بقلم : عاطف بشاي
هو فلاح مصري بدرجة فنان قدير ..يتمسك بأصوله الريفية .. وتتمسك أصوليته به .. ولا أقصد بالأصولية هنا التشدد الديني أو الأخلاقي .. ولكن سلوك الريفيين وعاداتهم وسجاياهم وتشبثهم بالتقاليد .. وهو يجمع بين الطيبة الفطرية والشهامة والصراحة المفرطة وإنكار الذات وتحمل المشاق والإخلاص وحميمية صداقته ويفي بكل ووعوده في عطاء أخاذ في زمن ضنين .. إذا كنت قبطياً حينما يهاتفك فإن تحية الاستهلال عنده التغني بترنيمة كنسية مداعباً .. وإذا كنت مسلماً يبادرك بتلاوة آية من الذكر الحكيم .. ويضحك فيكشف لك عن طفل برئ يعربد في أعماقه ويعاتبك عتاباً جميلاً إذا غضب منك ثم تصفو نفسه بعد دقائق معدودة .. ويناقشك بهدوء دون انفعال مهما كان الحوار عاصفاً ويتحدث بحب وود وكأنه يجلس تحت (جميزة) وينفخ فى ناى على شط ترعة.
خاض مشوار كفاحه الطويل بصبر وعزيمة وشق طريقه كمبدع كبير ومسئول كفؤ عمل متطوعاً بلا مقابل لأكثر من أربعين عاماً كمؤسس ومدير لجميعة سينمائية عريقة أدارها بحنكة واقتدار وديمقراطية دون أن يتذمر أو يشكو من ضعف الموارد أو قلة الإمكانيات .. وحمل على أكتافه مهمة التطوير والانتصار للفن السابع والغيرة عليه .. وعلى مستقبل السينما في مصر.
يأتي مهرجان جمعيته كل عام كحدث هام اكتسب تلك الأهمية من نزاهة وموضوعية وحيادية اللجان التي تشكل جوائزها والتي لا تزيد علي كونها شهادات تقدير .. ومع ذلك فإن فرحة الفنانين بالفوز بها لا تعادله فرحة ولا تساويها مادة .. فالمجاملة منتفية والتحيز لا مكان له ..
كان آخر تلك المهرجانات الدورة الثالثة والأربعين للسينما المصرية برئاسة المخرج السينمائي "سمير سيف" وعضوية "عاطف بشاي" و "رمسيس مرزوق" و"سهير المرشدي" و "صفاء الليثي" و"طارق الشناوي" و "ماجدة خيرالله و "مجدى الطيب" و "هاني لاشين" و "مجدي كامل" و"محمد عاطف" و "محمود محسن" .. وعرض من خلال المهرجان (يوم للستات) إخراج "كاملة أبو ذكري" و(الماء والخضرة والوجه الحسن) إخراج "يسري نصرالله" و(إشتباك) إخراج "محمد دياب" و(قبل زحمة الصيف) إخراج "محمد خان" و(نوارة) إخراج "هالة خليل" و(من ثلاثين سنة) إخراج "عمرو عرفة" و(هيبتا) إخراج "هادي الباجوري" و(زي عود الكبريت) إخراج "حسين الإمام" .. وتهدى الدورة إلى الذين رحلوا عن عالمنا في عام 2016 ومنهم "محمد خان" "محمود عبد العزيز" "كريمة مختار" "أحمد راتب" "حمدي أحمد" .. ومن مؤسسي جمعية الفيلم "أحمد الحضري" و"يعقوب وهبي" .
وقد شاهدت العروض كلها وحضرت المناقشات المختلفة الخصبة والمتوهجة والتي أثار بعضها جدلاً حاداً بين أعضاء لجنة التحكيم وبين الحضور أشهد أنه كان مثمراً ومخلصاً بفضل حسن الاختيار للأعضاء وللأفلام المختلفة والمتنوعة الاتجاهات.
وراء هذا الجهد الكبير ذلك الفنان الكبير المصور ورئيس جمعية الفيلم والمهرجان .. إنه "محمود عبد السميع" .