السبت 4 مايو 2024

خط بارليف من البداية إلى النهاية


خط برليف

مقالات9-10-2023 | 11:00

د/ عبدالرحمن زكى

- أدرك العرب أينما جاهدوا، فائدة الحصون والقلاع، فشيدوا كثيرا منها في الأماكن المهمة 
- تألف خط بارليف هذا من قرابة خمسة وثلاثين موقعا حصينا ممتدة على طول الضفة الشرقية للقناة
- تسليح الموقع قوى ومنيع فيه من أنواع المدفعية ما توجه فوهاتها إلى غرب القناة وفيه مخازن للذخيرة وملاجئ للدبابات
- جميع مواقع خط بارليف جهزت بوسائل الوقاية من الحرب الكيميائية، وأحيطت بحقول الألغام المضادة لأثقل الدبابات
- استطاع جنودنا الشجعان تسلق الساتر الترابي العالي واقتحام دفاعات العدو الحصينة قبل مرور ساعتين فقط
-كفى مقاتلونا الأبطال فخرا، أنهم حطموا أسطورة إسرائيل التي زعموا أنها لا تقهر وكان أول ما حطموه خط بارليف المنيع 
تطورت أساليب التحصينات وبناء القلاع منذ قرون ويحتمل أن يكون نهوضها المبكر قد تم بفضل عبقرية الرومان والبيزنطيين والعرب من بعدهم ولا شك أن مراحل تطور الحصون سارت في محاذاة تقدم أنواع السلاح والعتاد الحربي حتى بلغت ذروتها المعمارية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بعد أن اكتشف البارود وأصبحت له طاقة مدمرة يعمل حسابها ذلك الحين، لحق ببناء الحصون أساليب جديدة بلغت ذروتها في القرن الثامن عشر قبل كشف المتفجرات التي استحدثت في القرنين الأخيرين، ومنها على سبيل المثال : قطن البارود ( ١٨٤٧ ) والنتروجلسرين ( ١٨٦5 ) والديناميت ( ١٨٦٦ ) . والبالستيت ( ۱۸۸۸ )وبالرغم من تطور المفرقعات المدمرة فقد لعبت الحصون أثناء الحـــرب العالمية الأولى ( ١٩١٤ - ١٩١٨ ) دورا هاما في كبح تقدم الجحافل الألمانية ضد فرنسا بعد مرحلة التقدم الألماني السريع خلال الأعوام ١٩1٤- ١٩١٦ - ويرجع ذلك إلى ما أقامه الفرنسيون من التحصينات القوية في المواقع الاستراتيجية في " فردون " و  بيلف ورت ، و و دوامونت . . ومن المحتمل أنه كان للدور الهام الذي قاومت تلك الحصون هجمات الألمان عدة سنوات ذلك التأثير الكبير الذي جعـل رجال القيادة العليا الفرنسية يقدرون أهمية الدفاعات الثابتة فأقاموا خط الدفاع المنيع المشهور بخط - ماجينو ، في ألمانيا الثلاثينات من هذا القرن أو بالتحديد أثناء الحرب العالمية الثانية ( ١٩٣٩ - ١٩٤٥ ) ، بيد أن الفرنسيين في الوقت نفسه لم يعطوا الاهتمام إلى ما استحدثه الألمان في أساليب القتال والاعتماد على سرعة المناورة والحركة بوساطة الدبابات المدرعة التي تعتمد الى حد كبير على المدفعية الطائرة أى قاذفات القنابل.

