الخميس 16 مايو 2024

الاحتفال بالمولد النبوي.. متى بدأ في مصر وماذا قال العلماء؟

المولد النبوي

تحقيقات23-9-2023 | 21:37

محمود غانم

مع اقتراب المولد النبوي، يحتدم الجدل والنقاش بين المذاب الفقهية والفرق العقائدية حول مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة العطرة، وتعد هذه المسألة من المسائل المستحدثة، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم قول بذلك، ولا عن الصحابة، ولا عن التابعين، والمعتمد في مصر مادار عليه الأزهر والإفتاء.

الاحتفال بالمولد النبوي 

يرجح المؤرخون أن أول من احتفل بالمولد النبوي كان الفاطميون الذين يتبعون المذهب الشيعي، وذكر الإمام السيوطي أن أول من احتفل بالمولد النبوي الملك المظفر أبو سعيد كوكبري، كما احتفل العثمانيون بالمولد النبوي، إذ كانو يحتفلون به في أحد الجوامع الكبيرة بحسب اختيار السلطان، فكانوا يقرؤون القرآن، ثم قراءة قصة مولد النبي محمد، وقراءة كتاب دلائل الخيرات في الصلاة على النبي، ثم ينتظم بعض المشايخ في حلقات الذكر، فينشد المنشدون وترتفع الأصوات بالصلاة على النبي.

أراء العلماء 

اعتبر الإمام السيوطي اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي وما وقع في مولده من الآيات ثم يمد لهم سماط (ما يوضع عليه الطعام) يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبي وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.

وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف: "إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله وشكره لما أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق إلى عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبعد عن المحرمات والبدع والمنكرات، ومن مظاهر الشكر على حبه مواساة المحتاجين بما يخفف ضائقتهم، وصلة الأرحام، والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يكن مأثورا في عهده صلى الله عليه وآله وسلم ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه لا بأس به وسنة حسنة".

وذهب الشعراوي إلي مثل ما ذهب إليه السيوطي وشيخ الأزهر حيث قال: "وإكرامًا لهذا المولد الكريم فإنه يحق لنا أن نظهر معالم الفرح والإبتهاج بهذه الذكرى الحبيبة لقلوبنا كل عام وذلك بالاحتفال بها من وقتها".

عارض ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية إذ قال: "اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها".

وبرغم من قدم المسألة، إلا أنها لم تكن من المسائل التي يثار عليها الجدل أوالنقاش أو تضرب لها الحجة بالحجة أو يقارع لها الدليل بالدليل، أما اليوم وقد أصبحنا نرى أشياء ما أنزل الله بها من سلطان،احتدم حولها الجدل، ومن أشهر تلك الوقائع حين قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء عام 2015، "ولنعلم أن هذه الموالد وأمثالها من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان، وأن المحبة الصادقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تكون بالإتباع والاقتداء والتأسي به، حيث قال تعالى “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّه وَيَغْفِر لَكُمْ ذُنُوبكُمْ وَاَللَّه غَفُور رَحِيم"، وقد تبع ذلك ردود فعل واسعة من العلماء المؤيدون للاحتفال بالمولد.

المعتمد في مصر 

والمعتمد في مصر ما ذهب إليه الأزهر، حيث أكد مركز الأزهر للفتاوى الإلكترونية، في فتوى سابقة، أن الاحتفال بميلاده صلى الله عليه وسلم تعظيم واحتفاء الجناب النبوي الشريف، وهو عنوان محبَّته التي هي ركن من أركان الإيمان.

ومضى مركز الأزهر في توضيحه بالتأكيد على أن المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي يقصد به تجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا، فميلاده كان ميلادًا للحيا

وانتهى مركز الأزهر بذلك، إلى أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم جائز، وهو من سبل إظهار المحبة للرسول الكريم محمد.

وارتأت دار الإفتاء المصرية مثل ما ارتأى الأزهر حيث أكدت في فتوى سابقة ترجع لعام 2016، رداً على سؤال خاص بالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أكدت أنه من أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أصل من أصول الإيمان.

وأضافت: «صح عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (لا يُؤمِنُ أَحَدُكم حتى أَكُونَ أَحَبَّ إليه مِن والِدِه ووَلَدِه والنَّاسِ أَجمَعِينَ» رواه البخاري، كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد سنَّ لنا جنس الشكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف؛ فكان يَصومُ يومَ الإثنينِ ويقول: (ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه) رواه مسلم».

وتابعت في فتواها: «إذا انضمت إلى ذلك المقاصد الصالحة الأخرى؛ كإدخال السرور على أهل البيت وصلة الأرحام فإنه يصبح مستحبًّا مندوبًا إليه، فإذا كان ذلك تعبيرًا عن الفرح بمولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان أشد مشروعية وندبًا واستحبابًا».

الفتوى نفسها قالت: «الوسائل تأخذ أحكام المقاصد، فكان القول ببدعيته -فضلًا عن القول بتحريمه أو المنع منه- ضربًا من التنطع المذموم؛ لأن البدعة المنهي عنها هي ما أُحدِثَ مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه بدعة الضلالة، وادِّعاء أن أحدًا من الصحابة لم يحتفل بمولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله ليس بصحيح أيضًا؛ لما ورد في السنة النبوية من احتفال الصحابة الكرام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع إقراره لذلك وإِذْنه فيه؛ فعن بُرَيدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداء فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا» رواه أحمد والترمذي».

كمال قالت دار الإفتاء، أمس الجمعة، إنه لا يجوز شرعًا الطعن فى مشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف بما قد يحدث فيه من أمورٍ محرمةٍ.

وتابعت الإفتاء عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك "بل إننا ننكر ما قد يكتنفه من منكرات، ويُنبَّهُ أصحابها –بالحكمة واللِّين- إلى مخالفةِ هذه المُنكراتِ للمقصد الأساس الذى أُقيمت من أجله هذه المناسبات الشريفة.