الجمعة 22 نوفمبر 2024

ثقافة

«الروحاني»: وحدة اليمن تعني قيام دولة تتكامل فيها عناصر القوة والسيادة والديمقراطية

  • 29-8-2023 | 15:18

عبدالوهاب الروحاني

طباعة
  • محمد الحمامصي

تكتسب أهمية كتاب "اليمن خصوصية الحكم والوحدة" للباحث والمفكر اليمني الدكتور عبد الوهاب الروحاني من حيث كونها تناقش تطور القيم السياسية والاجتماعية اعتمادًا على ثلاثة عوامل هي: الأول: عامل الربط بين مسار البناء التقليدي، والمعاصر لمؤسسات السلطة، الثاني: الضرورة المعاصرة للتفاعل مع قيم العدالة والديمقراطية والمساواة التي أصبحت تمثل حاجة ملحة للدولة والمجتمع على حد سواء، الثالث: دراسة أبرز الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والدينية في المجتمع، وتأثيرها على مؤسسات السلطة، والحركة نحو الديمقراطية المعاصرة.

قسم الروحاني كتابه الصادر عن مؤسسة أروقة إلى ستة فصول، تناول الفصلان الأول والثاني المؤسسات التقليدية في شطري البلاد في ظل نظامي الإمامة والاستعمار، بهدف استخلاص التجربة من أداء النظامين ومؤسساتهما، وتأثيرهما اللاحق في المؤسسات السياسية والتمثيلية، وذلك من خلال استقصاء المعلومة التاريخية حول تشكل مؤسسات السلطة التقليدية، والعوامل الاجتماعية والسياسية التي أثرت فيها، وعلاقة السلطة بالقبيلة، ونظام الرهائن، ومناقشة صور الظلم والاستبداد التي سادت في المجتمع، وجسدها قول أحد أبناء الإمام لأحد معارضي أبيه: "وما أنتم إلا عبيد لأبي". أما الفصلان الثالث والرابع: فقد تناول فيهما بالدرس والتحليل طبيعة تشكل مؤسسات السلطة السياسية والتمثيلية في الشطرين اليمنيين بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر 62/1963م، وخصوصية الشكل الجمهوري (المحافظ) في الشمال وتجربة النظام الاشتراكي في الشطر الجنوبي.

ووقف الروحاني في الفصل الخامس أمام الأهمية التاريخية للوحدة اليمنية، كأحد أهم عوامل الاستقرار في المجتمع اليمني القديم والمعاصر، ومن ثم الدور الذي لعبته الوحدة في عصر العولمة والديمقراطيات الناشئة، لصالح إحياء الممارسة الديمقراطية، في المجتمع اليمني، من خلال دراسة التناقضات السياسية والفكرية، والاقتصادية التي شهدها مسار الحركة إلى الوحدة والديمقراطية، ثم استنتاج الشروط والضرورات الموضوعية، التي أدت إلى قيام الدولة اليمنية الموحدة، والموقف الدولي والإقليمي منها.

وتناول في الفصل السادس والأخير بالتحليل خصوصيات المسار الديمقراطي في المجتمع اليمني، الذي تضمن دراسة علاقة الديمقراطية بالوحدة، وتشكل الخارطة السياسية على أساس التعددية الحزبية، وحرية الرأي والتفكير، بما رافقه من إشكاليات، لها ارتباطات بظروف وخصوصيات المجتمع اليمني. كما ناقشنا تجارب الأحزاب في العمل السياسي والتنظيمي وارتباطاتها الفكرية، وتعاملها مع مفهوم النظام التعددي، ومن ثم استشراف مستقبل التعددية الحزبية في ظل التطور التدريجي للممارسة الديمقراطية.

واشتمل هذا الفصل أيضًا، على دراسة موقع ودور البرلمان في النظام السياسي للجمهورية اليمنية، حيث تم الوقوف، أمام جملة من التناقضات السياسية والفنية، التي رافقت أداء أول مؤسسة برلمانية يمنية موحدة (مدمجة)، من نظامين سياسيين شبه متناقضين، وإبراز دورها كمؤسسة تمثيلية، جسدت مفهوما جديدا في ممارسة العمل التشريعي والرقابي، في ظل وجود كتل برلمانية (حزبية) سياسية تشهدها التجربة النيابية اليمنية لأول مرة، الأمر الذي أسهم في دخولها طورا جديدا في الممارسة والتجريب.