 معارك الحصون بين العرب والصليبيين 

أدرك العرب أينما جاهدوا، فائدة الحصون والقلاع، فشيدوا كثيرا منها في الأماكن الهامة ٠٠ في أقصى شمال بلاد الرافدين على الشام، وعلى سواحله المطلة على البحر المتوسط. بل وامتداد تلك السواحل في شمال القارة الإفريقية، وما زالت أطلال هذه الحصون شامخة إلى يومنا هذا تروى أحداث الجهاد والبطولة في الشام.
 تتناثر الحصون والقلاع بشكل يدعو إلى الدهشة، وكثير منها شيد على أيام الحروب الصليبية وما قبلها، بين جزيرة فرعون في شمال خليج العقبة،  وسلسلة جبال أمانوس في شمال سوريا. ومع أن بعض تلك الحصون قد شيد على بقايا قلاع الرومان والبيزنطينيين والعرب قبل الغرو الصليبي بمئات السنين، فإن ما بنى منها أثناء الحروب الطويلة في جبهات المسلمين والفرنج زاد على ما شاهدته تلك البقاع من قبل، سواء في ضخامة العدد أو من ناحية الأسلوب المعماري. شيد العرب والصليبيون عشرات القلاع، فهم لم يتركوا مضيقا أو سفح جبل يشرف على واد أو نهر دون أن يبنوا قلعة تشرف على هذا أو ذاك ولم يتركوا مدينة دون أن يشيدوا في خارجها، أو على الجبل الذي يشرف عليها حصنا منيعا .. لقد غصت سوريا وفلسطين و شرق نهر الأردن، في الصحراء الجرداء بعشرات الحصون التي اتسمت جميعها بروح الابتكار والانسجام مع شكل أرض البلاد، ولقد تمكن المحاربون أن يؤلفوا من الحجارة تاريخا للعمارة الحربية في القرون الوسطى، وتاريخا حربيا أيضا ولو أنك أيها القارئ الكريم قمت بجولة لزيارة تلك الحصون التاريخية من شمال سوريا إلى أقصى النقب جنوبا ومن الشرق عند الفرات إلى ساحل البحر الأبيض لأدركت فى الحال ذلك الدور الهام الذي نهضت به تلك الحصون والتي نشبت فوق أرضها أعنف المعارك بين الشرق والغرب والشاطئ السوري اللبناني منذ القدم وقبل أن يجيء الصــليبيون بل يتمتع بمواقع استراتيجية ممتازة استرعت انتباه الحربيين، فإن الجغرافى الرحالة الأدريسي المغربي ( ت ١1٦٦ م ) لما زار تلك البلاد قبل أيام الصليبيين، ذكر ثلاث قلاع
بين ميداء وبيروت، وست عشرة قلعة بين بيروت واللاذقية في الشمال:
كان أول الحصون التي أقامها الصليبيون في سوريا حصن صافينا وهو يعرف أيضا بالحصن الأبيض أقاموه سنة ١١٠٢ م من أجل السيطرة على مخاضة نهر الأردن في أقصى شمال سوريا، ثم شيدوا قلعة تورون عام ١١٠٧، ثم قلعة الشقيف أقوى الحصون السبعة التي بنيت لحراسة حركة الحج بين يافا وبيت المقدس. وقلعة الحبيس جالدق ذلك المعقل لمراقبة نهر اليرموك وقلعة الشـــــــــــــوبك " مونتريال " التي شيدت حوالي عام 1115 ، جنوب البحر الميت لتهديد المواصلات الصحراوية بين مصر ودمشق، وقلعة سكانا ليون (١١١٦م) جنوب صور وأخيرا قلعة فرعون التي تشرف على شمال خليج العقبة وفى مرحلة ثانية شــــــــــيد الصليبيون قلعة الصليبية فوق جبل الشيخ، وذلك من أجل ســـــــــد الطريق بين دمشق وأعالي نهر الأردن وفيما بين عامى ١١٣٧ و ١١٤٢م شيدوا حلقة قوية من الحصون في الجنوب الغربي من عسقلان تضم حصن الحارس الأبيض دارلين وبيت جبلين، ثم بنوا أيضا قدمة شقيف أرغول ، ( بوفورت ) المنيعة على أحد الجبال المشرفة على نهر الليتاني. ١١٤٣ وبعد أربع سنوات شيد الصليبيون قلعة كرك مراب  ١١٤٠، شرق البحر الميت وتمتاز بموقعها العسكري شيدوا فيما بعد قلعة بلغوار المعروفة باسم كوكب الهواء.
حصن الفرسان والظاهر بيبرس 
