السبت 23 نوفمبر 2024

أخبار

العمليات النفسية وتزييف الوعى السياسي

  • 9-10-2023 | 11:42

عقيد . حاتم صابر

طباعة
  • عقيد . حاتم صابر

• يختلط على البعض مفهوم العمليات النفسية مع مفهوم الحرب النفسية الذى يختلف اختلافا واضحا من حيث الأساليب والتكتيكات المستخدمة ونوعية البشر المستهدفين

• لا يمكن للعمليات النفسية ان تنجح إلا إذا كان هناك خطة للاستمرار فى حملات التشكيك الممنهجة فتجد حملات تشكيك فى مشروعات الدولة أو حملات لبث روح الإحباط  

• من الأهداف السياسية للعمليات النفسية تزييف الوعى السياسي للمواطنين مثل ما تنتهجه الدوله التركية فى تصدير صورة لمواطنيها وكذا دول الوطن العربى نحو عدائها لدولة إسرائيل  

*حرب الشائعات تعتبر إحدى أذرع العمليات النفسية الناجحة وهى الأقدم والأعلى تأثيراً فى المجتمعات

 

 

على الرغم من كون العمليات النفسية ظاهرة من ظواهر القرن العشرين والقرن الحادى والعشرين وأحد أعمدة الحروب الحديثة، إلا أنها ليست حديثة العهد كما يظن البعض، ولكن تمتد جذورها إلى أحقاب بعيدة وقديمة قدم الوجود البشرى ذاته، حيث كانت أول حملة نفسية تلك التى شنها إبليس تجاه آدم  و حواء لإقناعهما بأكل ثمار الشجرة مما تسبب فى عصيان أوامر رب العزة وعقابه لهما بالخروج من الجنة  

 

" وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ" (البقرة 35) أي أن الشيطان هو من أسس لمفهوم الحملات النفسية لإقناع غيره بإيذاء نفسه، وإذا كانت الحروب  الحديثة تعنى من وجهة النظر العسكرية والسياسية  أن ألمعارك تشمل كل الجهات  وكل ما أمكن  استخدامه من أسلحة ووسائل حديثة بالسرعة والكثافة التى يترتب عليها الحدة فى تغيير مواقف المعركة، فإنه من وجهة نظر العمليات النفسية تعنى فى مفهومها الشامل استخدام كل القوى المتاحة (سياسية / اقتصادية / عسكرية / اجتماعية ) لخلق موقف معين يؤدى استغلاله إلى تفتيت معنويات وإرادة العدو  وبشكل يجبره على قبول الشروط المفروضة عليه. 

 

ويختلط على البعض مفهوم العمليات النفسية مع مفهوم الحرب النفسية الذى يختلف اختلافا واضحا من حيث الأساليب والتكتيكات المستخدمة ونوعية البشر المستهدفين ولذلك يمكن لنا أن نوضح أن العمليات النفسية هى استخدام مخطط من دولة أو مجمـوعة دول للدعاية بإجراءات إعلامية موجهـــة إلى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على آرائها وعواطفها وسلوكها ومواقفها بطريقة تساعد على تحقيق سياسة وأهداف الدولة المخططة" ومن هنا هذا المفهوم يتضح لنا أن هناك أهدافا واضحة للعمليات النفسية منها أهداف اجتماعية الغرض منها تشكيك المواطن فى إدارة شئون الدولة أو التشكيك فى كفاءة القوات المسلحة والشرطة  ودق أسافين التفرقة بين طوائف المجتمع لا سيما وإن كان مجتمعا متماسكا له شكل وطابع الاتحاد والتمركز والدفاع عن الوطن  عند الشعور بالخطر، مثل المجتمع المصرى.

 