ويوضح الروحاني أن الخصوصية اليمنية في مجال بناء مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني الفكرية والسياسية، وتراكم التجربة اليمنية في الحكم والمعارضة منذ مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، لم تمنع من الاستفادة من التجارب الحديثة، في تحقيق الطموحات التقليدية والمعاصرة لأبناء المجتمع، وإذ لم تكن هذه الطموحات تقتصر على النضال من أجل تجاوز ظلم الإمامة في الشمال، وقهر الاستعمار في الجنوب، فهي تنطوي عن فلسفة تغيير جذري للمفاهيم من خلال: نشر التعليم وتنمية الوعي في المجتمع. القضية، التي لا تزال حتى وقتنا الحاضر، تمثل أحد أبرز التحديات أمام الدولة ومؤسساتها. بناء المؤسسات السياسية والعامة، التي تستجيب ـ فعلًا ـ لحاجة المجتمع في التغيير.

تحقيق الوحدة اليمنية، وتجذير قيمها، ببناء المجتمع الديمقراطي الذي يقوم على العدالة والمساواة. ولأن هذه الطموحات بما تشتمل عليه من قيم إنسانية، ومفاهيم واسعة للتغيير ـ مثلت ـ ولا تزال ـ محور نشاط الحركة السياسية في البلاد، فقد بينا من خلال الفصول الستة التي اشتملت عليها الدراسة، المسار المترابط للحركة السياسية من الثورة إلى الجمهورية ثم الوحدة، وتراكم تجربة الحكم وخصوصية الممارسة الديمقراطية، وحرية الرأي، التي مرت بمراحل كثيرة، ودخلت مرحلة التجريب بعد قيام دولة الوحدة في مايو 1990م. وكلها مثلت محطات هامة في ثنايا هذه الدراسة.

ويشير إلى أن نضال الحركة الوطنية في اليمن من أجل إقامة نظام حكم يتجاوز أنظمة عهود الظلم والتخلف والشتات، خضع لمحطات عصيبة من التجارب والمحاولات، اختلطت فيها مهام الحفاظ على الولاء للقيم الدينية الأصيلة وخصوصية الموروث اليمني في الحكم بمهمة التعاطي مع قيم العصر وأنظمته الحديثة. وقد تطلب تثبيت النظام الجمهوري، بعد قيام الثورة والاعتراف الدولي بالجمهورية الفتية، خمس سنوات كاملة من الحرب والدمار، مست كل بيت يمني، وضحت خلالها كل أسرة يمنية بأغلى ما عندها من الرجال. ولعله بنتيجة كل تلك التجارب والحروب، انطلقت الجمهوريتان في الشمال والجنوب باتجاه بناء مؤسسات السلطة وفقا لأسس وقواعد قانونية تتوافق إلى حد ما مع حاجات المجتمع، وتنسجم مع متطلبات الشكل الجمهوري للنظام.

ويضيف في مجال دراسة مجريات الأحداث اليمنية وتفاعلاتها الداخلية والخارجية بعد الثورة، ومن خلال تجربة أو تأثير كل من مصر والسعودية فيها، أكدت الدراسة أن لدى اليمنيين نزوعًا قويًا لإثبات الذات وقد بينت الأحداث التي تلت انسحاب القوات المصرية، وحصار صنعاء 1967م قدرتهم على حسم الحرب وإنهاء الصراع الملكي/ الجمهوري لصالح الانتصار لخيار الإبقاء على النظام الجمهوري على رغم الرهانات المعاكسة. ولم تبدأ مرحلة البناء الدستوري والمؤسسي للنظام الجمهوري إلا بعد أن تُرك اليمنيون لشأنهم الداخلي، حيث شهدت اليمن ولأول مرة في تاريخها تشكيل أول مجلس وطني -أي برلمان- عام 1969م، ولكن مفهوم انتصار اليمنيين لأنفسهم بعد خروج القوات المصرية، وقدرتهم على حسم المعركة عسكريًا بفك حصار صنعاء، وسياسيًا بالمصالحة الوطنية، لا يلغي أو ينكر بأي حال الدور المصري الكبير في دعم الثورة اليمنية ومساعدته الكبيرة في بناء الدولة الجديدة، والانتصار لنظامها الجمهوري.

