الأربعاء 26 يونيو 2024

يؤكدون علي تراجع الأعمال التركية والهندية الرومانسية .. النقاد: استعادة الدراما المصرية مكانتها في هذا النوع من جديد

20-2-2017 | 14:01

تحقيق: عمرو والي

لأن الحب هو أسمى معانى الحياة ظل هو العنصر الرئيسى والأكثر تأثيرا عبر العديد من الأعمال الفنية فيما قدم الفن المصري علي مدار تاريخه أشهر وأروع الأعمال الرومانسية التي لاتزال محفورة فى أذهان الجمهور. وخلال السنوات الأخيرة أصبحت الرومانسية من العملات النادرة فى الدراما المصرية، باستثناء بعض الأعمال التي يمكن إحصاؤها علي أصابع اليد الواحدة وتم تقديمها على فترات متباعدة، و بالرغم من وجود كثير من الأعمال خلال فترة الستينيات وحتي أواخر السبعينيات إلا أن الحال اختلفت مع مطلع الثمانينيات وحتي الآن. حيث توارت أفلام الحب والرومانسية لصالح نوعيات أخرى بالتزامن مع انجذاب الجمهور المصري للاعمال المستوردة من تركيا والهند وكوريا، والتي قدمت تيمة الحب بصورة رئيسية، «الكواكب» تطرح تساؤلاً حول أسباب اختفاء الأعمال الرومانسية المصرية ؟ ومدى تحقيق الأعمال المصرية التي تم عرضها أخيراً نجاحاً لدى الجمهور؟ وما هو سر الانجذاب للأعمال التركية والهندية؟ وأبرز عوامل تميزها؟.

الحرفية والمهنية

يقول الناقد الفني طارق الشناوي إن كل الأفلام والمسلسلات بصفة عامة عبر التاريخ لا تخلو من قصة الحب والرومانسية، مشيراً إلى أن مشاهد مثل فاتن حمامة وعماد حمدي في «بين الأطلال»، شادية وصلاح ذو الفقار في «أغلى من حياتي»، شكري سرحان ومريم فخر الدين «في رد قلبي»، فاتن حمامة وعمر الشريف في «نهر الحب»، تعد من أشهر مشاهد الرومانسية على الإطلاق، لافتاً إلى أن فيلم «بين الأطلال» تحديداً راهن صناع السينما ومنهم عز الدين ذو الفقار على أن كل المشاهد الرومانسية فى الفيلم ستنقلب إلى مشاهد ضاحكة، ولن يتقبلها الجمهور، ولكن ما حدث هو العكس فكان الإقبال علي الفيلم كان ضخماً وعكس التوقعات.

وأضاف الشناوي أن النقطة الأساسية فى مسألة العمل الرومانسي هو كيفية صنعه بحرفية وإتقان وبشكل تكتمل فيه كل العناصر، مشيراً إلى أن فيلم مثل «حبيبي دائماً» من بطولة نور الشريف وبوسي يعد إحدى أيقونات ذلك النوع من الأعمال وجد له مخرجاً متميزاً هو حسين كمال، ومؤلفة هي كوثر هيكل، وموسيقي جمال سلامة، وكلها عناصر متكاملة أدت إلى نجاح الفيلم، لافتاً إلى أن غياب الأعمال الرومانسية فى الوقت الراهن يعود لطبيعة الزمن والمجتمع الذى فرض واقعاً جديداً وقضاياً مختلفة ومتنوعة، لافتاً إلى أن مسلسل مثل جراند أوتيل أو تحديداً فيلم مثل «هيبتا» استطاع أن يحقق طفرة قوية لمثل هذه النوعيات فى العصر الحديث خاصة وأنه قصة حب متعددة الأجيال من أطفال ومراهقين، وشباب وكبار السن، فيما مثل الفيلم حالة للتعبير عن كيانات اجتماعية وثقافية ونفسية هامة.

متغيرات الزمن

وأوضح الشناوي أن الفيلم مأخوذ عن رواية للكاتب محمد صادق استطاعت أن تنتشر بقوة خلال أوساط الشباب، وبالتالي فالجمهور متعطش لكل فن يتم تقديمه بصورة جيدة، مشددا على أن التعبير عن الحب فى أي عمل فني له علاقة بتغير الزمن ولاتوجد مشاعر أو وجدان بمعزل عن متغيرات الزمن، وبالتالي فالمشاعر تتغير وطريقة التعبير عنها تختلف بمرور الوقت والزمن الذى نعيش فيه، وهنا قد نجد أن استخدام ألفاظ أو تعبيرات فى زمن ما لاتصلح حالياً أو مستقبلاً.

