السبت 4 مايو 2024

المجاعة في أفريقيا والمساعدات الأوروبية (من زيته أسقيله)

مقالات29-9-2023 | 15:01

أظن أن الكثير منا يقف حائرًا أمام اللغز المؤلم؛ فبينما تعاني شعوب أفريقيا من الفقر الذي يصل حد الجوع، فإن القارة السمراء غنية حد التخمة بالموارد الطبيعية من نفط وغاز طبيعي ومعادن فضلا عن المياه والأراضي الصالحة للزراعة والغابات والحياة البرية والثروة الحيوانية .

 

 و مشاعري بالحزن و الألم الذي يعتصر قلبي كلما رأيت طفلا في أفريقيا بلا أكل و لا ماء نظيف وبوزنه النحيل و سعادته إذا قدمت له قطعة خبز، يحرق قلبي و يذكرني بالمبذرين الذين يرمون الطعام متناسين وجوه هؤلاء الأطفال الأفارقة المساكين، إضافة إلى تهكمي على من سرق ثروات هذه البلاد وهؤلاء الأطفال وبكل وقاحة يرسلون لهم فتات المعونات التي هي أساسا من أموالهم وثرواتهم.

 

وكم نتألم ونحزن للمشاهد التي تأتينا من أفريقيا حيث الأطفال التي لا يغطي جسدها النحيل سوى أسمال بالية، ووجوهم شاحبة من سوء التغذية، وكيف يتهافتون على المعونات البائسة التي تقدمها لهم المؤسسات الدولية ذات العلاقة بالطفولة أو الصحة أو الغذاء .

 

 إن القارة الأفريقية غنية بالموارد الطبيعية، ولكنها فقيرة في الموارد البشرية المؤهلة لوضع الخطط للاستفادة من تلك الموارد، حيث عملت الدول الأوربية التي استعمرت الدول الافريقية على أن تظل الدول الأفريقية ترزح تحت وطأة الجهل والمرض ومن ثم الفقر، حتى يتسنى لتلك الدول أن تستنزف ثروات الدول الافريقية، وتحولها الى صناعات فتضاعف من ثرواتها بينما تبقى أفريقيا تعاني الفقر والمرض والجوع.

 

تضخم ثروات الغرب المبنية على تعب عمالة الأفارقة و ثروات أرضهم يقابله فقر مدقع وشعوب تعاني من الجهل والفقر والمرض، كل ذلك يجري أمام أنظار العالم الذي لا يرف لهم جفن، فقط نفر قليل من أبناء الغرب ذوي القلوب الرحيمة يرفضون ذلك ويبذلون جهودا لمحاولة علاج هذا الخلل ولكنه يظل محدود الفعل والأثر.

 

 

لقد شهدت إفريقيا العديد من موجات المجاعة في العقدين الأخرين فقط، والمجاعة هنا تعني نقص حاد في الغذاء يفضي إلى موت جماعي، أسوء تلك المجاعات كانتا مجاعة القرن الأفريقي عام 2011، ومجاعة جنوب السودان عام 2017 ، وبين التاريخين عدد من المجاعات المحدودة.

والمجاعة في الغالب تحدث بسبب الجفاف أو الفيضانات، وأحيانا تكون الصراعات المسلحة سببا في حدوث المجاعة، وكذلك الفساد الحكومي أو فشل الاداء الحكومي.

 

ما هي أسباب المجاعة في أفريقيا، و ماهي عواقبها، ما الاستجابات الدولية. وما الذي يمكن القيام به لمنع المجاعات في المستقبل في هذه القارة المنهوبة.

هناك العديد من الأسباب التي تساهم في الفقر في إفريقيا، بما في ذلك.

1-النزاعات المسلحة حيث شهدت إفريقيا العديد من النزاعات المسلحة على مر السنين، والتي أدت إلى تدمير البنية التحتية، وتشريد السكان، وإعاقة التنمية الاقتصادية.

2-سوء الأداء الحكومي حيث تعاني العديد من البلدان الأفريقية من سوء الأداء الحكومي، والفساد المستشري في الجهاز الاداري الحكومي، وعدم الاستقرار السياسي، فضلا عن الديون التي تثقل كاهل الحكومة وهذا يجعل من الصعب على الحكومات تحديث البنية التحتية وتقديم الخدمات الأساسية لشعبها، مثل التعليم والرعاية الصحية.

3-أزمة المناخ التي تتهدد العالم، تطال القارة الافريقية بشكل أكثر عنفا، حيث تؤدي الى اتساع مساحات الجفاف، والفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر. وهذا يهدد سبل عيش الملايين من الأفارقة، ويزيد من خطر المجاعة.

