يوافق اليوم 15 أكتوبر ذكرى ميلاد «رفاعة رافع الطهطاوي» لسنة 1801م، الذي يُعد من قادة النهضة العلمية في مصر والوطن العربي، بل والجندي المحارب الباحث دائمًا عن أسس التعليم الصحيح والسليم داخل المدارس. ولنتعرف في السطور الآتية عن الدور الذي لعبه في تحقيق النهضة العربية، ورفع مستوى التعليم في مصر.
ولد «رفاعة» بمدينة طهطا بصعيد مصر، وسافر هو وأسرته إلى القاهرة وأتم هناك حفظ القرآن الكريم، ودارسة النحو واللغة، وعندما وصل إلى سن السادسة عشرة ألتحق «رفاعة» بالأزهر الشريف. ثم تخرج من الأزهر الشرف وهو في الحادية والعشرين من عمره. ولسعة أفقه اختاره «محمد علي باشا» ليكون إمامًا للبعثة العلمية المتجهة إلى فرنسا. وتعلم هناك الفرنسية بطلاقة، وترجم بعض الكتب الفرنسية، ومكنه ذلك من المقارنة بين الأساليب المستخدمة في التعليم الفرنسي والمصري.
وعاد إلى مصر بعد قضاء خمس سنوات من البحث والدراسة. وكانت هذه البعثة خير معين لرفاعة في حياته العلمية والعملية، حيث تمكن خلالها من وضع خطه وتصوب لِمَا يريد أن يقوم به من تطوير وإصلاح للتعليم داخل مصر. إلا أن نشاط «رفاعة» الزائد حول مشروعه الإصلاح اغضب عليه «عباس الأول» وقام بإغلاق مدرسة الألسن آنذاك، ونفي إلى السودان وظل هناك قرابة ثلاث سنوات. وفي عهد «سعيد باشا» عاد إلى مصر وأعاد فتح مدرسة الألسن مرة أخرى.
وقرر «رفاعة» بعد عودته بأربعة سنوات أن يؤسس لمدرسة تهتم بتعريب العلوم من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وسُميت هذه المدرسة باسم «مدرسة الألسن» وكانت مدة الدراسة بها أربع سنوات.
وكان «رفاعة» يتسم بعزمه القوي على العمل، فكان شديد النشاط في كل مراحل حياته، وأدى ذلك إلى عدم اقتناعه بعمله في الترجمة رغم كثرة ترجماته وعلمه الوفير بها، لذلك وجه نشاطه إلى قضية أسمى وأعمق وهي قضية التعليم، وكيفية النهوض بالتعليم في مصر؟
وعُيِّن رِفاعة عضوًا «بقومسيون المدارس»، واختص هذا العمل بالنظر في سياسات وأساليب التعليم، وأيضًا وضع النظم والقوانين والمناهج للمدارس. وامتد عمله أيضًا إلى التفتيش وامتحان القائمين على العملية التعليمية داخل المدارس ليتخير منهم الأفضل والأكفأ. وكان يسترشد في عمله هذا بما درسه من الكتب الفرنسية أثناء بعثته في فرنسا.
وترك لنا «الطهطاوي» أرثًا من التأليف والترجمة، منها: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين للبنات والبنين»، و«ديوان رفاعة الطهطاوي» و«نهاية الإيجاز فى سيرة ساكن الحجاز». و«التحفة المكتبية في القواعد والأحكام والأصول النحوية بطريقة مُرضية». وبلغ عدد الكتب المترجمة، سبعة كتب أشهرها «رواية تلايمك» المترجمة من الفرنسية إلي العربية.
وكان رفاعة أول من نادى بأحقية التعليم للإناث، ولكن سرعان ما انكمش هذا الحلم واقتصر فقط على إنشاء مدرسة تسمى «المُولِّدات والقابِلات». ولكن وسرعان ما تجدد الحلم في عهد إسماعيل باشا، وتم إنشاء أول مدرسة لتعليم الإناث على يد «جشم آفت هانم» إحدى زوجات الخديوي إِسماعيل سنة 1873م، وقبل إنشاء المدرسة بسنة واحدة أخرج رِفاعة كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين»، وكان هذا الكتاب بمثابة المنهج الذي أراد رفاعة ان يسير عليه التعليم مصر.
وينسب له أيضًا دوره الرائد في مجال الصحافة، حيث جعل الأخبار المصرية هي المادة الأولى والأساسية للجريدة الحكومية، وقام بإحياء المقال السياسي وذلك من خلال افتتاحيته التي كتبها بجريدة الوقائع.
ورحل «طهطاوي» عن عالمنا في 27 مايو 1873 عن عمر يناهز 72 عامًا.. محققًا في هذه السنوات القليلة أول نهضة عربية في التعليم عرفها التاريخ.