وفى إحدى فترات الضعف استولى الصليبيون على حصـــــــــــن الفرسان المنيع ( ١١٠٩ م ) ثم أخذ  فرسان القديس يوحنا على عاتقهم " ١١٤٢ م " الدفاع عنه ومن ثم عملوا على دعم تحصينه فأضافوا إليه الأسوار الخارجية وعدة أبراج - وفى تلك الأثناء حاول كل من السلطان  نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي الاستيلاء عليه ولكنهما لم ينجحا وكان لهؤلاء في الحصن حامية قوامها ألفا رجل فتمكنوا من إجبار أمراء حمص وحماة على دفع الجزية مقابل. السماح لهم بمرور قوافلهم ولما أقبل عصر السلاطين المماليك، عقد السلطان الظاهر بيبرس العزم على الاستيلاء على هذا الحصن  وكان عازما على تحرير الشام من الصليبيين الغزاة وتمكن السلطان الشجاع أن يحاصر الحصن وهو على رأس فرسانه الأشداء لما حكموا الحصار جيدا وجعلوا الإقامة في الحصن أمرا لا يطاق وفى يوم ١٩ رجب عام ٦٦٩ هــ " ۳ مارس ۱۲۷۱" هجم الظاهـر بييرس على الأبراج الخارجية بقوة وعنف حتى أفلحوا في فتح ثغرة في السور، واستولوا على برج المدخل وفى الخامس عشر من مارس استولى المصريون على البرج الثاني اقتحم بيبرس في التاسع والعشرين من ذلك الشهر طريقه إلى ساحة الحصن، وأقام فيها المجانيق لمهاجمة البرج الكبير، واستطاع في الثامن من أبريل ۱۲۷۱ ، أن يجبر المحاصرين على التسليم ومن ثم سمح لهم بالتوجه إلى مدينة طرابلس.
 أما السلطان فقد مكث فيها بعض الوقت ليباشر شخصيا إعادة تعميرها بعدما أصابها من الخراب 
 وعلى جدران الحصن نقوش عربية كثيرة تشهد بما مر بها من الأحداث الهامة، ونقرأ منها : « بسم الله..أمر بتجديد هذا الحصن المبارك في دولة مولانا السلطان الله الظاهر العالم العادل المجاهد المرابط المؤيد المظفر المنصور ركن الدنيا والدين بيبرس قسيم أمير المؤمنين، وذلك بتاريخ نهار يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شعبان سنة تسع وستين وستمائة.
معركة تحرير عكا وخليل بن قلاوون 690ه- ۱۸ مایو ۱2۹۱ 
 تلك هي نهاية مرحلة الحروب الصليبية فى الشام، ففى الخامس من أبريل ۱۲۹۱ وصل السلطان خليل بن قلاوون إلى عكا على رأس قواته من المصريين وفرض حصاره عليها وبدأ رجاله فى غرب أسوارها بالمجانيق وكان الصليبيون قد حشدوا جيوشهم وبحارتهم للنفاع عن الثغر والحصن وبعد أن وصل إليها همفرى الثانى ملك قبرص على رأس فرسانه.
اشتدت هجمات المسلمين على عكا يوم ۱۸ مايو ونجحوا في اقتحام بعض أجزاء الأسوار رغم دفاع المقاومين وأدرك الصليبيون أن لا مفر من هزيمتهم، فهرعوا إلى سفنهم هاربين للنجاة بأرواحهم بعد ما تحملوه طوال مدة الحصار وأخيرا سقطت عكا في أيدى الجنود المصريين، وسرعان ما احتل عكا المماليك قلعة صور دون مقاومة " ١٩ مايو " ثم صيدا وخربوا قلعتها " ١٤ يوليو ۱2۹۱ " ثم حيفا.
 حصون عكا تستسلم مرة ثانية للمصريين البواسل ( ۱۸۳۲ )
قهرت حصون عكا المنيعة نابليون القائد الفرنسي الفذ حينها حاصرها برا بقواته وبحرا بأسطوله فقد استطاع حاكمها الجزار باشا وبمعاونة السفن البريطانية المعقودة اللواء للسير سيدني معيث أن يصمد في الدفاع عن عكا قرابة ستين يوما وعند ذلك اضطر نابليـــــــــون إلى الانسحاب بعد أن أخذ الطاعون يفتك بجيشه وما زالت لوحات المقابر على جبل الكرمل تحمل أسماء الضحايا الفرنسيين.
