دخلت إلى مسجد الشرطة لتقديم واجب العزاء فىالمناضلة والأنسانة ليلى الشال وحينما تقدمت نحو المكان لتقديم واجب العزاء للدكتور رفعت السعيد، جاءتنى عبارة حاسمة من خلفى تقول إن مكان عزاء السيدات أسفل المسجد تجاهلت ماسمعته لدقائق قليلة واستمريت فى طريقى.
وبعد أن قدمت واجب العزاء للدكتور رفعت الذى تزيد معرفتى به على ٣٠ عامًا حتى الآن وله فى نفسى وعقلى معزة خاصة، لأنه عاملنى دائمًا كالأخت الصغرى ولا أقول ابنته المشاغبة.
توجهت إلى القبو أو القبر فى أسفل وهو المكان المخصص مكان عزاء السيدات ولا أعرف لماذا يخصص قبو أسفل الأرض كمكان لعزاء السيدات، وهل هناك علاقة بين هذا القبر فى أسفل الأرض ومدى تغلغل الفكر الوهاب والإقصائى للمرأة بتخصيص القبو للعزاء السيدات تبددت الملاحظة فورًا بالالتقاء بالعشرات من أسماء عرفتها هاهى أمينة شفيق - شهندة مقلد - فريدة النقاش - عواطف عبد الرحمن، د. ناهد يوسف - زينات العسكرى وأخريات كثيرات وعلى الفور تذكرت أيضًا فتحية العسال - إنجى أفلاطون - لطيفة الزيات - فاطمة زكى حرم الراهب نبيل الهلالى والذى تصورت فى البداية أنها زوجة المناضل زكى مراد لتشابه الأسماء، ولكن بعد معرفتهما الاثنتين فتحية وفاطمة . عرفت أنه تشابه اسماء وكذلك ثريا إبراهيم وغيرهن كثيرات من نساء اليسار المصرى .
كنت بالكاد قد اكملت عامى الخامس عشر حينما ذهبت إلى حزب التجمع أول مرة قبيل وفاة السادات، وكان الحزب يعج بالكثيرين وعرفت بعد ذلك أنهم من كبار مثقفى وسياسى ووزراء مصر لم نكن ندرك وقتها ونحن صغار أن هذه النخبة وبعضها اعتقله السادات سوف تقود المعركة ضده وسيستمروا فى المعارك حتى إسقاط مرسى.
هناك التقيت بها لأول مرة ليلى الشال زوجة د . رفعت دينامو حزب التجمع فى ذلك الوقت كانت الجدية تغلف وجهها ثم اكتشفت بعد ذلك كم الإنسانية والعطاء الذى تكنه هذه الشخصية لمن حولها، وكنت فى كل مرة التقيها اشعر أنها تخصنى بمودة حقيقية وتحمل مشاعر الأمومة فى كلماتها خاصة أننى كنت فقدت أمى ولم أكمل عامى الثامن.
أخذت أراقب هذا الجيل من السيدات عن بعد وكلهن قامات إنسانية وفكرية وثقافية ولا أنسى أناقة وشياكة إنجى افلاطون وأنها كانت ترسم ملابسها كاللوحة بجمال لافت للنظر، وكذلك رقى د. لطيفة فى ملابسها وضحكتها الشهيرة أو طول د. نوال السعداوى وابتسامتها الدائمة رغم الهجوم الدائم عليها - أو دقة ليلى الشال الدائمة فى مواعيدها وتقديسها لمسئوليتها كأم وكعضوة أيضًا فى حزب التجمع.
وبمرور الأيام عرفت أن الموعد المقدس لمغادرتها الحزب كان من أجل خالد وغادة لكى تنتظر عودتهما من المدرسة وتقوم بواجبها كأم نحوهما فى تفان تام وتقديس منقطع النظير ويبدو أن هذه المشاعر والسلوكيات ترسبت فى عقلى ووجدانى وحينما أصبحت أما لشابين، هما كريم وأيمن أصبح تقديس وقتهما وحياتهما لهما الأولوية على كل شىء فى حياتى بل وحتى الآن.
وقد قلت لهما ذلك فى آخر لقاء جمعنا قبيل ثورة ٣٠ يونيه فى ٢٠١٣ حينما كانت القوة الوطنية والنسائية وعلى رأسها ليلى الشال تجتمع كثيرًا للوقوف أمام الفاشية الدينية وحكم الإخوان.
