السبت 4 مايو 2024

في ذكرى وفاتها.. كيف حطمت الفاشية مي زيادة؟

مي زيادة

ثقافة17-10-2023 | 20:38

محمد جادالله

كانت «مي زيادة» التي تحل ذكرى وفاتها اليوم من عشاق الحرية، ومحبي السلام،  وكانت تقدس حقوق الإنسان كما عرفتها في دراستها المختلفة لشتى اللغات، وكانت تتألم لآلام الناس، وتحزن لحزنهم وتجزع لما يصل إليها من أنباء عن ظلم الطغاة من الحكام المستبدين. وقد غمرت أنباء الفاشية فؤادها بغاشية من ظلام قاتم، ناء عليه كالكابوس المخيف.

 

ولم يكن يسري عن نفسها إلا أحاديث تفوه بها في مجالها وتفضي بها إلى بعض أصدقائها،  وكتبت مقالًا في إحدى الصحف تحمل فيه على موسوليني – حاكم إيطاليا ما بين 1922 و1943 – وتندد بسياسية الفاشية القائمة على العسف والعدوان،  ووصل نص المقال إلى السفارة الإيطالية فأبلغته إلى حكومتها بروما، ومضت بضع سنوات كانت كافية لنسيان الأمر.

ولكن الحكومة الفاشية في إيطاليا لم تنس لمي هذه الحملات وهي الكاتبة الذائعة الذكر في البلاد العربية، وما كادت قدماها تلمس أرض إيطاليا وموطن موسلليني، حتى أحاطت بها العيون والأرصاد وحاصرتها الرقابة. وكانت اخبار هذه الرقابة تصل إليها في همس كهمزات الشياطين فتحدث أثرها في تلك النفس الرقيقة، وتعكر صفوها.

فمرة تصل إليها أنباء عن وشك اعتقالها وإرسالها إلى جزيرة من الجزر النائية، ومرة أخرى أنباء عن محاكمتها ثم إعدامها علانية. وهكذا حتى ضعفت اعصابها، وسقطت بما تحمل من هموم لا يتحملها الرجال.

ولجأت «مي» إلى السفارة المصرية ونقلتها خلسة إلى القاهرة، وعادت إلى بيتها وبين أهلها وأحبائها حيث الهدوء والاطمئنان، ولكنها لم تهدأ ولم تطمئن. كانت ترى في كل صوت نذيرًا، وتشعر من كل إنسان أمرًا مخيفًا، حتى وصلت بها الالتفاف ذات اليمين واليسار إذا انتقلت من غرفة إلى أخرى وهي في بيتها.

وإذا جلست إلى الطعام خافت منه وخشيت أن تتناول منه شيئًا يسد جوعها، حتى يقنعها أهلها بشتى الطرق بتناول منه شيء. وقد ألح عليها جنون الاضطهاد فوجدت له أمارات في كل ما يحيط بها. وازداد الأمر معها حدة، فكانت تقرأ مقالات «العقاد» التي يهاجم بها الوزارة فتشفق عليه، وطالبته أكثر من مرة الارجاع عن هذه الحملات، خوفًا عليه حتى لا يصيبه ما أصابها،  ولكن «العقاد» رفض ذلك وكتب إليها يقنعها بالواجب الذي يملي عليه ما يكتب، إلا أنها استمرت في مراسلته ليقف عند حد الشعر والأدب.

وذهب العقاد لزيادة «مي» في منزلها فاستقبلته بالترحيب ولكنه لم يجد بها «مي» التي يعرفها، لم يرها «مي» ربة الحكمة والأدب والجمال. فكانت شديدة الحذر والخوف والقلق، حتى أنها رفضت أن تشرب الماء من يد خادمها بعد طلبها له. وعاد «العقاد» من بيتها وهو لا يصدق ما أصابها، وظلت صحة «مي» تزداد سوءًا حتى توفيت، وقال فيها العقاد:

أين في المحفل مي يا صحاب ... عودتنا ههنا فصل الخطاب

عرشها المنبر مرفوع الجناب ... مستجيب حين يعدى مستجاب

أين في المحفل مي يا صحاب

Dr.Randa
Dr.Radwa