أكد مساعد وزير الخارجية للشئون المتعددة الأطراف والأمن الدولي السفير إيهاب بدوي أن مصر تتبنى رؤية استراتيجية ونهجا شاملا في التعامل مع موضوعات الهجرة لا يقتصر فقط على الجوانب الأمنية وإنما يراعي الأبعاد التنموية المرتبطة بالهجرة ويتصدى للأسباب الجذرية المؤدية للهجرة غير الشرعية من خلال توفير حلول تنموية مستدامة، في مقاربة تهدف لبناء مجتمع اقتصادي قوي قادر على استيعاب المهاجرين العائدين.
جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها مساعد وزير الخارجية اليوم خلال الجلسة الافتتاحية للحوار الفني الإقليمي مع أصحاب المصلحة في دول شمال إفريقيا حول الهدف 21 للاتفاق العالمي حول الهجرة المعني بالتعاون على تيسير عودة المهاجرين والسماح بدخولهم من جديد بصورة آمنة تصون كرامتهم وكذلك إعادة إدماجهم إدماجا مستداما والمنعقد حاليا بالقاهرة ويستمر لمدة 3 أيام.
ودعا السفير إيهاب بدوي - في بداية كلمته - الحضور إلى الوقوف دقيقة حداداً على أرواح ضحايا زلزال المغرب وإعصار دانيال في ليبيا..مرحبا بالمشاركين في مصر لمناقشة مسألة العودة والقبول وإعادة الإدماج للمهاجرين والتي تعد ركيزة وضلعا هاما من أضلاع عملية حوكمة الهجرة، وأحد الأهداف الرئيسية التي تضمنها العهد الدولي للهجرة، وذلك في وقت أتت فيه الأزمات السياسية والاقتصادية إلى جانب التداعيات السلبية لتغير المناخ إلى تنامي حالات الهجرة غير الشرعية في المنطقة، وزيادة أعداد الوفيات في البحر والصحراء لمعدلات هي الأعلى منذ عام 2017، حيث بلغت حوالي 3800 حالة في عام 2022، وهي خسارة فادحة للأرواح على المستوى الإنساني، وإهدار لطاقات إيجابية وسواعد شابة كان من الممكن أن تسهم في بناء أوطانها.
وقال إن انعقاد هذا الحوار يأتي في إطار أهمية التعاون والحوار وتبادل أفضل الممارسات من أجل تعزيز العودة الطوعية وإعادة الإدماج بشكل يحفظ الكرامة ويوفر فرصا للحصول على مستقبل أفضل لشبابنا.
وأكد في هذا الصدد على أهمية مشاركة وتبني الحكومات لبرامج إعادة الإدماج بما يضمن ملاءمتها للواقع المحلي بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذا اتساقها مع الخطط التنموية على المستويين المحلي والوطني، وتكاملها مع البرامج والمنظومة الوطنية، إلى جانب مشاركة القطاع الخاص والمجتمعات المحلية في تنفيذها.
وأوضح أنه من الأهمية بمكان التأكيد على تشجيع العودة الطوعية وأن تكون مقترنة ببرامج لإعادة الإدماج حيث يدعم ذلك من فرص استيعاب المهاجر العائد في مجتمعه والاستفادة من إسهامه في تحقيق التنمية..مضيفا أن نجاح العودة وإعادة الإدماج يتطلب التنسيق الدولي والوطني خلال مراحل ما قبل العودة التي تتطلب بناء القدرات المؤسسية التي تتيح حماية وتقديم الخدمات للمهاجر والتي تتمثل في حماية بياناته الشخصية وضمان تمتعه بالخدمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحق في الحصول على المساعدة القنصلية والقانونية، وحماية الأطفال ووحدة الأسرة وعدم التعرض للاحتجاز والعودة الطوعية، وكذا خلال عملية العودة والتي تتطلب التعامل مع العائد بصورة آمنة وكريمة وحماية الأطفال، وضمان وحدة الأسرة، إلى جانب الاستثمار في مرحلة إعادة الإدماج وتوفير التدريب وتنمية المهارات طبقا لاحتياجات سوق العمل بما يتيح له الاعتماد على الذات، والحصول على الحماية الاجتماعية، إلى جانب تقديم الدعم النفسي للعائدين، وكذا تحديد احتياجات المجتمعات المستقبلة والتعامل مع إعادة الإدماج بشكل شمولي سواء على مستوى الحكومة والمجتمع.
وتواجه مصر حاليا نظرا لموقعها الجغرافي تدفقات متزايدة من المهاجرين ممن اضطروا إلى ترك بلدانهم نتيجة للصراعات، أو لأسباب اقتصادية، فضلا عن تداعيات تغير المناخ حيث شهدت أعداد المهاجرين ارتفاعا حادا من 6 ملايين مهاجر في 2018 إلى 9 ملايين مهاجر حالياً - وفقاً للدراسة التي أجرتها المنظمة الدولية للهجرة في يوليو 2022 - أي بنسبة قدرها 50% في 4 سنوات فقط مما يسبب ضغطا متزايدا واستنزافا لموارد الدولة.
