الأربعاء 15 مايو 2024

لقطات من حرب أكتوبر.. لحظة العبور


نبيل شكري مصطفى

مقالات9-10-2023 | 10:36

نبيل شكرى مصطفى

لو رجعنا إلى الماضى البعيد سنجد على مر العصور تاريخاً عكسرياً مشرفاً لمعارك خاضتها مصر منذ عهد الفراعنة.
بعد أن استكملت القوات المسلحة إعادة تنظيمها واستقرت الأوضاع الدفاعية غرب القناة جاءت مرحلة الدفاع الإيجابي.
رجال الصاعقة بما قدموه من تضحيات ينطبق عليهم قوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه".
لم يكن لنا خيار فى وحدات الصاعقة إلا العمل ثم العمل فى إعداد المقاتل تدريبيا ونفسيا ومعنويا.

إلى شباب مصر حاضرها ومستقبلها أجد لزاماً على جيل سابق أن أستعيد حكم ذكرى عزيزة من أمجادنا العسكرية وهى ذكرى مضى عليها 45 عاماً هى معركة الشرف والكرامة للإنسان المصرى والمقاتل المصرى ألا وهى ذكرى معارك النصر وتحرير الأرض فى السادس من أكتوبر 73 .
لماذا تحتفل القوات المسلحة بهذه الذكرى كل عام؟
لو رجعنا إلى الماضى البعيد سنجد على مر العصور تاريخاً عكسرياً مشرفاً لمعارك خاضتها مصر منذ عهد الفراعنة وما تلاها من انتصارات فى معارك حربية ضد الهكسوس وفى مجدو وقادش وعين جالوت وبيت المقدس وانتصارات فى عهد محمد على إلى بطولات فى فلسطين عام 48 ، والتصدى للعدوان الثلاثي عام 56 ، وصولا إلى معركة التحرير فى 73 .
ولذا وجب على تذكير الجيل الحالى بأهمية هذه الذكرى لما حققته من نتائج أجملها فى الآتى:
1- تواصل الأجيال بين السابق والحالى بنقل الخبرات لأن نصر أكتوبر سيظل مصدر وكنز لا ينضب من الدروس فى أعمال القتال .
2- تذكرة الجيل الحالى وهو أصل المستقبل بأن الجيل السابق حقق لهم الفخر والعزة وسلم لهم الراية مرفوعة وأن عليهم مسئولية حمايتها .
3- إعطاء القدوة بأن الوطن قادر على اجتياز المحن والتحديات مهما بلغت صعوبتها وأن مصر لم ولن تسكت على حق يُسرق منها . 
4- إن حرب السادس من أكتوبر 73 ، كانت فى جوهرها عبور بمصر والأمة العربية إلى عصر جديد لا يقتصر فقط على تحرير الأرض وإنما يمتد إلى تعميق وتأكيد الثقة بالنفس والسير على طريق البناء والتقدم .
إدارة الصراع بعد نكسة 67
لقد كان الصراع طويلاً وشرسا لمدة 6 سنوات إلى أن تحقق النصر فى السادس من أكتوبر 73، على المستوى الشعبي والعسكري حيث بدأها الشعب المصري بالتوحد والصمود عندما وقف على قلب رجل واحد خلف الرئيس جمال عبد الناصر يدعمه ويمنحه الثقة لاسترداد الكرامة.
ثم كانت ملحمة كبيرة فى الصمود العسكرى بدأتها وحدات الصاعقة بمعركة رأس العش فى أول يوليو 67 ، أذاقت فيها العدو الإسرائيلى الذى حاول التقدم شمالاً فى القنطرة للاستيلاء على بورفؤاد شرق بورسعيد مرارة الهزيمة وأظهرت عزم الرجال وحرمته من تحقيق هدفه ولقد كان لهذه المعركة أثر معنوي إيجابي كبير على المستوى الشعبي والعسكرى.