4-ارتفاع معدلات النمو السكاني بدرجة لا تتناسب مع النمو الاقتصادي السريع، ما يؤدي الى الضغط على الموارد الطبيعية، ويجعل من الصعب على الحكومات توفير الخدمات الأساسية لشعبها.

 

إن القضاء على الفقر في افريقيا معضلة كبيرة تتطلب معالجة الأسباب المؤدية اليه من خلال الاستثمار في التنمية الاقتصادية، وتعزيز الحكم الرشيد، وحماية البيئة، وتمكين المرأة والشباب.

 

إن أحد الاسباب الرئيسية للفقر في افريقيا ترجع الى أن العديد من الجهات التي تسرق ثروات إفريقيا، منها:

 

* الشركات متعددة الجنسيات التي تستغل العديد منها موارد القارة الإفريقية، دون أن تقوم بأي استثمارات في القارة أو تطوير البنية التحتية، فعلى سبيل المثال، تدفع شركة شل أقل من 1% من عائداتها من النفط النيجيري إلى الحكومة النيجيرية.

* والفساد المستشري بين النخب الحاكمة في افريقيا غالبًا ما يسمح للشركات متعددة الجنسيات باستغلال موارد القارة دون مقابل للدولة، وفي هذا كشفت ويكيليكس عن وثائق تُظهر أن شركة توتال الفرنسية دفعت رشاوى في عام 2010، لمسؤولين نيجيريين للحصول على عقود نفطية ضخمة .

 

ويمكن رصد بعض الشركات المتعددة الجنسية التي تسيطر على سلسلة التوريد العالمية، حيث أنها تحتكر تجارة البن والشوكولاتة في أفريقيا، مع يجعل منها المستفيد الأكبر بل ربما الأوحد:

 

* نستله: أكبر شركة أغذية في العالم، وأكبر مشتر للكاكاو. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.

* كوكاكولا: أكبر شركة مشروبات في العالم، وأحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.

* بيبسيكو: ثاني أكبر شركة مشروبات في العالم، وهي أيضًا أحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.

* مارس: أكبر شركة حلويات في العالم، وهي أيضًا أحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.

* مونديليز إنترناشونال: ثاني أكبر شركة حلويات في العالم، وهي أيضًا أحد أكبر مشتري الكاكاو في العالم. كما أنها تمتلك حصة كبيرة في سوق القهوة العالمي.

 

هذه الشركات تحقق أرباحًا طائلة من تجارة البن والشوكولاتة، بينما لا يستفيد المزارعون الأفارقة إلا بالنذر القليل، غالبًا ما يعيش مزارعو الكاكاو والبن في فقر مدقع، ولا يحصلون على أجور عادلة مقابل عملهم.

 

هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان حصول المزارعين الأفارقة على حصة عادلة من تجارة البن والشوكولاتة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة الشفافية في سلسلة التوريد، ودفع أجور عادلة للمزارعين، ودعم الزراعة المستدامة.

 

استغلت فرنسا موارد إفريقيا الطبيعية خلال فترة الاستعمار. وقد أدى هذا إلى إفقار العديد من البلدان الأفريقية وإعاقتها عن تحقيق التنمية الاقتصادية. على سبيل المثال، استغلت فرنسا مناجم الذهب والماس في الكونغو البلجيكية، مما أدى إلى مقتل وإصابة الملايين من العمال الأفارقة. كما استغلت فرنسا الأراضي الزراعية الخصبة في شمال إفريقيا لإنتاج المحاصيل للتصدير، مما أدى إلى إفقار المزارعين الأفارقة.

إن الدول الأفريقية تمتلك موارد اقتصادية هائلة، وبالرغم من ذلك فإن معظمها يعتمد في إدارة اقتصاده على المساعدات والمنح الأجنبية. 

 

والمثير للاندهاش أنه رغم حصول بعض هذه الدول على مساعدات دولية بلغت عدة مليارات ، إلا أنها لم توظفها في إقامة بنية اقتصادية، واختار حكامها استمرار التبعية الاقتصادية للمستعمر بالرغم من تحررها منذ ما يقرب من نصف قرن.

 

وبالرغم؛ مما تملكه من موارد طبيعية تجعلها من أغنى قارات العالم، إلا أنها فشلت في إقامة بينة تحتية لمشروعاتها الاقتصادية، ومن ثم ظلت عاجزة عن توصيل سلعها الغذائية إلى الأسواق العالمية وتحقيق المنافسة، ساهم ذلك عدم الاستقرار السياسي والأمني الناتجة عن النزاعات العرقية والدينية، والحروب الأهلية.

