الإثنين 29 ابريل 2024

قمة السلام والحيرة في زمن الفتن

مقالات22-10-2023 | 13:03

في زمن الفتن يصاب العقل بارتباك كبير ويصبح ذو اللب حيران البال مؤرق هل أنا على الجانب الصحيح أم سرت طويلا في الطريق الخاطئ ولعل الأزمة في غزة من أصعب المواقف التي ستمر بها الأمة العربية والتي يبدو أن بعض أعضائها مصرا على تبني مواقف خاصة قد تتعارض مع بقية الأعضاء ما يزيد الحيرة وسط سباق للعب أدوار جديدة تتوه معها المصلحة العامة وتزداد الحيرة ويتعاظم الانقسام.

إن المعركة الدائرة في غزة والتي قد بدأتها حركة حماس بإيعاز ودعم من إيران التي تسعى إلى إلهاء الغرب عن مواجهتها وهي إلى الآن لم تعلن نفسها طرفا أصيلا في الحرب الدائرة التي يدفع ثمنها باهظا أبناء الشعب الفلسطيني الذين قدر لهم أن تكون تلك المعركة بين إيران والغرب على ساحة أرضهم ويستخدمون فيها وقودا لمساومة يلعبها النظام الإيراني حفاظا على مصالحه وحده دون تقييم للمخاطر الإقليمية المبنية على قراره.

ولعل جانب آخر بعيد عن الرأي العام العربي هو أن معركة غزة انعكاس ممتد للمعركة الأكبر وهي إعادة تشكيل النظام العالمي وإنهاء سيطرة القطب الأوحد على القرار الدولي وهو ما يفسر انخراط الولايات المتحدة والجوقة التابعة لها من دول أوروبا في الأزمة والإعلان دون مواربة أو خجل أنهم في صف واحد مع إسرائيل وهي بالطبع تمثل رمز الغرب الأكبر في المنطقة ومندوبتهم لتغيير ملامحه وإخضاعه.

من هنا يقع الرأي العام العربي في معضلة تتوخ فيها الحقائق وتتصاعد فيها سحب الشكوك عن الجدية في مواجهة عربدة إسرائيل وهو ما سينقلب بمرور الوقت إلى قوة غضب مدمرة يسعى إليها أطراف خارجية لاستكمال مخطط إعادة ترتيب المنطقة والذي تأجلت جولاته عقب ثورة 30 يونيو.. إذن الهدف المعلن هو المقاومة والبحث عن الحقوق لكن يريد البعض أن تكمل مصر ما بدأوه فهم أشعلوا المعركة وخلقوا حالة ضاغطة داخل الرأي العام العربي لدفع مصر إلى الانخراط في الحرب واستكمال مهمتهم التي بكل تأكيد يريدونها حرب استنزاف طويلة في المنطقة تسمح لهم بتغيير التركيبة الجيوسياسية الموجودة ودخول أطراق من خارج الإقليم كمحرك للمنطقة ومخطط لأهدافها.

وإزاء تلك المعضلة أدركت مصر مبكرا سعى دول شقيقة ورغبتها في لعب دور أكبر بكثير من قدرتها وتخيل بعضهم أن إقامة علاقات مع فصائل داخل فلسطين ومدها بالأموال والأماني يمكن أن يوفر لها مقعدا بين الكبار في وقت تعجز فيه عن حماية أراضيها .

من هنا جاء تحرك مصر السريع لإشراك المجتمع الدولي ووضعه أمام مسئوليته وتحركت الدبلوماسية المصرية سريعا لوضع النقاط على الحروف وإعادة كل إلى موقعه الصحيح ووقف العبث بمقدرات شعوب المنطقة ميلا لتلك الأجندة أو لهذه الأهداف فأعادت عريف الأحداث وأنها تخطت حدود الرد والدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعي والإبادة والتهجير وأنه لا مجال لإنفاذ مخططات لم تكن مصر يوما طرفا فيها ولا مساومة على مسار ارتضاه المجتمع الدولي يوما طريقا لحل أزمة القرن.

