٢ ظهرا لم يصدقوا المعلومة , علاوة على أن علاقات الضباط بالجنود قد اختلفت أيضا فى ٧٣ .

كيف كانت عملية إعادة بناء الجيش بعد ٦٧؟

كانت هناك عملية عظيمة لإعادة بناء الجيش المصرى من الصفر ساهم فيها جمال عبد الناصر، لكن الفضل الأكبر يعود إلى الفريق محمد فوزى نظرا لانضباطه الصارم فاستطاع أن يعيد البناء , علاوة على القيام ببعض العمليات العسكرية التى من شأنها رفع الروح المعنوية للجنود مثل عملية رأس العش وتدمير إيلات التى قام بها شاب البحرية الملازم أول شاكر القارح, ثم بدأت عمليات عبور لفصيل والعودة ثم عبور كتيبة كاملة لتستمر هناك لمدة أربع وعشرين ساعة, أيضا حدث هناك اختلاف فى التدريب حيث أصبح يتم نمط مماثل لما سوف يواجهه الجندى فى المعركة, وعمليات التدريب على العبور كانت تتم فى مناطق من ترعة الإسماعيلية وتم تجسيد وضع مماثل تماما بنفس حوائط خط بارليف ليتدربوا على تدميرها.

ولا ننسى أن الجيش كان يفتخر قبل عام ٦٧ أن كل قطعة فى سيناء يوجد بها قطعة سلاح لكن للأسف التنسيق بين القوات والأسلحة كان مفقودا فى حين كانت حرب ٧٣ سيمفونية متكاملة بين كل القوات , الضربات الجوية قضت على خطوط التواصل بين القوات الإسرائيلية وعزلت خط بارليف عن قوى الداخل, ومكنت المصريين من السيطرة على سير العمليات فى ظل حائط الصواريخ حيث قام عبد الناصر إلى الحافة الشرقية لكى يعطى أمانا على مساحة ١٥ كم حتى مداخل الأنفاق , مما ساعد على سيمفونية الحرب المتكاملة.

ما العوامل التى ميزت حرب ٧٣ وحولتها إلى انتصار؟

حرب ٧٣ ضمت ابتكارات عظيمة, مثال عدة الجنود الصغيرة التى يطلقون عليها «المخلة» كانت مبتكرة صغيرة يحملونها خلال صعودهم خط بارليف , تضمن تسليحه وغذاءه وعربة صغيرة تعينه على سرعة الاقتحام والقدرة على التعامل على الأرض, والإبداع الأكبر كان فى مضخات المياه التى تم استخدامها فى إزالة السواتر الرملية وفتح طريق للدبابات لتدخل إلى الضفة الأخرى على الشاطئ الغربى للقنال, ومن أهم ما شهدنا فى ٧٣ كان صدق البيانات وتدفق المعلومات من القيادة إلى القوات الأمامية بشكل ضمن لها المعرفة الكاملة لما هى مقبلة عليه, إلى جانب تغيير طريقة العمل والعلاقة بين الجنود والضباط؛ حيث ارتفعت نسب القتلى بين الضباط, كذلك تعززت خلال معاركها أسلحة لم تكن مستخدمة من قبل مثل سلاح «الاستريلا» التى تضرب الدبابات والتى يحملها الجنود وكان أشهرهم عبد العاطى صائد الدبابات الذى أصاب أكثر من ثماني دبابات.

هل تعتقد أن السياسة كان لها دور فى تحقيق النصر فى حرب ٧٣؟

حرب ٧٣ بكل المقاييس وباعتراف كل العسكريين الدوليين كانت عملية عسكرية فذة حتى لو كانت كما يحب البعض أن يصفها بالتعادل , لكنها غيرت كثيرا من موازين القوى, وأثبتت أن هزيمة ٦٧ لم تكن بسبب عدم قدرة المصريين على القتال ضعف الرجال ولكنها تعود إلى افتقار الفكر العسكرى الصحيح, علاوة على أن المفاجأة التكتيكية والإستراتيجية مكنت الجيش المصرى من الإمساكبتلابيب الإسرائيليين, وأرى أنه من النادر أن تتحقق تلك المفاجأة فى أى حرب, فمن الصعب الحفاظ على سرية بدء الحرب باستخدام المفاجأة والتمويه والتى لعب فيها الرئيس السادات نفسه دورا مهما استخدم فيها أشرف مروان لعلاقاته بالإسرائيليين لكى يكون جزءا من الخداع والتمويه, وأذكر أنه فى ٦٧ دخل جنرالات الجيش الإسرائيلى على جولدا مائيرا يهددونها بالاستقالة إذا لم تعطهم أوامرببدء الحرب فورا لأنهم كان يرون مدى تردى أوضاع القوات المصرية بشكل يمثل فرصة هائلة لهم , للأسف عايشت تجربة وصول القوات الإسرائيلية شواطئ سيناء خلال وجودى فى غزة خلال أربع ساعات فقط وكانت الإذاعة الإسرائيلية تؤكد أن قواتهم تتقدم بأقصى سرعة إلى شاطئ القنال, فى حين أن الوضع اختلف فى ٧٣ , كانت هناك جزء من قوة مدرعة تحاول صد أية محاولة للإسرائيليين التقدم وتحمى الجنود المتقدمين داخل خط بارليف, حرب أكتوبر أعادت إلى المصريين بعضا من كرامتهم بل عند جلوسهم على طاولة المفاوضات كان الشعور بأن المصرى ليس مكسور الجناح أو أنه مهزوم إنما يملك القوة , وأذكر أن المشير محمد الجمسى بكى كثيرا قبل جلوسهم على طاولة مفاوضات الكيلو ١٠١ لكنه جلس لأن القوات المسلحة المصرية قد قامت بدور عظيم مما جعل منه أخطر المفاوضين المشاركين.

بعد نصر أكتوبر هل اختلف وضع الجيش داخل المجتمع المصري؟

الشعب المصرى لم يرحم القوات المسلحة بعد هزيمة ٦٧ , ينقدها بالأغنية والنكتة الجارحة, فى حين حرب ٧٣ رد للجيش اعتباره , والغريب أن المصريين تجاوبوا مع الجيش منذ اليوم الأول إيمانا بصدق البيانات الواردة إليهم , للأسف أننا فى ٦٧ كانت طائرة المشير عبد الحكيم عامر فى الجو وكانت قيادة الجيش كلها «ملخومة» فى أين تنزل وكيف؟ علاوة على سهر كل الطيارين فى حفل غنائى حتى الصباح, أما فى حرب ٧٣ الوضع كان مختلفا ونستطيع أن نقول إن عبد الناصر والفريق محمد فوزى استطاعا أن يعيدا بناء القوات المسلحة, وساعده شعور الإسرائيليين بالغرور وإيمانهم بأن المصريين سيظلون جثة بلا حراك لفترة طويلة وليس أمامهم سوى أن يقبلوا السلام الإسرائيلى بكل شروطه مما رسخ داخلهم إحساسا كاذبا بأن الجيش الإسرائيلى لا يقهر, لذا فإن ٧٣ أعادتللجيش اعتباره وفتحت آفاقا جديدة القوات المسلحة واستعادت بها ثقتها بأنفسها وحظيت بثقة الشعب المصري.