 

إن القارة السمراء تمتلك من الموارد الطبيعية؛ مما يجعلها أقدر على المنافسة العالمية، حيث تشكل مواردها نحو 33% من إجمالي الموارد في العالم، وهي منتج رئيسي لأكثر من 70% من المعادن الصناعية كاليورانيوم المستخدم في إنتاج الطاقة النووية، وكذلك البلاتين والنيكل والمغناطيس والعملات المعدنية والبطاريات القابلة لإعادة الشحن وخام الألمنيوم والكوبالت.

 

وتستأثر القارة الأفريقية بربع الإنتاج العالمي من الذهب والأحجار الكريمة كالألماس النفط والغاز، والفحم والقطن والكاكاو والغاز والكولتان وغيرها، ورغم ذلك، فإن شعوبها تعيش في فقر مدقع، بفعل عوامل عديدة منها النهب المنظم للثروات الذي تمارسة الدولة الاستعمارية وشركاتها المتعددة الجنسية، فضلا عن الفساد المستشري في النخب الحاكمة، والأنشطة الاقتصادية الهشة التي تفتقر إلى بيئة آمنة للعمال.

 

ولم يسمح تدني الأجور، وانخفاض إنتاجية العمال الفقراء بما فيهم العاملون في المزارع الصغيرة والاقتصاد غير المنظم، بتحقيق فائض يسمح بالادخار والاستثمار المحلي. 

ومن المثير للأسى، أن كل الكنوز الطبيعية بالقارة السمراء لا يستفيد منها سوى الشركات الأجنبية التي تقوم بالتعدين، وتستغل هذه الموارد بما فيها الأيدي العاملة الرخيصة، وما تدفعه هذه الشركات الأجنبية من رسوم التعدين يذهب إلى جيوب أقلية المسؤولين المنتفعين، وليس الشعب الجائع.

 

والتقارير الموثقة تكشف عن أن المساعدات الخارجية ساهمت بشكل كبير في انتشار الفساد، لأن هذه المساعدات تحول إلى الحكومات الأمر الذي جعل الصراع على السلطة مستمرا للفوز بكعكة هذه المساعدات، وأصبحت هذه المساعدات سببا رئيسيا للحرب الأهلية والصراع السياسي.

 

وكذلك المساعدات الإغاثية الدولية التي تقدم في فترات الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل حروب أهلية لا يستفيد منه المواطن الأفريقي إلا بالنذر اليسير، حيث تبدد معظم أموال المساعدات الإغاثية، فبحسب بعض التقديرات، فإن كل 13 دولارا يتم جمعها في الخارج لا يصل منها سوى دولار واحد فقط إلى أفريقيا، وذلك بسبب ارتفاع رواتب العاملين في ميدان المساعدات، كما أن معدات وأدوات الإغاثة يتم شراؤها من الغرب. 

 

هكذا فإن المساعدات والمنح الأجنبية للقارة الأفريقية صارت عبئا على كاهل سكانها الجوعى، ولا سبيل لاستعادة هذه القارة لعافيتها الاقتصادية وتحقيق التنمية بمعزل عن التحرر من “أفيون المساعدات الخارجية “.

 

فقد آن الأوان أن تستفيق شعوب القارة، وتدفع حكامها لتغيير سياستهم الاقتصادية بمنع تصدير المواد الخام والبحث عن مصادر لتمويل مشروعات وطنية توظف هذه الموارد وطنيا وتصديرها للخارج، بما يخلق فرص عمل وطنية.

 

وإن كان للدول الكبرى من فرص لتقديم المساعدة، فيجب أن تقتصر على تقديم العون الفني والتقني، وتدريب العمالة الأفريقية على أنماط صناعية يحتاجها السوق العالمي. ويمكن للمؤسسات الدولية مساعدة دول القارة في إدخال التقنية، وتطوير السياسات التعليمية الخاصة بالتدريب المهني للشباب العاطل عن العمل.

 

ويمكن للدول العربية النفطية المساهمة، في تحقيق التنمية الاقتصادية في أفريقيا عبر الشراكة الاقتصادية في التوسع الزراعي والصناعية، والمساهمة أيضا في إقامة البنية التحتية من طرق ونقل لتعضيد أي مشروعات صناعية يمكن تنفيذها بالشراكة الوطنية مع أبناء دول القارة السمراء. 

Dr.Randa
Dr.Radwa