كانت عكا محصنة بأسوار منيعة وتحميها عدة أبراج من الشرق والشمال. أما من جهة البحر فكانت الأسوار أقل متانة من الأسوار القائمة من جهة البر وكانت جميع الحصون في حالة جيدة وقد تألفت لحماية عكا ( المدينة والقلعة  من قرابة ثلاثة آلاف مقاتل ومعهم مدفعية قوية وكميات وفيرة من الذخيرة والمؤن والطعام والمياه تكفى الحامية للحصار طويل وفى يوم ٢٦ نوفمبر ۱۸۳۱، استهل القائد المصرى إبراهيم حصار عكا، فاستبسلت حاميتها في الدفاع عنها، وقد امتاز العكاويون ومن معهم بروح قتال وبمعنوية عالمية إلى نهاية القتال وانتصرت حامية بعض الأبراج على المصريين همس أحد بإبراهيم أن يطلق نيران مدفعيته عليها أياما لكن دون جدوى وقت تمكن المهربون بالرغم عن شدة مقاومة الحامية من فتح ثغرتين في الجهة الشرقية من السور، وأمطروا المدينة وابلا من القنابل والرصاص، برا وبحرا فخربت المدينة ومات كثيرا من رجالها، ومع ذلك واصلت الدفاع بشجاعة، وصبت المدافع المصرية النيران على أسوارها ونجحت في فتح ثلاث ثغرات دون أثر، وانقضت ثلاثة أشهر دون معارك تستحق الذكر  فارتأی القائد إبراهيم الصمود قبالتها، بينما تقدمت بعض وحداته واستولت على صور وصيداء وبيروت وطرابلس في الشمال وهكذا رأينا أن الاستيلاء على عكا لم يكن بالأمر اليسير، فهي التي صمدت أمام عبقرية نابليون ورجاله.
 مرت شهور أمام شجعان إبراهيم ولم تسقط عكا في أيديهم، ولم تكن منعتها هي الصعوبة التي قاومت قائدنا وحسب، بل كانت الخطة التي انتهجها الباب العالي مانعا . فقد كان السلطان يصب على محمد على وإبراهيم اللعنات ويسلط عليهما ميلا من فتاوى الإسلام وهذا له أثره على الروح المعنوية للمدافعين عن عكا وغيرها.
عاد إبراهيم بعد أن اطمأن للموقف العسكرى في الشمال وداخل فلسطين عاد إلى عكا في ٢٧ مايو ۱۸۳۲ ، وحمل عليها حملة صادقة أشرف عليها بنفسه، وكان يتطلب من رجاله أن يكونوا مثله صــــنادید لا يرهبون الموت وطالت المعارك ساعات، فلما أذنت الشمس بالمغيب حمل إبراهيم على المدينة حملته الأخيرة ولكن أبدى المدافعون من ضروب الجسارة والمقاومة مثلما أبدوه من ظروف سابقة. بيد أن شجاعة حاكمها عبد الله الجزار لن تغن عنه شيئا وفى المهجر ٢٧ مايو عقب شروق ، صدر أمر القائد إبراهيم بمعاودة الهجوم، ومواصلة القتال وبينما كان الليل يرخى سدوله على جدران عكا وأسوارها، سقطت المدينة البطلة في قبضة المصريين .. فقد كان نصرا عظيما من الله وانطلق الجنود فى قلب عكا فى الوقت الذي كان فيه القائد إبراهيم يستقبل عبد الله الجزار ويؤمنه على حياته. 
ومرت الأعوام بعد الاعوام .. حتى هدد مصر عدو من طراز آخر.
خط باريف الحصين 
( ٦ اكتوبر ۱۹۷۳ )
أقام الإسرائيليون في إطار خطتهم الاستراتيجية العامة، الحصون والمواقع والخطوط الدفاعية المنيعة في الأماكن الهامة بسيناء، وجعلوا منها فى الوقت نفسه مراکز حشد للرجال والعتاد يحركونها كيفما أرادوا لمقتضيات القتال . ومن أقوى وأهم تلك الخطوط الحصينة كان خط بارليف ( كان بارليف في وقت ما رئيس أركان حرب قوات العــــــــــــدو المسلحة ) . تألف خط بارليف هذا من قرابة خمسة وثلاثين موقعا حصينا تمتد حوالى ٨٠ كيلو مترا على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، من جنوب بور فؤاد شمالا حتى بلدة الشط عند مدينة بور توفيق جنوبا . وهذه المواقع الحصينة يفصلها عن مياه القناة سد ترابی مرتفع عمل العدو طويلا على مدى سنوات في زيادته والارتفاع به، وهذه المواقع المنيعة تشبه القلاع الحصينة التي تتوافر فيها كل ما يحتاج إليه المقاتل في الحرب، يمتد الموقع على مساحة تقرب من الفدان، ويشبه  مدينة صغيرة شقت تحت الأرض تربط أجزاءها ممرات مختلفة. ثم صبت جدران الأسمنت المسلح لتفصـــــــل الأجزاء المختلفة بعضها عن بعض، وغطت المساحات بسقوف مسلحة تدعمها القضبان الحديدية وتعلوها أكياس الرمل ثم يغطيها الردم الترابي من فوقها. ومن أقسام الموقع صالة طعام كبيرة، ومواقع للمراقبة مزودة بنظارات كنظارات الغواصات حيث "البرسكوب" ينقل إلى المراقب كل ما يشاهده أمامه فوق سطح الأرض. 