وعلى الرغم من هذه التحديات ظلت مصر على عهدها كدولة رائدة في الالتزام بتنفيذ العهد الدولي للهجرة وحريصة على تقديم كافة الخدمات للمهاجرين على قدم المساواة مع مواطنيها وملتزمة بمبدأ قبول إعادة المهاجرين المصريين الذين يثبت حملهم للجنسية المصرية وإعادة إدماجهم في المجتمع بشكل طبيعي.
وأضاف بدوي أنه وإيمانا بأهمية بناء إطار فعال وشامل لإدارة وحوكمة الهجرة، اتخذت مصر العديد من التدابير في هذا الصدد والتي تتضمن تهيئة المناخ الاقتصادي والاجتماعي لاستيعاب المهاجرين العائدين للمجتمع المصري، وتبنت استراتيجية وطنية لإعادة الإدماج، كما كثفت جهودها في تعزيز أمن الحدود لمنع تهريب المهاجرين والهجرة غير الشرعية مما أدى لعدم إبحار أي مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين من السواحل المصرية منذ سبتمبر 2016 إلى جانب ما سبق تبنت مصر إطارا تشريعيا ومؤسسيا لمكافحة الهجرة غير الشرعية حيث كانت من أوائل الدول بالمنطقة التي وقعت على بروتوكولي باليرمو لمكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، وسنت القانون رقم 82 لسنة 2016 لمكافحة الهجرة غير الشرعية والذي ينص على عدم تجريم المهاجر واعتباره ضحية لشبكات تهريب المهاجرين، وقد أفرد هذا القانون ولائحته التنفيذية جزءا خاصاً للأطفال غير المصحوبين تضمن الإجراءات اللازمة لعودتهم لمصر.
وأشار مساعد وزير الخارجية إلى أنه تم مؤخرا إنشاء صندوق لمكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين والشهود بهدف تمويل الأنشطة التي تستهدف ضحايا الهجرة غير الشرعية وتسهيل الإعادة الآمنة للمهاجرين وتمويل برامج رعاية وتأهيل لهم، ولفت إلى أن مصر أطلقت أول استراتيجية وطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية (2016 - 2026) والتي تشمل أهدافها رفع الكفاءات، بناء القدرات، وتوفير الحماية والتعاون الإقليمي وتوفير البدائل الإيجابية لفرص العمل للمهاجرين الراغبين في العودة الطوعية وإطلاق الحملات التوعوية لتسليط الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية والتعريف بسبل إعادة المهاجرين.
وأعرب عن الثقة في أن النقاشات التي ستجرى على مدار أيام الحوار الثلاثة ستسهم في دعم الجهود لبلورة نهج متكامل تجاه قضية إعادة الإدماج والبناء على الفهم المشترك للتحديات التي تواجهها، والاستفادة من الخبرات والممارسات الناجحة لإدارة إعادة الإدماج، بما يعود بالفائدة على المهاجر ومجتمعه ودولة المصدر.
من جانبه.. أشاد رئيس وفد الاتحاد الأوروبي بالقاهرة السفير كريستيان بيرجر بجهود مصر في مجال الهجرة غير الشرعية والحماية وإدارة الحدود ومواجهة شبكات التهريب، كما عبر عن الشكر للمنظمة الدولية للهجرة لإعطاء الفرصة لتحديد التحديات التي تواجه عودة المهاجرين والسماح بدخولهم من جديد بصورة آمنة تصون كرامتهم وكذلك إعادة إدماجهم إدماجا مستداما .
وأضاف أن منطقة البحر المتوسط من أهم المسارات غير النظامية في الهجرة حيث تضاعفت أعداد المهاجرين منذ عام 2022..لافتا إلى أن الدعم للعودة الطوعية للمهاجرين يواجه تحديات كثيرة حيث يتعرض المهاجرون للشبكات الإجرامية التي تعمل في تهريب المهاجرين وأن الاتحاد الأوروبي يقدم الدعم لمصر في هذا الشأن .
وقال إن الاتحاد الأوروبي تبنى استراتيجية في عام 2022 للعودة الطوعية وإعادة الدمج.. مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي قدم المساعدة والتعاون لإقامة المشاريع الاقتصادية لإعادة دمج المهاجرين، وشدد على ضرورة وجود جسر قوي بين جميع الأطراف للإعادة الطوعية للمهاجرين.
بدوره، أعرب المدير الإقليمي للمكتب الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عثمان البلبيسي، عن خالص تعازيه للضحايا في المغرب وليبيا، وأكد على أهمية انعقاد الحوار الفني الإقليمي الذي يأتي في توقيت هام لمناقشة أفضل الممارسات والتحديات في هذا الشأن، وقال إن منظمة الهجرة دأبت على تحسين التعامل مع مسألة عودة المهاجرين الطوعية وإعادة إدماجهم ولعبت دورا كبيرا في السنوات الخمس الأخيرة.