عاش أهالى كرموز بالإسكندرية فى رعب لمدة خمس سنوات بعد اختفاء الفتيات والسيدات لدرجة خوفهم من الخروج إلى الشارع بسبب سيرة السفاح الذي يستهدف ذوات الجمال من أصحاب الملايات اللف والخلخال، وتردد أنه قتل 19 سيدة وفتاة لكن تمت محاكمته عن 4 جرائم لسيدتين ورجلين.
بداية القصة
"سعد إسكندر عبدالمسيح" الشهير بـ"سفاح كرموز" كان يعمل مع شقيقه فى مصنع صغير للغزل والنسيج، كان يمتلكه الأخ الأكبر، وتعرف هناك على أرملة ثرية، ونشأت بينهما علاقة غرامية، الأرملة وثقت به وأخبرته عن المكان الذي تحتفظ فيه بأموالها، في إحدى السهرات الحمراء التي جمعت سعد وعشيقته قرر الغدر بها للاستيلاء على أموالها وباغتها من الخلف بطعنات نافذة أودت بحياتها على الفور، وسرق المال، ونزح إلى الإسكندرية، وكانت هذه الجريمة الأولى له.
عقب وصوله لأحد أحياء كرموز استأجر سعد إسكندر مخزنا صغيرا للقطن وغزل النسيج الذى حوله فيما بعد إلى مسرح لجرائمه التى ارتكبها، ومقبرة لبعض جثث ضحاياه من الفتيات اللاتي يوهمهن بالحب مستغلا وسامة ملامحه.
فى حى «غبريال الشعبى»، كان القاتل الوسيم يقضى أمسيته مع فتاة تدعى «فاطمة»، ويتردد على منزلها، ولخوفها من افتضاح أمرها أمام الجيران ادعت أن «سعد إسكندر» شقيقها، وفى إحدى الليالى علم السفاح من «فاطمة» أن المنزل المجاور لها تسكن فيه السيدة «بمبة»، وهى عجوز فى التسعين، تقيم بمفردها وحالتها ميسورة للغاية، وفى الليلة التى تليها لم يدخل «سعد إسكندر» منزل «فاطمة»، بل دخل منزل الست «بمبة»، وصعد إلى الطابق العلوى وقرع الباب، فتحت الست «بمبة» الباب، ظنا منها أنه أحد أبنائها حضر للاطمئنان عليها، وما أن رأته وقبل أن تصرخ وضع يده على فمها، وجرها إلى الداخل وضرب رأسها بالساطور فصرخت صرخة مدوية، ثم أجهز عليها بضربة ثانية، فتناثرت الرأس فى كل مكان.
استولى السفاح على أموال العجوز وأثناء خروجه من الشقة فوجئ بجارة أخرى تدعى «قطقوطة» تقيم فى الطابق الأرضي من المنزل، سمعت صوت الصرخة وجاءت لمعرفة السبب، فسألته عن الست «بمبة»، فأجابها: «بتصلي»، وأشار إليها بالدخول، وما أن تخطت الباب وأدارت ظهرها له هوى على رأسها بالساطور، فسقطت على الفور غارقة فى دمائها، وهرب السفاح من المنزل دون أن يراه أحد.
عاد أحد أبناء السيدة «قطقوطة» إلى المنزل، ليكتشف إصابة والدته، وأسرع بنقلها إلى المستشفى، وتم علاجها لتروى ما حدث إلى رجال المباحث، مؤكدة أن القاتل شاب رأته من قبل يتردد على منزل جارتها «فاطمة» وأغلب الظن أنه شقيقها، فألقت الشرطة القبض على شقيق «فاطمة»، وتم عرضه على «قطقوطة» فلم تعرفه، فاستجوب رجال الشرطة «فاطمة» عن الشاب الذى كان يترد عليها، قالت: «سعد إسكندر تاجر الغزل»، فألقت الشرطة القبض على «سعد إسكندر» داخل مخزنه.
استغل المحامي الذى وكله «سعد إسكندر» التناقض الذى ورد على لسان «قطقوطة»، وأقنع غرفة المشورة بعدم وجود مبرر لحبسه على ذمة القضية، وبالفعل، تم الإفراج عنه مؤقتا بضمانة مالية، واختفى «سعد إسكندر» لعامين كاملين، حتى قرر العودة لجرائمه.
فى أكتوبر 1951 كان استأجر «سعد إسكندر» شونة على ترعة المحمودية لتخزين الغلال وخيوط النسيج، وشاء القدر أن يمر من أمام الشونة تاجر أقمشة متجول ببضاعته على عربة خشب، فاستدعاه «سعد إسكندر» للداخل بحجة أنه يمتلك خيوط غزل، دخل الضحية وجلس على الكرسى وأعطاه سعد الخيوط لكى يفحصها، ولا يعلم أن الشيطان قابع خلفه شاهرا ساطوره، وعندما أحنى تاجر الأقمشة رأسه ليفحص الخيوط هوى سعد بساطوره الثقيل على رقبته، وكانت ضربة كافية لتجعل الرأس يتدحرج بعيدا عن الجسد، ثم دفنه فى أرض الشونة.
وفى نوفمبر 1951، كان موعد السفاح مع آخر ضحاياه تاجر الحبوب الذى استطاع الإفلات منه، وهو مصاب بجرح نافذ، وركض محاولا الهرب إلى الصالة غير المغطاة خارج الشونة، فأسرع السفاح خلفه وأجهز عليه، لكن أحد العمال رأى ما حدث، وهو راقد فوق سيارة نقل مرت بالمصادفة أمام الشونة فى ذلك الوقت، فأبلغ العامل الشرطة عما رأى، فأسرعوا إلى المكان، ووجدوا الضحية رجلا مضرجا بدمائه فى أرض الشونة، واختفى السفاح، وعثر رجال الشرطة على حفرة غريبة فى الأرض، فحين فحص رجال الشرطة تلك الحفرة الغريبة عثروا على عظاما آدمية، ومنذ تلك اللحظة أطلقت الصحافة عليه لقب «سفاح كرموز»، واحتل جميع العناوين فى الصحف والمجلات، ونسى الناس السياسة والفن والأعمال، ولم يكن على لسانهم غير «سعد إسكندر» والرعب يملأ قلوبهم، وكانت أسطورته تتضخم يوما بعد يوم حيث تم نشر صور له رسمها الرسام الجنائي من وصف "الست قطقوطة" وتاجر القماش له.
اختلفت روايات إلقاء القبض على سفاح كرموز، حيث ردد البعض أن أحد الضباط الذين تم انتدابهم لحل لغز السفاح وضبطه تنكر في زي رجل صعيدي وادعى أنه والد لفتاة جميلة كان يسير برفقتها للفت انتباه السفاح وبالفعل نجحت خطته ونجح في استدراجه وضبطه.. لكن الرواية الأكثر واقعية وتم تداولها بشكل أوسع كانت فضح ضابط لأمر السفاح في كمين أثناء عودته لبلدته، حيث كان هناك كمين شرطة برئاسة الملازم «فخرى عبدالملك»، يقوم بتفتيش روتيني على السيارات، استوقف الملازم أتوبيس الركاب الذى كان يستقله «سعد إسكندر»، فرأى الملازم شابا ملامحه ليست غريبة، فباغته بالسؤال عن اسمه، فأجاب السفاح: «اسمى جورج عبدالسلام»، أعاد الضابط السؤال بحدية أكثر: «عبدالسلام وجورج إزاي اسمك إيه انطق»، ارتبك السفاح أكثر وأجاب مصححا: «اسمى جورج عبدالملك»، هنا انتبه الضابط إلى اختلاف الإجابة، فترك الضابط سائر الركاب، وحدق إلى محدثه جيدا، ثم وضع يده على كتفه قائلا: «أنت سعد إسكندر» سفاح كرموز، وألقى القبض عليه فورا، وتم نقله إلى الإسكندرية لاستكمال التحقيقات معه.
صباح الأحد 25 فبراير 1953، دخل المتهم «سعد إسكندر» إلى حجرة الإعدام فى سجن الحضرة بالإسكندرية، ليمثل أمام لجنة تنفيذ الأحكام المكلفة بتنفيذ الحكم.
وكان السفاح في الدقائق الأخيرة من حياته يبتسم ويصر على أنه بريء، ويشرب جرعة من الماء، ويدخن سيجارة، ويبعث بسلامه وشكره إلى محاميه الذي بذل محاولات مستمرة خلال السنتين الماضيتين قبل تنفيذ الحكم حتى يفلت موكله من المصير الذي انتهى إليه.
وقف سعد بين حراسه وهو يبتسم وتلا مأمور السجن الحكم الصادر بالإعدام وكانت الابتسامة ترتسم على وجه سعد طوال تلك الفترة.