الأحد 28 ابريل 2024

دروس أكتوبر العظيمة

مقالات9-10-2023 | 18:30

يبقى شهر أكتوبر من أعظم الشهور في تاريخ الأمة العربية، هذا الشهر يبقى، وكما قال لي السيناريست المبدع الراحل أسامة أنور عكاشة، مهما لأنه شهد آخر ملاحم الوحدة العربية.

كانت حرب أكتوبر أو حرب رمضان كما كنا نسميها لتزامنها مع الشهر الفضيل، علاجا نفسيا للعرب والمسلمين في كل أنحاء العالم، لأنها مسحت دموعا ظلت على الخدود بعد نكسة 1967.
كان عمري عشر سنوات حين أقيم في المغرب، بحضور جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، استعراض لتجريدتين مغربيتين كانتا متوجهتين الى مصر وسوريا للمشاركة في الحرب العربية ضد إسرائيل.
في يوم الاستعراض تعطلت المدارس في مدينة الرباط عاصمة المملكة، باعتبارها مسرحا للحدث، بعد مرور خمسين عاما ما زلت أتذكر الحدث الذي كان مبعث فخر للكبار وكنا نحن الصغار ننسج حوله قصصا من وحي خيالنا، تعبيرا عن اعتزازنا، كما أوحى للمبدعين بأناشيد حماسية وكان الحناجر تردد "باسم العروبة والاسلام .. والقدس وسيناء والجولان".
بعد شهور من توديع جنودنا ووصولهم في أمان الله جرى التنسيق مع أشقائهم على كل جبهة قبل أن اندلاع الحرب التي رفعت الرؤوس.
في ليلة رمضانية لا تنسى علمنا عبر المذياع أن طبول الحرب دقت، ونقلت إذاعة الرباط حفلا دينيا ترأسه جلالة الملك الراحل جرى خلاله ترديد اللطيف والدعاء بالنصر للجنود العرب والمسلمين.
انتهى الحفل الديني وعادت نشرات الأخبار لتزف لنا بشرى الانجازات البطولية، وتتحدث عن تكبد العدو خسائر بشرية وفي العتاد وهي العبارة التي كانت توحد المحطات الإذاعية العربية التي كان التقاطها متاحا أنذاك.
لم يكن في بيتنا مثل الكثر من البيوت تلفزيون وكان الوالد رحمه الله يطوف بأسماعنا عبر المحطات الإذاعية الدولية، لنشبع نهمنا ونسمع مزيدا من الاخبار السعيدة، من هنا الرباط الى هنا القاهرة وهنا لندن و...
كان للنشرات وما تحمله من اخبار سارة مفعول السحر، لم نعد نرى سوى الابتسامة وهي تعلو الوجوه، كان للحديث عن النصر والافتخار به طعم خاص.
صحيح أني كنت صغيرا آنذاك، لكن الاهتمام بما هو وطني وقومي كان جزءا لا يتجزأ من التربية، لم يكن ذلك يقتصر على والدي رحمه الله، بل كان ذلك نهج كل الاباء في المغرب.
ان الاحتفال بملاحم أكتوبر يبقى مهما في نظري لأنه أهم حدث قومي مشرف للأمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففيه كان جنودنا على قلب رجل واحد، كانهم احرقوا الجوازات قبل التحضير للمعارك. وفي هذا الشهر العظيم امتزت دماء الشهداء الذين قدمتهم امتنا من أجل التحرير واخضاع قوات الاحتلال وداعميها.
درس اكتوبر الكبير ينبغي ان يلقن بأدق تفاصيله للأجيال المتعاقبة، لتثمن ما بذل لتتسلم وطنا منتصب القامة مرفوع الهامة.
نحن في حاجة ماسة لتوعية أبناء الأمة العربية، ليعلموا ان التشرذم والتمزق الذي يبرز اليوم بفعل فاعل، لن يصنع المستقبل الزاهر. فالوحدة التي كانت تطبع واقعنا العربي، هي التي صنعت تاريخها سيبقى مبعث فخرنا. 
أنجز جنودنا البواسل ما انجزوه واستحق من استشهدوا الدعاء بالرحمة والمغفرة، كما استحق من خرجوا من المعارك سالمين ومظفرين، الثناء والفخر الذي ينبغي ان يتواصل، وان يظل شعورنا عصيا وأكبر من ان تفعل به السنين والعقود وحتى القرون فعلها.

صحافي مغربي

Dr.Randa
Dr.Radwa