ثم كانت المعركة البحرية فى أكتوبر 67 ، التى أغرقت فيها القوات البحرية المدمرة إيلات فازدادت الثقة والروح المعنوية داخل القوات المسلحة .
وبعد أن استكملت القوات المسلحة إعادة تنظيمها واستقرت الأوضاع الدفاعية غرب القناة جاءت مرحلة مهمة من مراحل الصراع وهى مرحلة الدفاع الإيجابي، وحرب الاستنزاف لإحداث أكبر خسائر فى أسلحته ومعداته وقواته البشرية ولقد خاضت القوات المسلحة بجميع أفرعها هذه الحرب وشاركت قوات الصاعقة بعمليات استطلاع وأعمال قتالية ضد العدو الإسرائيلى شرق القناة فيما يزيد عن 40 عملية وكانت من أبرز عمليات الصاعقة فى هذه الفترة العمليات الآتية :
- الإغارة على النقطة القوية فى لسان بورتوفيق.
- الإغارة على موقع للعدو شرق القناة وأسر أحد أفراده.
- كمين السبت الحزين الذى أحدث خسائر جسيمة فى معدات العدو وقوته البشرية وترك ردود فعل سلبية لدى إسرائيل.
- معركة شدوان
لقد سقط لنا شهداء وجرحى فى جميع مراحل الصراع السابقة مضحين بأرواحهم ليؤكدوا أن الدم الذى بذل ما هو إلا قربانا لهذا الوطن استعدادا لمرحلة التحرير الكبرى فى السادس من أكتوبر 73.
مرحلة الحسم العسكرى أكتوبر 73
ثم جاءت لحظة الحسم فى الساعة الثانية من 6 أكتوبر معركة شاركت فيها جميع أفرع القوات المسلحة فى تنسيق وتناغم يدل على عبقرية التخطيط وجسارة التنفيذ.
 ولم تكن قوات الصاعقة بغائب عن هذة الملحمة الكبرى بل شاركت بفاعلية وكانت أعمال قتالها سواء فى العمق القريب (التكنيكى) أو العمق البعيد (التعبوي)، وفى جنوب سينا ذات تأثير فعال ومؤثر كالآتى:
فقد قاتلت وحدات المجموعة 129 صاعقة والمجموعة 127 صاعقة فى الجيشين الثانى والثالث احتياطيات العدو القريبة ومنعها من التدخل فى عملية عبور التشكيلات البرية وكبدت العدو خسائر جسيمة فى معداته وأفراده. كما تم إبراز جوى شرق القناة بحوالى 50 كم لكتيبة فى المجموعة 139 صاعقة وكتيبة فى المجموعة 145 صاعقة على المحور الشمالى والمحور الأوسط ومضيق سدر لقتال احتياطى العدو البعيد (التعبوى) وعرقلة تقدمه لمنعه من توجيه الضربات المضادة ضد رؤوس الكبارى للتشكيلات البرية شرق القناة وفى جنوب سيناء تم إبراز جوى لعناصر من الكتيبة 83، الكتيبة 153 على وحدات أيام 6،8،11 أكتوبر بغرض تشتيت جهود العدو فى جنوب سيناء وحرمانه من التدخل فى معركة رؤوس الكباري للتشكيلات البرية.
 وعندما نجح العدو فى العبور غرباً فى ثغرة الدفروسوار وحاول التقدم شمالا لاحتلال الإسماعيلية وتطويق الجيش الثانى تصدت عناصر من مجموعة 129 صاعقة بالإضافة إلى جميع كتائب المجموعة 139 صاعقة ودارت معارك عنيفة وصلت إلى حد القتال المتلاحم وتم دحر العدو وفشل فى تحقيق هدفه بعد أن تكبد خسائر جسيمة فى معداته وأفراده عند قرية أبو عطوة جنوب الإسماعيلية.
إن رجال الصاعقة بما قدموه من تضحيات وهم يؤمنون بشعارهم التضحية، الفداء، المجد، إنما ينطبق عليهم قوله تعالى "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" (صدق الله العظيم)
