أسباب حقيقية تقترن بدورهم في تغيير واقع شعوبهم كانت وراء تخليد أسمائهم وبقاء أثر أعمالهم، هكذا القادة، وبينهم الزعيم المصري العربي القومي خالد الذكر جمال عبد الناصر، الذى تحل اليوم ذكرى رحيله.
في جنازة جمال عبد الناصر مشهد تاريخي مهيب يهز القلوب ويكشف عن قيمته ومدى تأثيره في مجتمعه ووطنه ومحيطه الإقليمي والدولي، فهو أحد صناع التاريخ المعاصر بين قادة شعوب ما بعد الاستعمار المتراجعة قواه في النصف الثاني من القرن العشرين، ولم لا، وهو من أقر بالحقوق القومية للشعوب وأساسها اللغة والعرق القوي المتسع حضوره وتأثيره إقليميا، وهكذا كانت رؤية ناصر للكرد.
القائد يخدم أمته والبشرية والإنسانية، وعبد الناصر الذي رحل بجسده عام 1970 لا تزال روحه تعيش مع الأجيال تلو الأجيال، العربية وغير العربية، فهو مؤسس فكرة "القومية" الداعمة لحقوق جميع الشعوب دون استثناء، كان شهما مدافعا عن حرية و كرامة الإنسان، ناضل من أجل السلام و المساواة، وهو أول زعيم عربي يستقبل زعيما كرديا في مصر خلال رجوعه من منفاه، وهو الزعيم الكردي الخالد مصطفى بارزاني الذي كرس حياته أيضا من أجل الدفاع عن حقوق شعبه وبناء دولة ديمقراطية مدنية تسودها التآخي والسلام و العدالة بين كافة مكونات العراق.
كان ناصر من مؤازري الشعب الكردي فوافق على بث برنامج باللغة الكردية عبر إذاعة صوت العرب من القاهرة، وعلى وجود ممثل للثورة الكردية في القاهرة في الستينيات من القرن الماضي، ورفض إرسال قوات الجيش المصري إلى العراق إلا بعد تعهد الحكومة العراقية بعدم اشتراك القوات المصرية في الاقتتال ضد الكرد، ووفاء لهذا الزعيم تمت تسمية أحد أبرز شوارع أربيل باسمه، ليصبح رمزا للعلاقات المصرية الكردية في العصر الحديث والتي بداْت سياسيا بلقاء تاريخي في القاهرة 5 أكتوبر 1958 بين ناصر وبارزاني، قبله بعامين وخلال العدوان الثلاثي على مصر قال الزعيم الكردي الخالد مصطفى بارزاني "بكيت من أجل مصر"، فقد كان بارزاني قائدا ناضل من أجل شعبه ويدرك حقيقة وواقع الشعب المصري وزعيمه في تلك المحنة؛ لذا خلد التاريخ بارزاني كقائد عظيم في الشرق الأوسط أيضا.
فعند وفاة بارزاني وفقد الأمة الكردية قائدها الأسطوري الذي ترك نهجا خالدا للأجيال لإدامة النضال لأجل الحرية والديمقراطية والسلام، حيث توفي و دفن في أراضي كردستان إيران نظرا للظروف السائدة آنذاك في العراق، شاركت الآلاف من أبناء الشعب الكردي بالمهجر فى تشييعه بجنازة تاريخية مهيبة، وبعد الانتفاضة الربيعية عام 1991 تم نقل رفاته و نجله الخالد إدريس إلى أراضي كردستان وسط استقبال مهيب من أبناء الإقليم، عبر مسيرة امتدت من الحدود الإيرانية إلى مسقط رأسه في بارزان، حيث مئات الكيلومترات تحدها أجساد ملايين البشر على طول الطرق وامتداداتها.
إن التاريخ تتسع صفحاته للزعماء الوطنيين ولا تبخل سطوره على القادة العظماء بتخليد وذكر منجزاتهم وتضحياتهم لأوطانهم وشعوبهم، فما بالنا وقد انتصروا لقيم إنسانية تجمعهم وشعوب أخرى تدافع عن الحق والعدل والكرامة والعيش والسلام، وما بالنا وقد عاشوا أوفياء وماتوا زاهدين؟ هنيئا لتاريخ مصر وأنصار قضية القومية العادلة سيرة زعيم بحجم وقيمة الراحل الخالد جمال عبد الناصر، دامت سيرته عطرة كمسيرته.