يمثل الأزهر الشريف أحد أهم القوى الناعمة لمصر في الداخل والخارج وركن ركين من أركان الدولة المصرية الشامخة على مر العصور وعماد أساسي في التهيئة النفسية والمعنوية مع حراسة العقيدة والدين، بل وعامل من أهم عوامل الحفاظ على الهوية الوطنية والتماسك المجتمعي، هو المجدد للخطاب الديني وصوت الأمل في المحن والملمات والوطني الفريد المدافع عن تراب وطنه وصخرة الصد وحائطه الذي عليه تنكسر نصال الأعداء والصرخة المدوية في الشدائد والمحرك المعنوي في النزال والحروب.
ولا تزال صورة رجال الأزهر وشيوخه وعلمائه ماثلة للعيان ونحن نتذاكر صورة مشرفة من صور الوطن المجيدة التي تعيدنا إلى شموخ الجندي المصري وتأكيد رسالته وبراعته وتفوقه مع دقة إعداده وقوة اعتقاده مما يجعلنا ندرك رصيد الجامع الثالث والمدرسة العلمية الأولى لقوى الدولة المصرية الشاملة.
ولا يستطيع أحد الإنكار أن نصر أكتوبر العظيم كان وسيظل ملحمة عسكرية عظيمة سطرها الجيش المصري برجاله البواسل الأبطال، وذلك باقتحامه لخط بارليف وتحطيم الهالة الصهيونية المزعومة والتي روجوا من خلالها أنه الجيش الذي لا يقهر.
لذا كان الأزهر ورجاله حاضرين لمشهد الإعداد والاستعداد منذ اللحظة الأولى لحرب الاستنزاف بل ونزلوا مع الجنود ساحة القتال لتثبيتهم معنويًا وكانوا يرافقونهم في الخنادق والتحصينات ويتقدمون إلى خطوط القتال الأولى، وكانت الكلمات التي سطرها الشيخ الأكبر حسن المأمون في زيارته للجبهة 1968 عاملًا مؤثرًا ودافعًا معنويًا للجنود ولمن جاء من بعده في سدة الإمامة الكبرى للأزهر الشريف.
ومع ظروفه الصحية، إلا أنه آثر أن يلتقي بالجنود والضباط ويبث فيهم قيمة ما هم فيه من بطولة وشرف واصطفاء واستبسال تجعلهم أهلًا لهذه المكانة، قائلًا فيهم "لعلي أغبر قدمي في سبيل الله قبل أن ألقى ربي.. وأعيش هذه اللحظات بين الصادقين والمجاهدين في الجبهة". ولم يقف الدور عند هذا الحد بل كان لابد من شحذ همم الشعب كله للوقوف خلف جنوده البواسل في معركة العزة والكرامة، لذا ألف كتابًا عن الجهاد في الإسلام هدف من خلاله إلى تأهيل المجتمع لمعركة التحرير والعبور العظيم، كما أصدر فتواه الشهيرة "أن المعركة ليست معركة مصر وحدها، وتعاون المسلم مع الأعداء خيانة عظمى في الإسلام والخيانة من أشد الجرائم وعقوبتها من أشد العقوبات في الشريعة الإسلامية".
وكانت الأمنية الصادقة للشيخ الفحام الذي تولى المشيخة الأزهرية بعد الشيخ حسن المأمون كانت موضع استجابة من الله إذ كان يعتبر نفسه أحد جنود المعركة في ساحة القتال ويدعو لزيارة الجبهة وشحذ الهمم المعنوية للجنود والضباط على السواء وكتب الله له الصلاة في عمق سيناء بعد العبور العظيم مع لفيف مع رجالات الأزهر وكبار قادة الجيش الثالث.
ثم جاء الشيخ الصوفي الزاهد والإمام الأكبر عبد الحليم محمود الذي قال هذه الكلمات المؤثرة للرئيس السادات مبشرًا إياه بالنصر والعبور العظيم والتي كان لها وقع كبير في نفوس الجنود والضباط على السواء لأن النصر لا يكون بقوة السلاح فقط، بل بقوة الإيمان والمعتقد فنحن لا نحارب بما في أيدينا وإنما بما في قلوبنا وكأنى به يتذاكر مع الجنود كلمات الصحابي الجليل "البراء بن مالك" رضي الله عنه لما قال لجموع الصحابة قبيل المعركة: "لا تفكروا بالعودة إلى المدينة فلا مدينة لكم بعد اليوم وإنما الله ورسوله أو الجنة". بل وألقى خطبة على منبر الجامع الأزهر مخاطبًا الحكام والجماهير مبينًا أن الحرب مع إسرائيل حرب في سبيل الله، من مات فيها مات شهيدًا ومن عاش عاش مجيدًا ومن تخلف عنها ثم مات فإنما يموت على شعبة من شعب النفاق.
وتلاقت كل هذه المجهودات الدعوية والتهيئة النفسية والمعنوية مع الدور الكبير الذي قام به إمام الدعاة الشيخ الشعراوي – رحمه الله حيث كان يذهب إلى الجنود في مواقعهم ويلتقي بهم ويلقي عليهم من علمه ما يؤكد لهم فضل الجهاد والانتصار لدين الله والوطن قائلًا لهم: "فمما أسعدني بهذا اللقاء أسعد به سعادة تستشعر به ثمرات ذلك اللقاء، إننا جميعًا جنود الحق، أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان، فالجهاد في سبيل الله مبدأ من مبادئ الإسلام الأصيلة والغيرة على القيم هي الأصل الأصيل في الإسلام".
وهذه عادة الأزهر ورجاله مع جيش مصر الأبي وجنوده الأبطال ضد الغزاة على مر التاريخ وسيظل الأزهر في كل ميادين الجهاد ينشر الوعي ويصحح المفاهيم ويحارب التطرف بكل أنواعه، يدافع عن الأمة، ويزود عن ترابها ويحمي نسيجها ويقوي تماسكها، ويعلي من هممها ومعنوياتها، ويصك لها شعارات الخلود والوجود، لذا كان شعار الجنود في حرب أكتوبر "الله أكبر الله أكبر" الهمم عالية والتهيئة متدفقة والنسيج واحد، وكلمات الأزهر ورجاله حاضرة أمام الجميع حتى تحقق النصر المجيد وعبر الجنود مسيحيون ومسلمون وهم يصيحون بصوت واحد قائلين الله أكبر الله أكبر.