الجمعة 17 مايو 2024

الزعيم الكورى الشمالى لدى وصوله لروسيا: معاً من أجل النضال ضد «الإمبريالية»

مقالات16-9-2023 | 12:10

الزعيم كيم يدعم روسيا فيما أسماه "النضال المقدس ضد الإمبريالية"

ليس هناك اتفاقيات معلنة، لكن حاجة البلدين لبعضهما البعض معروفة

الزعيم الكورى يضع نفسه فى خدمة روسيا فى صراعها ضد الإمبريالية والهيمنة

اختار الرئيس بوتين للمباحثات مع الزعيم الكورى الشمالى كين جونج أون قاعدة إطلاق صواريخ الفضاء "فوستوتشنى" فى منطقة آمور الروسية فى شرق البلاد وما فى ذلك من دلالات تشير إلى أن روسيا قد تتعاون مع كوريا الشمالية فى مجال صناعة الصواريخ والأقمار الصناعية، وجاءت زيارة الزعيم الكورى أثناء انعقاد منتدى شرق روسيا الاقتصادى فى شرق البلاد حيث تعد روسيا المستثمرين بمميزات واستثناءات كثيرة، لأن التحدى الحضارى الحقيقى هناك حيث توجد الصين وكوريا الجنوبية واليابان ومن هذا المنطلق تحتاج روسيا لتنمية منطقها الشرقية التى لا ينقصها أى شئ من المواد الأولية اللازمة لعملية التنمية، وتحتاج فقط لضخ استثمارات.

ربما لم يحظ لقاء للرئيس الروسى بهذا القدر من الاهتمام، منذ عملية روسيا العسكرية فى أوكرانيا، كما حظى لقاء بوتين وكيم، فقد كانت وسائل الإعلام الغربية تبث مباشرة من مكان اللقاء، وطريقة الاستقبال وأحاديث الرئيسين وفق ما تسمح به البروتوكولات. كان الصحفيون الغربيون ينتظرون قراراُ بتزويد روسيا بذخائر كورية شمالية لمساعدتها فى عمليتها العسكرية ضد أوكرانيا، لكن الزعيمان لن يتحدثا عن ذلك على الإطلاق أمام الكاميرات، وإن كان الزعيم الكورى قد أعرب عن دعمه للرئيس بوتين فيما أسماه "النضال المقدس" ضد "القوى المهيمنة"، آراء الخبراء فيما يتعلق بتزويد روسيا بذخائر اختلفت.

وكان الكرملين، حتى أخر لحظة، قد حافظ على سرية وقت ومكان لقاء الزعيمين بوتين وكيم، وكل ما كان معلوماً للعامة أنهما سيلتقيان خلال أيام فى مكان ما فى الشرق الأقصى، وطار الرئيس بوتين إلى منطقة "آمور" قادماً من مدينة فلاديفستوك، حيث كان يشارك فى المنتدى الاقتصادى الشرقى يوم الثلاثاء 12/9، فى نفس الوقت الذى وصل فيه الزعيم كيم جونج أون فى قطاره المدرع المميز، حيث لا يحب الزعيم الكورى السفر جواً إلا فى حالات الضرورة القصوى وسنشرح أسباب ذلك فى المقال فيما بعد.

وما يعكس أهمية الزيارة لكوريا الشمالية هو إعلان الزعيم كيم أثناء لقائه بالرئيس بوتين أولاً أن علاقات بلاده بروسيا لها أولوية وثانياً وهذا هو الأهم أعلن أنه شخصياً وكل الشعب الكورى الشمالى يؤيد قرار الرئيس بوتين بالقيام بالعملية العسكرية فى أوكرانيا، نظراً لأن بلاجه "نهضت للدفاع عن أمنها وسيادتها ضد الهيمنة"، وأعرب الزعيم كيم كذلك عن أمله فى أن روسيا وكوريا الشمالية ستكونان معاً على الدوام فى نضالهما ضد الإمبريالية، وأثناء زيارة الزعيم كيم لقاعدة "فوستوتشنى" لإطلاق صواريخ الفضاء كتب فى سجل الشرف "المجد لروسيا التى ولدت أول بشر غزوا الفضاء، لهم الخلود"  