ويتابع الروحاني أنه في إطار البحث في تفاعلات إحداث ما بعد الثورة فقد ناقشت الدراسة دور المؤتمرات الشعبية في إذكاء وتهدئة الصراع خلال الحرب الملكية الجمهورية، وبينت ان تلك المؤتمرات لم تكن تحمل أنين اليمنيين من جراء الحرب والدمار فقط، وإنما كانت تسعر الحرب أحيانًا وتمنعها أحيانًا أخرى، وكانت تلعب دورًا مهمًا في بناء التحالفات السياسية في الساحة اليمنية وامتدادات قضيتها على المستويين الإقليمي والعربي. وأثرت في خيارات النظام واتجاهاته، بكونها شكلت أحد أوجه التمثيل الشعبي، وهي لم تسهم فقط في احتواء جزء مهم من التناقضات والخلافات السياسية الداخلية، وإنما استطاعت أيضًا أن تؤثر على القرارات الخارجية ذات العلاقة بالشأن اليمني، إضافة إلى أنها لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على النظام الجمهوري، وتقمصت دور الرقيب والمشرع والموجه في آن واحد، وهو ما بينته طبيعة تعامل قيادة الثورة مع القرارات والتوصيات التي كانت تصدر عن هذه المؤتمرات، التي كان معظمها يأخذ طريقه للتنفيذ.

ويؤكد الروحاني أن إعادة تحقيق الوحدة عند اليمنيين يعني قيام دولة تتكامل فيها عناصر القوة والسيادة والديمقراطية، وتتوفر لها مقومات الرخاء السياسي والاقتصادي، والازدهار الاجتماعي، انطلاقًا من مفهوم أن بلاد اليمن "بلاد العربية الجنوبية" كانت مركزًا هامًا للاتصال التجاري بين المحيط الهندي والبلاد الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط.

ويوضح "لأن التشطير في مفهوم اليمنيين هو احتراب وتخلف اجتماعي وانحسار اقتصادي، عايشوه في فترات متعددة خاصة في العقود الأخيرة من القرن الماضي، فالوحدة المعاصرة في المقابل تعني تجسيد طموح الشعب اليمني نحو تحقيق عدد من الأهداف الإستراتيجية، أهمها: أولا تحقيق الأمن والاستقرار، باعتبار أنهما المنطلق لإعادة ترتيب البيت اليمني وسبر أوضاعه. ثانيا إحداث تنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة. في ظل دولة قوية تؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي والتفكير، والتعددية السياسية والحزبية، ومبدأ التداول السلمي للسلطة. ثالثا إحياء دور اليمن السياسي لتصبح دولة محورية على المستويين الإقليمي والقومي، وهي طموحات ترتبط بمراحل ازدهار عاشها اليمنيون في مراحل توحدهم في عصور مختلفة من التاريخ. وقد شكلت عوامل الأمن والاستقرار، والطموح باتجاه تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية حاجة قوية عند اليمنيين، ومورست على أساسها ضغوط شعبية كبيرة على النظامين في الشمال والجنوب، وقد لعبت الظروف الداخلية والتغيرات الإقليمية والدولية الكبيرة، دورًا مهمًا في دفع القيادات السياسية بالسير باتجاه تحقيق الوحدة المعاصرة.

ويرى أنه على هذا الأساس فقد كان الأخذ بخيار الديمقراطية والتعددية السياسية، وهو أحد أهم شروط الدخول في وحدة اندماجية بين الشطرين عام 1990م، وشكل ضمانًا للقوى والأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، لأن تشارك في العملية السياسية، خاصة وأن الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام قد أخذا على عاتقيهما مهمة التحاور معها لغرض إنجاز الاتجاهات الأساسية للنشاط السياسي والحزبي في ظل النظام الجديد. لقد أصبحت الديمقراطية حجر الزاوية في العملية السياسية بعد الوحدة، وأفضت منذ 22 مايو 1990م إلى إجراءات هامة غيرت مسار الحياة السياسية في المجتمع اليمني، رغم ظهور عدد من المشاكل التي واجهت قيام دولة الوحدة، وواجهت المسار الديمقراطي أيضًا، والتي كان من أبرزها سباق الحزبين المؤتلفين (الحاكمين) المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني في معركة السيطرة، والتقاسم الوظيفي، التي أثارت بدورها موجة استقطاب تنظيمي، وتسابقًا واسعًا للانتماء إلى كلا الحزبين الكبيرين، ليس فقط على مستوى الأفراد والجماعات وإنما قادت إلى فرز جديد للتحالفات السياسية بين القوى بمكوناتها الحزبية المختلفة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة