الأحد 2 فبراير 2025

مقالات

وزير الدفاع الأوكراني.. إقالة أم استقالة؟! (1 /2)

  • 10-9-2023 | 16:18
طباعة

على الساحة الأوكرانية الروسية هذا الأسبوع حدثين هامين، فمما لا شك فيه أن إقالة أو استقالة وزير الدفاع الأوكرانى أليكسى ريزنيكوف، سمها كما تحب، فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أوكرانيا كان لها صدى واسع سواء على الساحة الداخلية فى البلاد أو فى الخارج، المراقبون يضربون أخماساً فى أسداس، لأن تغيير الرجل فى هذه المرحلة سيلقى بأعباء إضافية على القوات الأوكرانية التى تخوض الآن هجوماً مضاداً، وقد فسر البعض استقالة وزير الدفاع بفشل الهجوم الأوكرانى المضاد وأنه لم يحقق المرجو منه حتى الآن، لكن البعض الآخر يتحدث عن أنه لا علاقة لوزير الدفاع بأى عمليات عسكرية ومن يقوم بالعمليات هو قائد القوات الجنرال فاليرى زالوجنى، ودور وزير الدفاع وفق الدستور الأوكرانى، الذى لابد ن يكون شخص مدنى، هو إدارة الوزارة وتلبية احتياجات الجيش التى يطلبها القادة العسكريين، والسيد ريزنيكوف هو محامى فى الأصل أى رجل قانون :ما أن دور وزير الدفاع هو إدارى محض أى أنه لا علاقة له بالعمليات العسكرية على الإطلاق ودوره كذلك سياسى ومن الممكن أن يقوم بعقد الصفقات لشراء الأسلحة واحتياجات القوات المسلحة بناء على ما يحتاجه الجيش، وليس له علاقة بالعمليات العسكرية أو التخطيط لها.

لكن وهذا ما أكدته وسائل إعلام أوكرانية أن إقالة وزير الدفاع الأوكرانى جاءت بعد فضيحة فساد كان قد أعلن عنها فى شهر فيراير الماضى، حيث ووفق وسائل الإعلام الأوكرانية كان وزير الدفاع قد استورد أغذية للجيش بثلاث أضعاف ثمنها، كما أنه كان مكلف بشراء ملابس شتوية للجنود لكنه استورد ملابس صيفية بثمن أرخص على أنها شتوية، وكانت صحيفة "مرآة الأسبوع الأوكرانية" قد نشرت صورة لاتفاقية تنظيم عمليات توريد الطعام للوحدات العسكرية الأوكرانية فى 6 مناطق، وفق هذه التعاقدات اشترى وزير الدفاع المواد الغذائية بأسعار تفوق ضعفين أو ثلاثة أضعاف سعرها حتى فى حالة شرائها قطاعى، على سبيل المثال البيضة التى تساوى 7 جريفنات (العملة الأوكرانية) اشتراها بسبعة عشر جريفنا. على أى حال وزير الدفاع أليكسى ريزنيكوف تقدم باستقالته ووافق البرلمان عليها، وعلى ما يبدو أنه لدور الرجل فى تزويد الجيش الأوكرانى بأسلحة مختلفة جديدة، وعلاقاته الجيدة ببريطانيا وهى أحد الموردين الرئيسيين بعد الولايات المتحدة للأسلحة للجيش الأوكرانى، يقال أنه قد يصدر قرار بتعيينه سفيراً لكييف فى لندن، القرار لم يصدر بعد لكنه متوقع جداً خلال الأيام القادمة. وزير الدفاع الأوكرانى الآن السابق ريزنيكوف شغل منصب وزير الدفاع لمدة حوالى 22 شهراً، وهو من مواليد عام 1966، فى مدينة لفوف معقل القوميين الأوكران فى غرب أوكرانيا، وهو رجل قانون فى الأساس كان الرئيس زيلينسكى قد كلفه فى عام 2019 بتمثيل أوكرانيا فى مجموعة الاتصال الخاصة بتسوية مشكلة الدونباس، كما شغل منصب نائب رئيس الوزراء فى الفترة من مارس 2020 وحتى نوفمبر 2021 ووزير مختص بإعادة التكامل مع المناطق المتمردة فى شرق البلاد، ومن 4 نوفمبر عام 2021 عين وزيراً للدفاع.

فى شهر فيراير الماضى وأثناء فضيحة شراء الأغذية والملابس، توقعت وسائل الإعلام أن يشغل منصب وزير الدفاع خلفاً للسيد ريزنيكوف رئيس جهاز المخابرات الحربية الأوكرانى الجنرال كيريل بودانوف، وكان السيد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "خادم الشعب" الذى يرأسه الرئيس زيلينسكى قد اقترح اسم الجنرال بودانوف على اعتبار أن المرحلة الحالية تتطلب ذلك، وأن وزارة الدفاع لا يجب أن يرأسها سياسى، غير أنه فى حال تعيين الجنرال بودانوف ستعتبر مخالفة دستورية، حيث ينص الدستور على أن منصب وزير الدفاع يجب أن يشغله رجل مدنى على غرار دول الناتو التى تحاول أوكرانيا التقارب والانضمام إليها، وهو ما جلب عليها كل هذه المتاعب، كما أن تعيين رئيس المخابرات الحربية كما يستوجب أن يخلع ملابسه العسكرية ويتحول إلى مدنى، وهو رجل له إنجازات فى مجال عمله كعسكرى، إضافة إلى ذلك وجود رجل عسكرى على رأس الوزارة سيخلق نوع من التضارب مع قيادة الجيش المتمثلة فى الجنرال فاليرى زالوجنى ورفاقه.

