الجمعة 27 سبتمبر 2024

اللواء كمال عامر.. رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب: عبرنا القناة واستولينا على نقاط العدو الحصينة

4-10-2017 | 16:32

حوار: عبد الحميد العمدة

بنبرة لم تخل من الفخر والعزة، على مدار الحوار، تحدث اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى بمجلس النواب، عن ذكرياته أثناء حرب أكتوبر المجيدة، إنه كان يحمل وقتها رتبة رائد فى إحدى وحدات المشاة.

“اللواء كمال” لم يتوقف عند حد انتصارات أكتوبر، لكنه عاد سنوات عدة للوراء، وتحديدا لـ”أيام النكسة”، حيث نفى ما يتردد حول وصف تنحى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وخروج الآلاف فى مصر والوطن العربى لمطالبته بالتراجع عن قراره بأنه “تمثيلية”، مؤكدا أن “ناصر” كان يدرك أبعاد الأزمة، ومطامع القوى الاستعمارية فى المنطقة.

“التحرير”.. وصف ينطبق على المهمة التى ألقيت على عاتق “الرائد كمال عامر” وقتها، والتى تحدث عنها باستفاضة، وعن أمور أخرى فى الحوار التالى:

تحل خلال الفترة الحالية الذكرى الـ٤٤ على انتصارات أكتوبر.. بصفتك واحدًا من أبطالها حدثنا عن رؤيتك لها بعد مرور السنوات تلك؟

حرب أكتوبر كانت علامة مضيئة جدًا فى تاريخ مصر الحديث، وتعتبر منظومة أداء مميز لكل أفراد الشعب المصرى ولقواته المسلحة، ولا بد أن أؤكد أنها بدأت بعلامات مضيئة على طريق نصر أكتوبر منذ النكسة، ولأننى عايشت هذا الواقع مشاركا فى حرب اليمن وحرب ٦٧ فقد بدأت العلامات المضيئة على طريق نصر أكتوبر فى يوم ٩ يونيه ٦٧ عقب النتائج المجحفة للنكسة، والتى كانت تستهدف فى المقام الأول النيل من زعيم مصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، نظرا لأن القوة المعادية فى ذلك الوقت كانت لا ترى من المناسب وجود قيادة وطنية بهذه الكاريزما فى مصر، فضلا عن أن الثورة المصرية التى قام بها الضباط الأحرار فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ من وجهة نظر القوى المعادية والكارهة أتت بإنجازات تستدعى عقاب مصر، فضلا عن تأميم قناة السويس وإنشاء السد العالىبمشاركة الكتلة الشرقية آنذاك، وكذلك دعم حرب اليمن بمشاركة قوات مصرية قد وصل عددها خارج مصر فى ذلك الوقت ثلث القوات المسلحة المصرية.

بجانب كل هذا.. كانت القوى المعادية ترى أنه لا يجب علينا أن نسير فى مشروعنا الوطنى المصرى لإقامة مصر الحديثة، والبدء فى إنشاء الصناعات الثقيلة والألمونيوم والحديد والصلب، وكذلك الدخول فى عصر التطور التكنولوجى فى صناعة الصواريخ والطائرات النفاثة وإنشاء المفاعل الذرى النووى، فكل هذا لم يكن مسموحا به لنا، وكان العدو يضمر لنا الكراهية، الأمر الذى أدى لاتفاق المصالح المشتركة لكل القوى الكارهة لمصر، وإعلان إسرائيل وفرنسا وإنجلترا الحرب على مصر من خلال العدوان الثلاثى فى العام ١٩٥٦.

على ذكر النكسة.. هناك من لا يزال يؤكد أن “تنحى ناصر” لا يتعدى كونه تمثيلية.. وخروج الجماهير فى مصر ودول العالم للمطالبة ببقائه تم الترتيب له مسبقًا؟

إطلاقا.. فالرئيس عبدالناصر شعر بمسئوليته تجاه وطنه، واستشعر أنه مستهدف وعقبة فى اتجاه بلده، فأعلن تنحيه وهو ما رفضه الشعب بكافة طوائفه وانتفض ضده دون أى تخطيط أو طلب، حيث رفض الشعب الهزيمة وطالب ببقاء “عبدالناصر” فى السلطة، بل وطالبه بالحرب، وهنا تجاوب “ناصر” مع مطالب الشعب وظهر شعار “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”، وتلك الواقعة كانت أول نقطة نصر فى الإعداد لحرب أكتوبر وعلامة مضيئة تضاف لنصر أكتوبر، برفض الهزيمة والإصرار والتمسك بالرئيس جمال عبدالناصر، وكذلك الإصرار على مواصلة الإعداد للحرب وعدم الاستسلام للهزيمة.