وإننى أحذر من أن يعتقد البعض أن الدم والتضحيات التى بُذلت قد أصبحت جزءا من الماضى لأن هذا تصور ساذج لأن الدفاع عن الوطن ضد أعدائه لن يتوقف وما يحدث فى سيناء حاليا فى محاربة الإرهاب لهو دليل قاطع على أننا مستهدفين خارجيا وداخليا وأن السلام والاستقرار لن يتحقق بغير قوة شعبية وعسكرية تحميه.
خواطر ومشاعر قائد
1-  إثر نكسة 67، وهزيمة القوات المسلحة انتابنى شعور بالحزن والخزى لما حدث للوطن شأنى شأن كل مواطن عاش هذه الذكرى المؤلمة فما بالك وقد كنت أحد أفراد القوات المسلحة التى نسب إليها التقصير والسبب فى الهزيمة وكان أكثر ما يحز فى نفسي ما كنت أسمعه من همز ولمز من كثير من المواطنين ضد القوات المسلحة .
2- وعندما نجحت عناصر من الكتيبة 43 صاعقة والكتيبة 103 صاعقة فى تدمير العدو فى معركة رأس العش حمدت الله وكنت فى هذا التوقيت أشغل وظيفة رئيس أركان القوات الخاصة مع اللواء سعدالدين الشاذلى قائد القوات الخاصة ، وازداد إيماني بقدرة رجالنا على تحقيق المستحيل خصوصا بعد معارك الاستنزاف وارتفاع معنوية جنودنا. 
3-  وفى فترة الاستعداد والتخطيط للعملية الهجومية الاستراتيجية والدور الذى أوكل لوحدات الصاعقة القيام به كنت أشعر بعظم المسئولية الملقاة على عاتق قوات الصاعقة رغم تفاوت التسليح (الفرد ضد الدبابة).
ولم يكن لنا خيار فى وحدات الصاعقة إلا العمل ثم العمل ثم العمل فى إعداد المقاتل تدريبيا ونفسيا ومعنويا مما استلزم منى ومن جميع القادة جهداً خارقاً.
4- وعندما بدأت أعمال القتال يوم السادس من أكتوبر 73، كانت تتناب الإنسان مشاعر متباينة بين الفرح والحزن فى اليوم الواحد أكثر من مرة فعندما ننجح فى تحقيق مهمة أشعر بسعادة وأن الله يؤيدنا بنصره نظير إخلاصنا فى عملنا وفى نفس الوقت أشعر بالحزن لكل من يسقط شهيداً أو مصاباً إنها مشاعر متباينة ولكنها ضريبة كان علينا أداؤها لنصرة الله والوطن.
5-  ولا أنسى أيضاً الضغوط النفسية الهائلة التى كنت أعانيها عندما تم إيراد كتيبة  143 صاعقة فى مضيق سدر الجبلى ولم نتمكن من إمدادها باحتياجاتها من مواد الإعاشة والذخيرة لفترات طويلة ومما يشعر الإنسان بالفخر بهؤلاء المقاتلين الذين ظلوا فى تنفيذها بنجاح لمدة 13 يوما، وكانت سعادتى لا توصف عندما تم إعادتهم إلى قواعدهم وهكذا يكون معدن مقاتل الصاعقة. 
6-  كما لا أنسى الضغوط النفسية وقمة الحزن عندما لم نتمكن من إعادة العناصر التى تم إيرادها جوا فى جنوب سيناء حيث إنها انتشرت فى أماكن متفرقة مما أوجد صعوبة بالغة فى إعادتها وكم كانت سعادتى بعودة بعض هذه العناصر سيرا على الأقدام بعد 6 أشهر من إيقاف أعمال القتال.
7- حقا إنها الحرب بتطوراتها وتقلباتها المختلفة بين ما تحمله من انتصارات وانكسارات، ولك أن تتصور كيف يعانى القائد أو من يتحمل مسئولية الآخرين من مشاعر متباينة فرحاً وحزناً 
حمى الله الوطن والجيش

Dr.Radwa
Egypt Air