وضرب الشناوي المثل بأغنية الفنانة الكبيرة أم كلثوم قائلاً " السيدة أم كلثوم عندما قدمت أغنية عزة جمالك فين، كان من الصعب أن تستمر أغنيتها للابد، لتقدم بعدها أغنية حب إيه اللي أنت جاي تقول عليه، وهكذا فطريقة التعبير عن الحب فى العمل الفني لابد أن ترتبط بشكل عصري بالزمن الذي نعيش فيه، ولا يوجد شكل مطلق يصلح لكل زمان".

ويرى الشناوي أن الأعمال التركية كانت عاملا أساسيا في تغيير الدراما المصرية من حيث استعادتها لروح الرومانسية التي كانت قد فقدتها في السنوات الأخيرة، عندما ظلت حبيسة دراما الحارات الشعبية والفقر والعشوائيات و«الأكشن»، وقد افتقد المشاهد المصري والعربي لتلك الرومانسية وبات يشتاق إليها، فوجد ضالته في الدراما التركية، وبدأت الهندية تدخل على الخط، مشيراً إلى أنه لولا هذه الرومانسية في الأعمال التركية لما استعانت بها القنوات الفضائية، معرباً عن توقعاته بوجود أعمال رومانسية أخرى خلال الفترة المقبلة استناداً على نجاح فيلم «هيبتا».

جمهور السيدات

وتشير الناقدة ماجدة خير الله إلى إن الأفلام الرومانسية أو التي تضم قصصاً للحب موجودة طوال الوقت، وليس من الضروري أن يكون الحب هو الموضوع الأساسي والوحيد لمثل تلك الأعمال، وتضرب مثالا بالموسم الحالي حيث قدم الفنان مصطفي قمر فيلم فين قلبي، كما شهد العام الماضي تقديم فيلم «هيبتا»، وعلى مستوى الدراما التليفزيونية يوجد الكثير من الأعمال منها قصة حب لجمال سليمان، وأريد رجلاً لإياد نصار.

وأضافت خير الله أن هناك حالة من الضغوط المجتمعية والحياتية على الجمهور الذى أصبح يعاني من مشكلات مثل نقص المياه أو قطع الكهرباء أو ارتفاع الأسعار، كل هذه الظروف الضاغطة على المتلقي يصعب معها تقديم عمل رومانسي يتحدث عن الحب للحب فقط، وكأن صناعه يعيشون فى كوكب آخر، لايمت للواقع بصلة، مشددة على أن العمل الفني عنصر متكامل ولا يوجد عمل يحتوي على قصص حب أو رومانسية بين البطل والبطلة فقط، ولكن يتم ربط أحداثه بالواقع، وهو ما حدث فى فيلم هيبتا علي سبيل المثال فنجد احدي البطلات انتحرت، وقام أحد الأبطال بإجراء عملية جراحية خطيرة.

وأوضحت خير الله أن ارتباط المشاهد المصري والعربي بالدراما التركية والهندية جاء جراء عدم ملامساتها للواقع الخاص بنا بأي شكل من الأشكال وهذه الدراما هي الأكثر قربا إلى عقلية وطبيعة المشاهد المصري الذي يميل إلى «الميلودراما»، وهناك فئة كبيرة من المجتمع تستقطبها مثل هذه الأعمال وتحديدا أولئك الذين لديهم نسبة ثقافة أقل، وأيضا «ربات البيوت» اللاتي يجدن في رومانسيات «الهندي والتركي» فرصة لتمضية أوقات فراغهن.

وأكدت خير الله أن المزاج الهندي يشترك مع المزاج العربي عموما في البحث عن قيم أخلاقية ظلت غائبة الآن عن واقعنا اليومي وفي الدراما العربية، مثل: الوفاء والتضحية والتسامح والصدق، كما أن ديكورات تلك المسلسلات وأزياء الممثلين التي تحتوي على الكثير من الألوان الزاهية، والارتباط بالموروث الثقافي والاجتماعي، كلها تمثل عوامل جذب للمشاهد، وفي النهاية الصورة الجيدة والمظهر اللافت تنجذب إليه العين.

السينما والأدب

فيما ترى الناقدة الفنية خيرية البشلاوي إن هناك حالة من المزاج الشعبي تتجه نحو التخلص تدريجياً من أفلام العنف والبلطجة التي تصدرت الأعمال الدرامية والسينمائية خلال الآونة الأخيرة، وما تضمنته من مشاهد عنف ودماء، مشيرة إلى أن صورة البلطجي ظلت لفترة طويلة فى الصدارة باعتباره بطل الشارع وبطل الشاشة، وحتي تلك القصص لم تخل من الجانب الرومانسي للحب، ولكن على المستوى الميلو درامي، وليس علي مستوى العواطف الرقيقة الناعمة.

وأضافت البشلاوي أن فكرة الأعمال الرومانسية بدأت تطفو على السطح مؤخراً لدى الجمهور المصري، وظهرت مع أعمال سينمائية مؤخراً مثل هيبتا، والذى كان على قدر كبير من التركيب والعمق، فلم تقتصر المسألة فقط على قصص حب بين الرجل والمرأة ، لافتة إلى أن فترات ازدهار هذا النوع من الفن اعتمدت بصورة أساسية على الرواية الأدبية، والقصة الرومانسية الحقيقية، واصفاً علاقة السينما والأدب بالعلاقة الرومانسية.

وأكدت البشلاوي أن الأعمال الرومانسية قد تتراجع فى وقت من الأوقات ولكن لا تموت أبدا لأن الحب في النهاية هو شعور إنساني، وجسر للتواصل بين البشر، ولاغني عنه فى أي عمل فني، موضحة أن ازدهار هذا النوع من الدراما فى السينما والتليفزيون مرتبط بظهور كتاب قادرين على نقل المشاعر الحقيقية الواقعية بين كافة أطياف المجتمع لاسيما الشباب الذي يعد هو الجمهور المستهدف فى السينما تحديداً ، معتبرة أن كل فترة من الفترات الزمنية يخرج عمل يعد هو البوصلة التي من الممكن أن يسير عليها صناع العمل، ومنها فيلم «هيبتا» الذى قد يصبح نقطة انطلاق لمزيد من الأعمال الرومانسية خلال الفترة المقبلة، ويشجع المنتجين على خوض التجربة بعد الإيرادات الكبيرة التي حققها.

تنوع وإبهار

وتسجل الناقدة الفنية ماجدة موريس ملحوظة مهمة وهى أن الدراما الهندية والتركية حققت نجاحات كبيرة مع بدايات عرضها فى الوطن العربي، مشيرة إلى أن القصص الرومانسية والاجتماعية بين الرجل والمرأة ينجذب إليها المشاهدون بصورة كبيرة، لاسيما وأنها تجسد عنصراً مفقوداً في تلك الأيام ، حيث ترغب كل امرأة في الحصول عليها لذا نجد أن أغلب المتابعين للدراما الهندية والتركية من الفتيات والسيدات، خاصة مع التعرف على العقبات التي تواجه الأبطال أثناء الأحداث من أجل الانتصار لحبهم.

وأضافت موريس أن الدراما المصرية على مدار تاريخها مليئة بالقصص والحكايات الثرية فى مختلف مناحي الحياة، إلا أن تركيزها مؤخراً علي الإثارة والتشويق والعنف جعل الرومانسي يتراجع، وفي نفس الوقت فكرة الإطلاع على ثقافة الغير وحب الاستطلاع شكلاً عاملاً حاسماً فى انجذاب المشاهد المصري لذلك النوع من الدراما، لافتة إلى أن الهند تحديداً تعتبر من البلاد الجميلة ومعظم المخرجين يركزون على المشاهد الطبيعية والألوان المبهجة في الهند وهذا يعد عامل جذب آخر للمشاهد، حيث يميل المشاهد للتعايش مع الأبطال ومع طول عدد الحلقات يحدث له نوع من التوحد مع الأبطال.

وأكدت موريس أن المشاهد فى الدراما التركية والهندية يهرب من هموم حياته ومجتمعه في مشاهده هذه الدراما الرومانسية ومتابعتها على الرغم من طوال مدة الحلقات التي قد تصيب بالملل، بالإضافة إلى عنصر اختيار الأبطال من حيث الشكل والمظهر والجمال والاناقة مما يجعل المشاهد من الجنسين ينجذب لمشاهدتها ، وعلى الرغم من هذه العناصر ترى موريس أن المشاهد المصري حدث له نوع من التشبع من تلك النوعيات القادمة من تركيا والهند، خاصة مع محاولات الدراما المصرية ابتكار مواسم جديدة على مدار العام.

نماذج مختلفة

وقال الناقد الفني نادر عدلي إن الإنتاج يلعب دوراً كبيراً فى عودة واختفاء تلك النوعية من الأعمال الفنية، مشيراً إلى أن الظروف الاقتصادية والسياسية التى تمر بها البلاد فى الفترة الأخيرة أثرت سلبيًا فى مجال التأليف، أهتم المؤلفون بتقديم القضايا التى تحاكى الواقع الذى نعيشه وبالتالى غابت المشاعر والرومانسية عن الشاشة.

وأضاف عدلي أن السنوات الماضية شهدت أعمالا فنية متعددة دارت فى ذلك الإطار ففي الدراما هناك مسلسلات مثل زي الورد الذى قدمه يوسف الشريف ودرة، وآدم وجميلة بطولة حسن الرداد ويسرا اللوزي، وقصة حب بطولة جمال سليمان وبسمة، وفى السينما فيلم هيبتا، وفيلم فين قلبي لمصطفي قمر، وفيلم سكر مر والذى قدمه مجموعة من الشباب.