كانت تقابلنى فى كل مرة بالابتسامة والضحكة وتسألنى عن أحوالى وحينما سألتها عن الأحفاد وجدتها تتحمل أيضا المسئولية، كما كانت مع خالد وغادة بدون تذمر أو شكوى بل على العكس بحب شديد وعطف على الأبناء ووقتهم وعملهم فى هذا الزمن، ورغم أنى عرفت بعد ذلك قصة الحب الكبير بينها وبين د. رفعت والتى يقترب منها فيلم حب فى الزنزانة الذى جسده ببراعة عادل امام وسعاد حسنى هى قصتها وتقترب منها إلا أننى عرفت فى نفس الوقت انها لم تنتم إلى الفكر التقدمى واليسارى من خلال الزوج أو الأب بمعنى التوريث مثلما هو الحال فى الأسماء التى عرفناها لتيار الإسلام السياسى، حيث اسماء وكوادر المرأة لديهم تأتى من الزوج والأب والأخ فعرفنا عزة الجرف وباكينام الشرقاوى بل وحتى حزب النور الآن العمل السياسى النسائى بالوراثة مثل عائلة بكار وحماد وغيرهما.
قارنت بين نموذجين المرأة فى اليسار والتى انتزعت حقها بنفسها بدون توريث ورغم ذلك فضلت الدور الثانى فى النضال لا تزاحم به والأسماء اللامعة الآن فى دنيا النضال السياسى والثقافى ليس عن قمع وإنما عن قناعة وتفان حقيقى أن الدور المساند اهم من الدور الاساسى للعمل السياسى وبين النماذج العائلية لتيار الاسلام السياسى بكل فصائله والذين استفادوا من نضال المرأة المصرية وحقها فى العمل وبين تكريس نموذج المرأة الوهابية التى تفضل تعليم المرأة لمناهج الحياكة والتفصيل وشئون الطبخ، وفى نفس الوقت تنزل الانتخابات وهى تغطى وجهها !
هذا هو الفارق بين القناعة الشخصية للمرأة بأهمية دورها المستقل بإنسانة متساوية الحقوق وبين الاقناع بدور التابع لتكملة الصورة الاجتماعية لمناضلى السلطة فى الاسلام السياسى.
مع أن الواقع يقول أن نماذج ليلى الشال وغيرها قدمن نموذجا صحيحا للمرأة بكل تراثها المصرى فى الحفاظ على أسرتها وتربية الابناء بدون ادعاء أو تذمر وأغلب ابناء ابنائهم ناجحون فى حياتهم للغاية، حتى وإن ابتعد الكثير منهم عن العمل السياسى المباشر مثل الأم أو الأب على عكس تيارات السلطة من الإسلاميين وغيرهم الذين كرسوا لمنهج التوريث فى الحياة فى الوظائف والمراكز والمناصب.
وعلى عكس الصورة النمطية التى يحاول البعض تكريسها للمرأة السياسية خاصة من اليسار بأنها «لا تهتم بنفسها وتهمل بيتها»بل وقليلة الحظ من الجمال.
ستجد جيل ليلى الشال وإنجى أفلاطون وفتحية العسال وغيرهن تجسد الصورة الحقيقية للمرأة المصرية التى تقدم أنثوتها وبيتها وأسرتها وحقها المستقل أيضا فى العمل والنضال فهذا لايتعارض مع ذلك.
فهل آن الأوان لكى يكتب أحد ويقدم لنا صورة لتفاصيل حياة المرأة التقدمية واليسارية من داخلهن ويقترب من هذا الملف الشائك لكى نقدم صورة أخرى للمرأة المصرية التى استفادت كل فئات المجتمع من نضالها للحصول على حق متساو حتى وصل الأمر بوزيرة ومرؤستيها يتنباذوا بالشبشب بدلا من المواجهة .
رحم الله ليلى الشال ومن سبقها من جيلها من المناضلات قدمن صورة مهمة لجيلى فى ضرورة الاهتمام بالأسرة والأبناء وعدم التنازل ايضًا عن حقنا المتساوى فى العمل اليومى والسياسى وعزائى للمناضل الإنسان د. رفعت السعيد وللمرأة اليسارية كما جسدتها ليلى الشال.
كتبت : إيمان رسلان