الأهم والذى لا شك فيه أن ما حدث هو إقالة لوزير الدفاع، وفى اعتقادى أن وزير الدفاع الجديد كان قد تم إعداده لتولى المنصب منذ فترة، وتحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن شخصيات فى ديوان الرئيس الأوكرانى عن خلاف حاد حول منصب وزير الدفاع ، وخاصة الانتقادات التى وجهت لوزير الدفاع من الصحافة والمجتمع المدنى، لكن لا شك أن الشركاء الغربيين كان لهم دور فى تعجيل عملية أن يتقدم وزير الدفاع باستقالته كما تقول صحيفة "الواشنطن بوست" وذلك بعد خيب الهجوم المضاد الأوكرانى الذى بدأ فى شهر مايو الماضى، آمالهم ولم يحقق المطلوب، وحتى السيد ريزنيكوف نفسه انتقد بطئ الهجوم المضاد عندما قال "إن الشعب ينتظر من الهجوم المضاد شئ خارق" لكنه أشار، فى نفس الوقت، إلى أن سير الهجوم المضاد "مخيب للآمال".

ورغم أن الرجل (ريزنيكوف) خرج بفضيحة، إلا أنه عندما تتحدث وسائل الإعلام عن تزويد أوكرانيا بالسلاح فإنه لابد من ذكر وزير الدفاع المستقيل فهو استطاع بنجاح تخطى الكثير من المحرمات فى مجال تزويد أوكرانيا بالسلاح الثقيل بداية من الدبابات الألمانية وحتى منظومات المدفعية الصاروخية، وشارك الوزير السابق فى صيغة ""رامشتين" (صيغة تضم 50 دولة لدعم أوكرانيا فى نزاعها مع روسيا بدأت عملها فى فى أبريل 2022 فى قاعدة "رامشتين" بألمانيا التى أعدها الحلفاء لتزويد أوكرانيا بالسلاح، المباحثات القادمة فى سبتمبر الجارى ومن المؤكد أن يمثل أوكرانيا فيها وزير الدفاع الجديد روستيم عموميروف، ومن المتصور أن يكون وزير الدفاع السابق قد مهد الطريق لخلفه.

أما وزير الدفاع الجديد فهو الرئيس السابق لصندوق ممتلكات الدولة المعنى بالخصخصة، صندوق يعادل وزارة قطاع الأعمال، وقد تقدم الرجل باستقالته للبرلمان عندما تم تعيينه فى منصب وزير الدفاع، ويصفه البعض بأنه رجل ذى سمعة طيبة فى خارج البلاد، وظهرت كفاءته فى صندوق ممتلكات الدولة حيث لم تحدث أى مشاكل أثناء رئاسته، كما أنه شارك فى عدد من المفاوضات الدولية بحثاً عن ذخائر للجيش الأوكرانى، فى دول من غير الدول الغربية الحليفة لأوكرانيا، ويقال عنه أنه أحد ثلاثة فى قيادة الدولة الأوكرانية الذين يستطيعون التحدث للرئيس التركى إردوغان بشكل مباشر، وهو يجيد اللغة التركية مسلم الدينة وينتمى لتتار القرم، ولد فى أوزبيكستان بوسط آسيا عندما هجر ستالين تتار القرم متهماً إياهم بخيانة الدولة السوفيتية بعد الحرب العالمية الثانية، كما أن عوميروف ربما كما يقول بعض المحللين هو الوحيد فى فريق عمل الرئيس زيلينسكى المفوض غير الرسمى للحديث مع الدول الإسلامية، وقد شارك فى مباحثات الإفراج عن الأسرى فى المملكة العربية السعودية، ورافق الرئيس زياينسكى عندما حضر القمة العربية فى المملكة العربية السعودية وكان له دور فى الإفراح عن بعض الأسرى الأجانب بوساطة سعودية، وشارك كذلك فى أول مفاوضات مع روسيا سواء فى بيلاروسيا أو اسطنبول، ويعتقد البعض أن السيد روستيم عوميروف هو رجل أندريه يرماك رئيس الديوان الرئاسى الأوكرانى والرجل القوى فى أوكرانيا. وسائل الإعلام الأوكرانية تتحدث عن أن وزير الدفاع الجديد البالغ من العمر 41 عاماً له اتصالات واسعة على الساحة الدولية، وكان مستشاراً لرئيس مجلس تتار القرم مصطفى جميلوف الذى سجن لسنوات طويلة فى الحقبة السوفيتية، والأهم أن لديه علاقات قوية ومتينة بتركيا وقياداتها بحكم لغته التركية وديانته، والكل يعرف أن أنقرة لم تعترف بضم القرم لروسيا رغم العلاقات الوثيقة بين البلدين. وتعيين السيد عوميروف بؤكد على الدور المهم لعنصر تتار القرم فى العلاقات مع أنقرة التى لا ينسى دورها وتأثيرها على تتار القرم المتحدثين باللغة التركية، والذين تعتبرهم أنقرة جسر "صداقة" يربط بين أوكرانيا وتركيا وهذه الأخيرة تتمتع بتأثير ثقافى كبير فى القرم.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة