الأربعاء 27 نوفمبر 2024

مقالات

زمن الاحتيال العابر للقارات

  • 16-10-2023 | 17:47
طباعة

لا مراء في أن سقف المطالبة بالحريات آخذ في الارتفاع عالميا، بل يمكن القول إن هذا السقف لا حدود له، لكن مع ذلك لا ينبغي ألا ننظر إلى جزء واحد من الكأس.

 ففي زمننا هذا أضحت حرية الفرد تضيق أكثر مما يمكن تخيله، وربما دون وعي منا جميعا، هذا هو الجزء الآخر من الكأس الذي لا ننظر له دائما.

في نظري يعود السبب إلى توهمنا أن الولوج إلى العالم الافتراضي ينتقل بنا إلى عوالم مثالية، إذ نعتقد بكل سذاجة أن وسائل التواصل الاجتماعي جنة تعج بالملائكة، والواقع أننا نلج بمحض إرادتنا إلى منطقة أقل يمكن أن يقال عنها إنها منطقة الحرية الزائفة.

يبدو المرء، وبشكل خاص في بداية القرن الميلادي الثالث مزهوا بفتوحاته الإلكترونية، لكونها غيرت حياته، وانتقلت به من زمن الرتابة إلى آخر أكثر انفتاحا، بل يمكن القول إنه لا حدود فيه للانفتاح، ويوحي بأن الكل تمكن من جمع المجد من أطرافه، لهذا يتوهم كل فرد منا أن العالم صار بين يديه.

أنا لا أنكر إطلاقا ما أسداه ويسديه لنا العالم الافتراضي من خدمات، لكن لا ينبغي أن ننكر أن الداخل إلى هذا العالم موعود بالصدمات، ما لم يتوخ الحذر، وهو يتعامل مع مستوطنين، يهبون عليه من كل حدب وصوب، ويعرضون عليه خدماتهم دون طلب. 

نفتح الحسابات ونحن مطمئنون، وندلي بمحض الإرادة بكل المعطيات المطلوبة، وحتى غير المطلوبة أيضا، نغرد مثل البلابل، دون أن نتوقع إطلاقا أن العفوية المبالغ فيها، والتي صرنا نتعامل بها افتراضيا، وإن كنا نفتقدها على أرض الواقع قد توقعنا في أكثر من فخ.

أثبتت السنوات والأحداث أنه بقدر ما اتسع انفتاحنا تتقلص حريتنا في العالم الجديد، وتصبح معطياتنا أو على الأقل جزء كبير منها متاحا لمن يدفع أكثر، لجهة نجهلها، وهذا في نظري هو الجانب المقلق في العملية.

إن رقم الهاتف المحمول ملك لك، ومن حقك أن تتعامل به، وتتواصل به، وتسلمه لمن ترغب فيه، كما أنه من حقك ألا تسلمه لمن لا تريد التواصل معه، لكن ألا تحدث معك مفاجئات كأن يتصل بك ممثل شركة أو وكالة استطلاعات وغيرها، هل تتساءل كيف يجري التسلل إلى عالمك وانتزاع بعض من خصوصياتك؟ هل تساءلت هل جرى بيعك في السوق؟

قد نعتبر ما يحدث معنا مرارا وتكرارا أمرا عاديا، لكن ما معنى أن تتلقى عرضا للعمل دون أن تقدم طلبا، وأن تكون الجهة التي تتصل بك سخية من الناحية المالية، وتعرض عليك تعويضا ماليا قبل أن توافق على العرض، وقبل أن تقدم لك معطيات عما تسميه فرصة شغل ذهبيةِ؟

هل فردوس عالم التواصل الاجتماعي فتح لك أبوابه؟ وأرسل لك ملائكة لتنتقل بك إلى درجة أعلى في عالم المثل؟ هل وهل وهل...

إن محاولة طرح السؤال قد تعفيك عن الأجوبة، وتمكنك من النزول من عالم المثل الوهمي، إلى عالم كله وضاعة، واحتيال.

مرحبا أن اسمي... في الغالب يكون الاسم بصيغة المؤنث، تتلقى العرض ووعدا بتحقيق الأرباح مقابل دوام جزئي وإضافي في الوقت نفسه، هذا هو المقترح، أما المطلوب منك فهو أن تبيع الوهم للناس عبر تعليقات كاذبة مقابل بضعة دراهم.

في الغالب يكون رقم الجهة التي تتصل بك من الخارج ومن قارة أخرى، لتطلب منك التعليق على صفحات عملائها باعتبارك زبونا وهميا تتحدث بشكل إيجابي عن منتج أو دواء وتثمن تجربتك معه رغم أن لا وجود لها على أرض الواقع.

لهذا السبب نلاحظ أن من يتحدثون عن منتجات ويعددون مزاياها من جنسيات مختلفة، لأن من يجري استهدافهم بهذا الاحتيال من مختلف القارات، نحن بصدد احتيال عابر للقارات يتغيى الربح بكل الطرق، ومن غير المستبعد أن يكون أول الضحايا من باعوا ضميرهم ووثقوا في من يدعوهم للاحتيال فيصبحون من أول ضحاياه.

الاحتيال لا وطن له ومن سمح لنفسه ببيع الوهم لمريض، وهو يتحدث عن كون دواء ما آخر علاج له وأنه أضحى سليما معفى، وأن حياته تغيرت بفضل منتج لم يره إلا في الصور التي ترسل له ليعلق عليه، الحقيقي في ما يزعمه المتحدث أن حيات ستتغير أنه سيصبح من ضحايا المحتالين العابرين للقارات إياهم، وينتهي به المطاف ليصبح من ضحايا سحر كان من أصحابه لأن السحر ينقلب دائما على الساحر.

صحافي مغربي

أخبار الساعة

الاكثر قراءة