قليلة هي الكتابات حول الدراما الإذاعية وجمالياتها وقواعدها، رغم أن تراثنا الإذاعي ثري ورائد منذ بدأت الإذاعة المصرية الرسمية نهاية مايو 1934 أي منذ تسعين عاما وإلى اليوم.
وكان قد سبق ذلك مرحلة ليست بالقصيرة فيما كان يطلق عليه الإذاعة الأهلية كمراحل تجريبية قبل أن تستقر الإذاعة المصرية الرسمية وتبنى مراحل من الود والألفة مع المستمع المصري.
جاء إنشاء البرنامج الثقافي فيما أطلق عليه في البداية البرنامج الثاني عام 1957، كإضافة لكل المحطات الإذاعية التي توالى إنشاءها في إذاعتنا، فكان هدف البرنامج الثاني نشر الثقافة بكل أنواعها العلمية والأدبية والفنية والتاريخية، وأقدم عليها ولاشك كبار المثقفين المصريين لتقديم البرامج والتمثيليات الإذاعية والمسرحيات المصرية والمترجمة وقد خلف لنا هذا وعلى مدى وما زال تراثا إذاعيا نفخر به.
خضع هذا التراث لدراسات وأبحاث هامة في كليات الإعلام، ومما أفخر به أن دخلت هذه الدراسات إلى أكاديمية الفنون وتحديد المعهد العالي للنقد الفني عن طريق الباحثة ناهد الطحان المخرجة في البرنامج الثاني والدارسة الدؤوبة حصلت د ناهد الطحان على درجة الماجستير في موضوع "الخطاب السياسي في الدراما الإذاعية المصرية – إذاعة البرنامج الثاني نموذجا" ونشر في كتاب بنفس العنوان عن هيئة الكتاب 2020. درست في الفصل الأول القضايا السياسية في الإعلام المصري في فترة من هامة تحديدا من 1957 إلى 1973، فرصدت الكثير من المواد الإذاعية التي بثتها الإذاعة في تلك الفترة وجسدت الهم الوطني، مثل أغنيات مصر وسوريا لنجاة على، سوريا هي بلادي لعبد المطلب، شعب العراق لفايدة كامل، ومن الدراما مسلسلات: قصة التحرير إخراج السيد بدير، صور البطولة إخراج صلاح عزالدين، كفاح العرب إخراج فؤاد شافعي، في سبيل الحرية إخراج يوسف الحطاب.
وتتوقف بالدرس والتحليل عند بعض النماذج مثل مسرحية "الحرب" التي أُذيعت عام 1957، تأليف عبد الرحمن فهمي وإخراج صلاح عز الدين، ومسرحية "أبطال بلدنا" تأليف يعقوب الشاروني وإخراج محمد الطوخي عام 1959.
وفي مرحلة الستينات والسبعينات توقفت الباحثة عند مسرحية "الطوفان" كتابة محمد مصطفى وإخراج محمد حامد، "الرجل الذي يريد أن يضحك" وحيد حامد والشريف خاطر و"انتصار حورس" ترجمة د عادل سلامة وإخراج الشريف خاطر عن نص فرعوني وجد في منقوشة على جدران معبد إدفو.
وتخلص الدراسة لنتائج هامة تؤكد عمق الوعي الوطني في الإذاعة المصرية عامة والبرنامج الثقافي خاصة.
في بحث الدكتوراة اختارت دكتورة ناهد الطحان موضوعا جديدا عن الدراما الإذاعية بعنوان "المعالجات الدرامية لأدب ماركيز في الإذاعة المصرية" والمقصود بالطبع الكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماكيز، صدر الكتاب عن هيئة قصور الثقافة هذا العام.
حيث ترصد الباحثة ما قدم في إذاعة البرنامج الثقافي لكاتب نوبل عدة روايات وقصص قصيرة قدمها مترجمون ومعدون وكتاب بكل أمانة للمستمع المصري فكل التحية لجهود أجيال من الإذاعيين والفنانيين في مصر، ولو بيدي لقررت الكتابين على طلاب كليات الإعلام في جامعات مصر للإفادة من المعلومات الهامة والرصد العلمي الجادة الذي قامت به المؤلفة.