 وصف هذا الخط  كثير من المراسلين الحربيين والخبراء، وتحدث أكثر مراسلينا الأكفاء عن تسليح الخط : " تسليح الموقع قوى ومنيع فيه من أنواع المدفعية ما توجه فوهاتها إلى غرب القناة ومنها ما يتحرك شرقا أو غربا حسب الأحوال .. وفيه مخازن للذخيرة وملاجئ للدبابات بعيــدة عن مرمى النيران وأمامه منزلق يصل من مكمن الدبابة تحت الأرض وسطح الأرض - يشير كل شيء داخل الموقع إلى أنه أعد لأحوال الحصار الطويل الأمد، فيه ما يكفى شهورا من الذخيرة والتموين والماء . كميات من الطعام الجاف تكفى ثلاثين فرداً لمدة شهر، وأجهزة اللاسلكي والراديو وأدوات التسلية والكتب والمجلات وصناديق زجاجات المرطبات..الخ ...
إن موقع خط بارليف عبارة عن مدن محصنة صغيرة تحت الأرض تكلفت عمليات بنائها ما لا يقل عن ثلاثمائة مليون دولار، أضف اليها المعدات والأسلحة والذخائر والرادار فضلاً عن أعمال الصيانة المستمرة وتحتوى على أفران تعمل بالبوتاجاز، والحمامات ومحطات توليد الكهرباء وضخ المياه والسوائل الملتهبة..
لندخل موقعا من مواقع خط بارليف : فبعد أن نمر ببعض الدهاليز وننزل بعض الدرج، ونسير عبر بعض الممرات تصل إلى واحد من العنابر الفسيحة المعدة لنوم الأفراد بنظام وراحة، وفي أحد الأمكنة تقابلنا غرفة الطعام (الميس) الواسعة المزودة بجهاز سينما، ثم نمر بكثير من غرف المعيشة والجلوس المزودة بأجهزة الراديو وأدوات اللعب وفي مكان آخر تمر بغرفة القيادة وهى في الوقت نفسه غرفة عمليات مزودة بالتليفونات والوسائل اللاسلكية ثم المطابخ المزودة بالأفران والثـلاجات ثم المستشفى الصغير والعيادة الطبية والصيدلية .. وقد وضع ترتيب يتيح نقل الجرحى في هذه المواقع بوساطة الهليكوبتر. والجدير بالذكر أن جميع مواقع خط بارليف جهزت بوسائل الوقاية من الحرب الكيميائية، كما أحيطت بحقول الألغام المضادة لأثقل الدبابات والعربات المصفحة والأفراد ومحاطة بالأسلاك الشائكة. وبالرغم من هذه المناعة القوية استولى مقاتلونا الشجعان على مواقع خط بارليف جميعها في وقت لا يتصوره العقل وسقط معظمها بعد ساعات قليلة من بدء عمليات عبور قناة السويس.. فكيف تم لهؤلاء الشجعان ذلك؟ 
صحيح أن بعض المواقع تم اقتحامها بسرعة نادرة، بيد أن معظمها أيضا قد وقع في قبضة جنودنا فى أعقاب قتال مرير وخسائر فادحة وشجاعة فائقة ... ولنضرب مثلا ما حدث من استسلام موقع من المواقع وليكن المنقطة الحصينة التى تقع أمام لسان بورتوفيق فبعد أن عبرت الوحدة العسكرية المكلفة بعملية الاقتحام. قناة السويس وتسلقت ثم تركت المانع الترابي حاصرت الموقع نتيجة عملية تطويق محكمة، واستطاعت الوحدة أن تشل حركة العدو داخل الموقع، وتمكنت القوات المهاجمة من الخلف أن تدمر للعدو عددا من الدبابات وأبراج المدافع والمعدات الموجودة بالموقع، ويتوالى تدفق القوات إلى سيناء أصبح الموقع محاصرا تماما من شماله وجنوبه، ومن لم كان اقتحامه أمرا میسرا لشجعاننا. والجدير بالذكر أنه كان العامل السرعة والدقة في التخطيط  والتنفيذ وتنسيق العمل بين مجموعات المقاتلين وتعاونها نتائجها المباشرة في إرباك قوات العدو في المواقع وقتل فاعليتها، بل وإرغامها أيضا على الفرار أو التسليم.