أما الأهداف السياسية للعمليات النفسية فأهمها تزييف الوعى السياسي للمواطنين، ومثال على ذلك ما تنتهجه بعض الدول مثل الدولة التركية  فى تصدير صورة لمواطنيها وكذا دول الوطن العربى نحو عدائها لدولة إسرائيل خلافاً لحقيقة ظاهرة واضحة ان حجم التبادل التجاري بين الدولتين يتخطى حاجز الأربعة مليارات دولار، وكذا التبادل الثقافي والسياحي، ولن أتكلم عن التعاون العسكري وتنفيذ المناورات الحربية المشتركة بينهما، وهو أمر لا يمكن أن نصدق معه أنهما فى حالة عداء إلا أن تصدير الصورة الذهنية للمجتمع العربي دائما يزيف الحقيقة، وعلى صعيد آخر تم تصدير الصورة الذهنية لصراع الدول الكبرى فى سوريا على أنها ذهبت بقواتها المسلحة لنجدة الشعب السوري وتحريره من ظلم الحاكم، وفى الحقيقة أن كل هذه الدول الكبرى كانت ولا تزال فى صراع حول إمكانية مد أنبوب الغاز الطبيعي من دولة قطر إلى أوروبا، أو مد أنبوب آخر من إيران إلى أوروبا ليتقاطع الأنبوبان المزعومان فى الأراضي السورية المنكوبة وهو ما اكتشفه العالم مؤخرا بعد الإعلان عن ثروات الغاز الطبيعي فى البحر المتوسط، فاختفى الصراع فى سوريا ولم نعد نسمع عنه شيئاً يذكر،  وحتى تتمكن العمليات النفسية من تحقيق أهدافها نجدها تعتمد على أربعة مبادئ رئيسية مهمة أولها "دقة المعلومة وفيها يكون المخطط للعملية لديه معلومات مؤكدة عن ما سيتم الترويج له، وثانيها " استغلال الحاجات وفيها يكون هناك استغلال لمشاعر الناس واحتياجهم لمتطلبات أساسية كالطعام، أو الخدمات، أو الحريات، كما تم التعامل فى سوريا المنكوبة كما أشرنا سابقاً، وثالثهما " التوقيت المناسب"، ويمكن أن نتذكر جميعاً فى بداية المواجهات مع الإرهاب فى مصر أننا كنا نجد بعد كل هجوم إرهابي على قواتنا المسلحة حملات ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي للتشكيك فى قدرة القوات المسلحة أو محاولات النيل من الشباب وحثهم على الهروب من التجنيد، ورابعها " الاستمرارية"، فلا يمكن للعمليات النفسية أن تنجح إلا إذا كانت هناك خطة للاستمرار فى حملات التشكيك الممنهجة والمتنوعة، فتجد حملات تشكيك فى مشروعات الدولة أو حملات لبث روح الإحباط في كل ما يتم إنجازه على أرض الواقع من مشروعات تنموية أو مشروعات قومية.

 

وعلى هذه الأسس والمبادئ الأربعة يتم التخطيط لحرب الشائعات التى تعتبر إحدى أذرع العمليات النفسية الناجحة وهى الأقدم والأعلى تأثيراً فى المجتمعات، ويمكننا أن نوجز مفهوم الشائعة فى الآتي خبر أو مجموعة أخبار زائفة  بها شيء من الحقيقة – كاذبة تماماً ) تنتشر في المجتمع بشكل سريع وتُتداول بين العامة طبقا لنوعها لتحقيق هدف معين رُوجت من أجله  ( إحباط - تكذيب – تسفيه – أمل – اغتيال معنوي" كما تعتمد الشائعات على أساس زمني، فتجد بعض الشائعات سريعة الانتشار وأخرى بطيئة، وأخرى غاصة، أي أنها تختفى وتظهر على فترات متباعدة، كما أنها دائما ما تعتمد على القابلية للإيحاء والاستعداد النفسي لتقبل اى أكاذيب إذا ما كانت تتماشى مع الوضع النفسي للفئة المستهدفة من الشائعة.

 

أما مفهوم الحرب النفسية فهو مختلف تماما مع مفهوم العمليات النفسية، ويمكن تعريفها بأنها " استخدام أى وسيلة دعائية إعلامية بهدف إحباط الروح المعنوية للمقاتلين (القوات المسلحة – الشرطة) " أى أن الحرب النفسية تستهدف الحالة المعنوية للعسكريين أو من يحملون السلاح للدفاع عن الوطن.

وعلى الرغم من أن العمليات – الحرب النفسية  قد تتشابه أشكالهما، إلا أن طرق وأساليب ووسائل الترويج لهما واحدة فى العصر الحديث وهى (مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما يستلزم التنبيه والتحذير منها فى تناقل الأخبار وتداولها ويتطلب مننا جميعا الحرص والحذر فيما  نقرؤه ونقوم بإعادة نشره دون تفكير، وأن نلتزم بالمواقع الإلكترونية والمنصات الرسمية للدولة لا سيما فيما يتعلق بموضوعات الأمن  القومى المصرى حرصاً منا على أمن وسلامة وطننا الغالي مصر.

نشر في عدد الهلال أكتوبر 2023

الاكثر قراءة