إن حديثي ليس لهؤلاء الذين يديرون الأزمة من بعيد ويوجهون الأضواء على مصر لتستكمل ما بدأوه وتورطوا فيه مع أشقائنا الفلسطينيين بل حديثي للمصريين أنفسهم أن ينتبهوا لما يدار وما يخطط له فمصر هي الهدف الأكبر من الأزمة الجارية وتجاهلوا كل هؤلاء الباكين بدموع التماسيح من حولكم فهم لا يريدون إلا أن يستكملوا المعركة بدمائكم وأن يحملوكم وزر ما أطلقوه من تحرك غير مدروس وغير مكتمل الرؤية لاستمرار استنزاف المنطقة التي مازالت تلملم جراحا ولا تغتروا بمن يغادر القاعة دون تحدث وكل العنتريات الفارغة التي يمارسها مطلقو هذه الجولة.

وعلى الرغم من كل ما سبق كانت مصر الأوضح في حديثها فلم تستخدم مصطلح المدنيين كما استخدمه غيرهم لتجنب إزعاج إسرائيل وأمريكا بل كانت مصر شديدة الوضوح في ضبط المصطلحات الجاري العبث فيها وتشتيت معناها في عقول شعوب المنطقة لتتحرك حركة عشوائية يسهل معها على أعدائنا تحقيق ما يصبون إليها من تثبيت سيطرة باتت محل شك حول العالم واختار أصحابها أن تبدأ رحلة إعادتها وترميمها من الشرق الأوسط.

ظرف عصيب لاشك تمر به الأمة التي يمزقها الألم لما يواجهه الفلسطينيون من بطش الآلة العسكرية وصفاقة مجتمع دولي قرر أن يدير ظهره أمام إبادة الفلسطينيين وتصفية قضيتهم لكن علينا أن ندرك أن كل تحرك لم تبدأه مصر وترعاه لا محالة ساقط مهما مر الوقت فلا شئ يمر في المنطقة إلا عبر مصر شاء من شاء وابى ومن أبي وستبقى مصر على عهدها دوما ثابتة على مجموعة من الخيارات وهي بناء توافق دولي يدعو إلى وقف الحرب الدائرة وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والعمل على إعادة تقييم نمط التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية لتكون استجابة المجتمع الدولي على قدر فداحة الحدث وأقول إلى كل المنظرين الذين أعلنوا فشل  قمة السلام قبل أن تبدأ إن مصر لم تعقدها إلا لتكون شاهدة عليكم فاضحة لمخططاتكم ولتكون الشعوب العربية على وعي تام بأن المخطط كبير والشركاء فيه كثر وهو ما فضحته كلمات بعض الوفود المشاركة أو تلك التي جاءت لتنسحب من القاعة في مشهد تمثيل محروق.

ويجب ان يدرك المصريون جميعا أن هذا هو المسار الذي ستسلكه مصر أما الذين يوزعون الأماني والشعارات الجوفاء فدعوه لينفذوا ما يشيعونه بأنفسهم فمجال الأراضي للأرض المحتلة مفتوح وبحرها مفتوح لمن أراد زحفا مقدسا يملأ به الفضائيات أما وإن فرض القتال على مصر دفاعا عن أرضها أولا ثم دفاعا عن مقدسات وكرامة فستكون الأبق دون دعوة أو تدبير في غرف مظلمة فغما حل الدولتين اليوم أو اختيار الفناء وتحرير كامل الأرض وإسرائيل تدرك ذلك بل تخشاه وكل عملنا اليوم هو زيادة الاصطفاف وغلق الآذان أمام المدعين والتحرك صفا واحدا وراء قيادة لا تخشى إلا الله أما المدعون فمصيرهم السقوط في بئر النسيان.

 

Dr.Randa
Dr.Radwa