نعود إلى انتصار أكتوبر.. حدثنا عن مهمة المقاتل كمال عامر وطبيعة مشاركته خلال الحرب؟

فى ذلك الوقت كنت برتبة رائد ضمن قوات الصدمة، بإحدى تشكيلات المشاة الميكانيكى، فى شرم الشيخ ومسئول مواجهة الإبرار البحرى والجوى ومواجهة أى عدائيات فى شرم الشيخ تحت قيادة الفريق عبدالمنعم خليل، الذى كان يحمل وقتها رتبة عميد، وبعدما عدنا عقب نكسة ٦٧، كنت قائد الموقع الحصين فى منطقة الدفاع المصرى عند كوبرى الفردان.

ودعنى هنا أشير إلى أمر مهم، فعقب النكسة لم تكن الهزيمة قد نالت من الروح المعنوية للقوات، وكان هناك استعداد للقتال حتى يومى ١٣ و١٤ يوليو، وبالفعل حدثت اشتباكات مع العدو وأتذكر معركة رأس العش والتى تم فيها تدمير رتل من دبابات العدو، وهى تلك الفترة التى تم فيها تدمير المدمرة إيلات، واستمرت القوات بمراحل الصمود الدفاعى النشط، ثم الموافقة على مبادرة وقف القتال بإقامة حائط صواريخ غرب القنال، فضلا عن الدوريات والكمائن المدفوعة من قواتنا لأسر العدو وأخذ أسلحته، حيث كانت تبنى التحصينات وخط بارليف والموانع لعرقلة قواتنا من العبور.

بعدما توقف القتال وتم إنشاء حائط الصواريخ، ذهبت لدراسة أركان حرب فى كلية القادة والأركان، حيث كانت القوات المسلحة فى هذه المرحلة تخطط لمشروعات تدريبية متعددة يتم من خلالها تعبئة كل الدارسين فى الدورات للمشاركة فى القتال، وجاءت تعبئتى وقتها فى إحدى الوحدات المكلفة بعبور واقتحام قناة السويس، وكان هذا التدريب جزءا من خطة التدريب والخداع، حيث كانت تتكرر المشروعات والتدريب للجبهة ثم يتم الانسحاب للخلف، وذلك حتى يتعامل العدو مع الأمر وكأنه فعل طبيعى.

إذن.. كنت أحد ممن نالوا شرف المشاركة فى عبور القناة واقتحام خط بارليف.

بالطبع.. كلفنا بالعبور من نطاق الجيش الثالث الميدانى للهجوم وتحقيق مهام فى نطاق الجيش الثالث الميدانى ونطاق منطقة البحر الأحمر التعبوية.

وفى نطاق الجيش الثالث الميدانى كان علينا أن نستولى على نقطة عيون موسى، ثم الاستيلاء على إحدى نقاط العدو القوية فى رأس مسلة، وكذلك منطقة جبل أم جوردى وكسيب عران، باختصار نجحت الوحدة التى كنت أقاتل فيها واستولينا على نقطة عيون موسى فى اليوم الأول، ثم استولينا على رأس مسلة وأم جوردى وكسيب عران فى نطاق الجيش الثالث الميدانى، وتكاثفت علينا طائراتالعدو لأننا أول من يعبر من رأس كوبرى الجيش الثالث ويتجه جنوبا، وأمرت القيادة العامة أن نقوم بتنظيم أنفسنا لنواصل الهجوم، وبالفعل واصلنا قتال العدو حتى بدأت تظهر بوادر الثغرة فى غرب القناة، بعد دفع الاحتياطات الموجودة فى الغرب أمرت القيادة العامة أن نعود لنقاتل العدو فى ثغرة الاختراق غرب القناة وتولى تغطية القوات فى شرق القناة أحد التشكيلات المهاجمة للقوات المسلحة حتى يتفرغ للقتال غرب القناة، واستمررنا فى القتال غرب القناة لاحتواء العدو فى الثغرة لوقف تقدمه وانتشاره حتى صدرت تعليمات وقف إطلاق النيران فى ٢٢ أكتوبر بين الجانبين.