ووفق خبراء فى شئون آسيا فإن الزعيم الكورى الشمالى وصل إلى روسيا للتعرف على البرنامج الصاروخى الروسى الشبه عسكرى، وما يؤكد ذلك لقائه بالرئيس بوتين فى قاعدة إطلاق صواريخ الفضاء "فوستوتشنى"، ويقول السيد مكسيم كوزنتسوف رئيس مجلس الأعمال الروسى ـ الآسيوى أنه ليس سراً أن كوريا الشمالية لديها فائض من القوى العاملة فى نفس الوقت الذى تعانى فيه روسيا من نقص هذا العنصر وخاصة فى مجال البناء، وتستعين روسيا بعمال من دول وسط آسيا المسلمة، الأمر الذى حذر عدد من السياسيين الروس، من تأثير ذلك فى المستقبل على التركيبة الديمواجرافية فى البلاد، ولذلك فإن العمال الكوريين لهم أفضلية لأنهم بانتهاء أعمالهم يعودون إلى بلدهم دون مشاكل. وللاتحاد السوفيتى تجربة مع عمال الزراعة الكوريين فى جنوب الاتحاد السوفيتى حيث استطاعوا تحقيق الاكتفاء الذاتى من إنتاج البصل، إلا أن رئيس الوزراء السوفيتى حينها اليكسى كوسيجين لأسباب لا يعلمها أحد أنهى هذه التجربة. ومن الأهمية بمكان هنا ذكر زيارة وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو لكوريا الشمالية، وقد تكون الزيارة الحالية للزعيم كيم لتكليل ما اتفق عليه ووضع اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاقيات.

باختصار الزيارة كانت ودية للغاية لكن وسائل الإعلام لم تتحدث عن توقيع أى اتفاقيات، لكن المؤكد أنه تم الاتفاق على بعض الأمور ليس بالتأكيد أخرها توريد ذخيرة للجيش الروسى، لكن البعض تحدث عن قوات قد تأتى وتتمركز على الحدود الروسية ـ الأوكرانية، ومسألة العمالة أيضاً مهمة لروسيا فى كافة المجالات خاصة مع احتمالية الإعلان عن تعبئة عامة فى روسيا، وحاجة كوريا الشمالية إلى المحروقات التى أصبحت متوفرة لدى روسيا بعد المقاطعة الأوروبية، هذا بالإضافة بالطبع إلى المواد الغذائية حيث تعانى كوريا الشمالية من عقوبات قاسية منذ فترة طويلة.

هذه تعتبر الزيارة الثانية التى يقوم بها الزعيم الكورى الشمالى، الزيارة الأولى كانت عام 2019   واستمرت الزيارة ثلاثة أيام، ومن المعروف عنه أن لا يحب السفر كثيراً وهو لم يسافر إلى خارج البلاد منذ توليه السلطة عام 2011 سوى عشر مرات، منهم أربع مرات إلى الصين، وزار سنغافورة مرة وفيتنام مرة بالإضافة إلى مرتين للمنطقة الحدودية الفاصلة مع كوريا الجنوبية، والآن هذه هى المرة الثانية التى يزور فيها روسيا. وإذا عدنا للتاريخ نجد أن كيم إيل سونج هو أكثر رؤساء كوريا الشمالية زيارة للاتحاد السوفيتى فقد زاره عشر مرات، بل أنه عاش لفترة من الزمن فى الاتحاد السوفيتى وخدم فى الجيش الأحمر، حيث قاتل الاحتلال اليابانى لمناطق فى شرق سيبيريا، وبعد الحرب العالمية الثانية كان الزعيم كيم إيل سونج يأتى للاتحاد السوفيتى بشكل منتظم بداية من عام 1949 وحتى عام 1986. وبالطبع لا تنسى كوريا مساعدة الاتحاد السوفيتى لها أثناء الحرب الكورية، وليس هناك ما يدعو للدهشة من كثرة زيارات الزعيم ومؤسس كوريا الشمالية كيم إيل سونج للاتحاد السوفيتى. أما الزعيم كيم جونج إيل والد الزعيم الحالى فإنه زار روسيا ثلاث مرات، ولم يعمر طويلاً حيث توفى مبكراً.