الساعات الأولى من رمضان - ٦ اكتوبر ۱۹۷۳

لنتصور الساعات الأولى من معركة العبور ( الشرارة ) أو العملية الهجومية - بدر - التي استهدفت اقتحام قناة السويس والاستيلاء على رؤوس الكبارى وتعزيزها.
 بدأ القتال الساعة الثانية والدقائق الخمس بعد الظهر عبرت طائراتنا الخطوط الأمامية للعدو شرق القناة ضربة جوية مفاجئة عمادها ۲۰۰ طائرة ضد أهم أهداف العدو " مطارات ، قواعد جوية ، مواقع صواريخ ، مراكز قيادة ، محطات رادارية ، مناطق شئون إدارية بالإضافة إلى حصون بارليف شرق بور فؤاد ". وكانت ضربة جوبة موفقة. كانت مدفعيتنا الميدانية في الوقت نفسه، تزار نيرانها بشدة طول جبهة القناة ... أكثر من ألفى مدفع وهاون، بالإضافة إلى لواء صواريخ تكتيكية . ظلت نزار ٥٣ دقيقة على حصون خط بارليف المنيع ونقطه المنيعة وتجمعات دبابات العدو وتحت ستار هذه النيران المكثفة عبرت جماعات الصاعقة لتبث الألغام في مصاطب دبابات العدو لتشل حركتها بالكمائن لكي تمنعها عن التدخل في اقتحام قواتنا القناة السويس.
 وبعد ساعتين وربع بدأت الموجات الأولى لخمس فرق مشاة وقوات قطاع بورسعيد في اقتحام القناة بوساطة قرابة ألف قارب اقتحام وبعد دقائق كان الثمانية آلاف جندى قد وضعوا أقدامهم على الضفة الشرقية لقناتنا، ويصيحون بأصوات مجلجلة الله أكبر ۰۰۰ الله أكبر وأخذ هؤلاء الشجعان في تسلق الساتر الترابي العالي واقتحام دفاعات العدو الحصينة ... تم كل هذا قبل مرور ساعتين، وسرعان ما خفقت أعلام مصر الظافرة فوق سيناء فارتفع أول الأعلام في الساعة الثانية والنصف في إطار واجبات هجوم الجيش الثالث الظافر ثم في الساعة الثانية والنصف وسبع دقائق في إطار هجوم الجيش الثاني الظافر ذلك لظفر المبين طاقة معنوية ضخمة للقوات التالية فأتمت عملية العبور في زمن أقصر وفي الوقت نفسه أخذت الكتائب البرمائية فى عبور البحيرات المرة من جنوبها وبحيرة التمساح.
 وسرعان ما قامت القوات بحصار مواقع العدو ونقاطه القوية ومراكز مقاومته وأخذت في مهاجمتها وتدمير تحصيناتها فسقطت أول حصون العدو - الموقع رقم 1 في منطقة القنطرة شرق - في الساعة الثانية و ٤٦ دقيقة بعد الظهر ثم صارت الحصون تتهاوى كأوراق الشجر الواحد بعد الواحد، في الوقت الذي كانت قواتنا تصد وتدمر هجمات العدو المضادة محليا ... وحدث كل هذا في أقل من ثلاث ساعات فقط !.
نصر تام ليس له مثيل في تاريخ الشعوب العربية مجيد لمقاتلينا أحفاد أبطال معارك : حطين، وعكا، وحصن الفرسان، وعين جالوت ...
وكفى مقاتلونا الأبطال فخرا، أنهم حطموا أسطورة إسرائيل التي زعموا أنها لا تقهر - فقهروها وكان أول ما حطموه: خط بارليف المنيع ..

 

Dr.Randa
Dr.Radwa