هل انتهت بذلك مهمة الرائد كمال عامر وقتها؟

ظل مركز القيادة عقب ذلك فى منطقة عيون موسى، وكان يعمل مركز القيادة خلال أعمال القتال فى منطقة شرق القنال من نقطة عيون موسى نفسها، وحالفنى التوفيق، وكانت إرادة الله سبحانه وتعالى أننى بعد فترة، وعند تولى مهام قيادة الجيش الثالث الميدانى فى التسعينيات كلفتنا القيادة العامة بتجهيز نقطة عيون موسى كمزار تاريخى عسكرى يحكى بطولة أبناء قواتنا المسلحة الغالية فى تلك النقطة.

حديثك يؤكد أن تفاصيل نصر أكتوبر لم تذهب عن ذاكرة اللواء كمال عامر حتى اليوم؟

بكل تأكيد أتحدث وكأنى أعيشها الآن، أتحدث من ذاكرتى وقلبى ومعايشتى لها فلم تكن تلك الأحداث عابرة، وإنما كتبت بالدم والعرق، ومهما طال التاريخ فهذه الحقبة مهمة جدا؛ لأنها كانت متعلقة بكرامتنا وكرامة مصر وكرامة أرضنا، ولذلك كان كل ضابط وجندى منا مستعدا للتضحية بالدم فى سبيل بلده، ولذلك ستظل تلك الأحداث فى ذاكرتى بكافة تفاصيلها باليوم والتاريخ وكأنى أشاهد شريطا سينمائيا.

هل لا تزال هناك وقائع وأسرار لم تكشف بعد عن حرب أكتوبر؟

بالطبع.. وأؤكد أن قواتنا المسلحة لا يفوتها شىء، وهناك دار المحفوظات وهيئة البحوث العسكرية، فكافة قادة أكتوبر على كافة المستويات جاءوا وسجلوا التاريخ عن حرب أكتوبر بكافة أحداثه وجميعها فى سجلات تفصيلية مسجلة ومكتوبة للتاريخ للاستفادة منها كدروس فى المستقبل.

فى ظل المتغيرات الحالية.. من وجهة نظرك ما الدرس المستفاد من نصر أكتوبر بعد مرور ٤٤ عاما؟

الدرس المستفاد يتمثل فى وحدة هذا الشعب مع قواته المسلحة، التى صنعت المعجزات وأن الإنسان المصرى وليس السلاح هو أكبر أداة فى المعركة وهو بطل حرب أكتوبر، وهذه الحرب كانت بداية الحروب الحديثة فى العالم وأرسلت رسائل كثيرة للمستقبل، منها رسالة خاصة باستخدام الأقمار الصناعية ورسالة خاصة بتطوير المعركة البحرية بعد تدمير المدمرة إيلات ورسالة خاصة لقتال الجندى المشاة المترجل بالدبابات ورسالة خاصة بدروس العبور، ورسالة خاصة أن الشباب هم عدة المستقبل وبناة مصر، فحرب أكتوبر وجهت رسائل عديدة ودروسا مستفادة على المستويين القومى والاستراتيجى والمستويات الأخرى.

ما نصيحتك لجيل الشباب الحالى بصفتك أحد أبطال حرب أكتوبر وعايشت فترة من أصعب الفترات فى تاريخ مصر الحديث؟

جميعنا نشعر أن هناك بعض المتغيرات نتيجة لوسائل الحروب النفسية والشائعات، فالشباب يواجه مشكلات عدة، فضلا عن عدم وجود من يأخذ بيده لفترة طويلة، وبالطبع تلك المتغيرات كثيرة وأتصور أنها لا تعدو كونها على حسب وصفه “شوية عفار بسيط على رخام جميل أساسه الشعب المصرى، ولكن ستعود مصر لقيمها الأخلاقية والدينية السمحة”.

والشعب المصرى عظيم فعندما تتفجر طاقاته يصبح المستحيل ممكنا وشبابنا وطنى محترم، وللأسف الشديد نحن فى مرحلة تواجهنا قوى كارهة بضغوط شديدة سياسية واقتصادية واجتماعية وبحروب نفسية قد تؤثر على بعض الشباب، ولكن مصر التى حفظها الله سبحانه وتعالى ستقاوم بشبابها الواعى، وبإذن الله سننتصر كما انتصرنا من قبل على هذه المعركة والتحديات التى تواجهنا.