حكاية الزعيم كيم مع الطائرات ولماذا لا يستخدمها فى تنقلاته، يقول الخبراء أن الزعيم الكوري كيم جونج أون لدية طائرة رئاسية من روسية الصنع من طراز إل ـ 62، إلا أنه لا يستخدمها إلا فى الطيران داخل البلاد، وكل ما فى الأمر أن الطائرة قديمة ولا تصلح من حيث المظهر أن تسافر إلى الخارج، وفى حال إذا ما احتاج الزعين للسفر إلى دولة لا يمكن السفر إليها بالقطار (سنغافورة على سبيل المثال) فإنه عادة ما يستأجر طائرة من الصين، ويستخدم حينها إجراءات أمنية مشددة. ولا يجب ألا نأخذا فى الاعتبار أن كوريا الشمالية لا تزال فى حالة حرب مع جارتها الجنوبية وحالة السلام الحالية هى هدنة، كما هو الوضع بين روسيا واليابان حيث لم توقع الدولتان اتفاقية سلام حتى اليوم، وهذه الحروب مازالت قائمة منذ الحرب الكورية والحرب العالمية الثانية، حيث تصر اليابان على أحقيتها فى جزر الكوريل وسخالين، لكن هذا موضوع آخر.

أما لماذا يستخدم الزعيم الكورى الشمالى القطار المدرع فهو كما يقول الخبراء لعدة أسباب ليس أخرها على سبيل المثال أنا حالة الحرب داخل شبه الجزيرة الكورية لم تنته، كما أن القطار المدرع من الصعب تعطيله أن إحداث أضرار به، كما أن السفر بالقطار أصبح تقليد منذ أن كان الجد كيم إيل سونج فى السلطة، ومن بعده ولدة كين جونج إيل، واستمرت هذه العادة مع الحفيد الزعيم الحالى لكوريا الشمالية، وفى نهاية الأمر تكلفة القطار أرخص، لأن كوريا لا تتحمل صيانة ووقود الطائرات خاصة أن الأمم المتحدة تفرض عليها عقوبات قاسية، وبالتأكيد سوف تتفق كوريا الشمالية أثناء الزيارة الحالية على تصدير محروقات إليها إضافة بالطبع لبعض المواد الغذائية.

من الطريف والغريب فى نفس الوقت أن خبر زيارة الزعيم الكورى الشمالى لروسيا هذا العام جاءت عن طريق وسائل إعلام أمريكية وكورية جنوبية، التى استقت معلوماتها بالتالى من الأجهزة الاستخباراتية فى البلدين، والإعلان عن الزيارة رسمياً جاء يوم 11 سبتمبر الجارى، حيث أعلن الكرملين ووكالة الأنباء الرسمية الكورية عنها فى ذات الوقت، فى نفس اللحظة التى تحرك فيها قطار الزعيم كيم المدرع فى اتجاه الحدود الروسية.         

هل للزعيم الحالى جذور روسية؟ هذا السؤال طرحته بعض وسائل الإعلام الروسية وتقول الأسطورة أن الزعيم الكورى الجد كيم إيل سونج مؤسس وأول رئيس لكوريا الشمالية عندما كان يحارب اليابانيين دخل الاتحاد السوفيتى وانضم وخدم فى الجيش الأحمرفى منطقة الشرق الأقصى، وكان يقاتل مع الفدائيين الاحتلال اليابانى لكوريا. وهنا كما تؤكد وسائل إعلام غربية، ولد والد الزعيم الكورى الحالى والرئيس السابق لكوريا الشمالية كيم جونج إيل، الذى كان اسمه فى الأوراق الثبوتية السوفيتية يورى أرسينوفيتش كيم، وتم تغيير الاسم عندما عادت الأسرة إلى كوريا بعد تحريرها وانتهاء الحرب.