الأربعاء 3 يوليو 2024

الـــطـــــلاق الـــشـــرعــى

18-1-2017 | 13:50

بقلم – د. عباس شومان

ذكرنا في مقالة سابقة أن الطلاق هو الحل الأخير للزوجية المتعثرة التي لم تفلح محاولات إصلاحها في الإبقاء عليها، وقد شُرع الطلاق مع كرهه لما في استمرار مثل هذه الزوجية من ضرر وعنت يتنافى مع ما شُرع الزواج من أجله، فإنما شُرع الزواج للسكن والمودة والرحمة لا للقهر والظلم والبغضاء، يقول تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً»، فإذا فُقدت الرحمة وانعدمت المودة وحل محلهما ما يرهق النفس ويكدر الصفو؛ فلا جدوى من استمرار الزوجية على هذه الحال التي تضر ولا تنفع، ومن ثم شُرع الطلاق.

والطلاق ينقسم حسب تصرفات البشر إلى أقسام: فمنه الشرعي، ومنه البدعي، ومنه الرجعي، ومنه البائن؛ فالشرعي هو الطلاق الذي يوقعه الزوج على زوجته في طُهر لم يجامعها فيه، ويكون طلقة واحدة دون جمع للتطليقات الثلاث التي يمتلكها الزوج على زوجته أو اثنتين منهن مرة واحدة في مجلس واحد، فإن خالف الزوج فطلق زوجته في وقت حيضها أو في طُهر جامعها فيه أو طلقها أكثر من تطليقة في مجلس واحد؛ فهو طلاق بدعي يخالف ما شرعه الإسلام من ضوابط وأحكام تتعلق بالطلاق، وستكون لنا وقفة أخرى مع هذا النوع في مقالة لاحقة إن شاء الله تعالى. أما الطلاق الرجعي، فهو الطلاق الذي يكون دون الطلقة الثالثة؛ أي ما يطلق فيه الزوج زوجته طلقة أو اثنتين؛ حيث يكون للزوج الحق في استئناف الزوجية ومراجعة الزوجة ما دامت في عدتها التي تستغرق ثلاثة أشهر أو ثلاث حيضات بعد وقوع الطلاق. فإن انتهت العدة بعد الطلقة الأولى أو الثانية دون استئناف الزوجية؛ فقد بانت الزوجة وخرجت عن حكم الزوجية، ولا قدرة للزوج في هذه الحال على إعادتها إلى عصمته دون عقد ومهر جديدين، وتسمى هذه البينونة في هذه الحال بينونة صغرى؛ بمعنى أنه يمكن للزوج أن يتزوج طليقته التي أوقع عليها طلقة أو اثنتين زواجًا جديدًا بعقد جديد بشرط موافقتها وكأنه لم يتزوجها من قبل، مع احتساب ما أوقعه عليها من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته؛ فإن كانت البينونة الصغرى حدثت بعد الطلقة الأولى فإن المتبقي للزوج على زوجته طلقتان، وإن حدثت بعد الطلقة الثانية تبقى له طلقة واحدة. أما الطلاق البائن بينونة كبرى فهو الطلاق الذي يكون في الطلقة الثالثة؛ حيث لا يملك الزوج استئناف الزوجية ولا أمل له في إعادة زوجته السابقة إلى عصمته إلا إذا تزوجت من غيره زواجًا كاملًا، ثم مات عنها الزوج الثاني أو طلقها، يقول الله عز وجل: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، ثم يقول بعد هذه الآية مباشرة: «فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ».

والمطلقة طلاقًا رجعيًّا لا يجوز لها وهي في عدتها الإقدام على أي مشروع للخطبة أو الزواج لا تصريحًا ولا تلميحًا، فلا يحق لها رؤية خاطب ولا المواعدة على خطبة إلا بعد انتهاء العدة؛ وذلك لأنها في فترة العدة كأنها زوجة، بدليل قدرة الزوج على إعادتها إلى عصمته دون حاجة إلى عقد جديد، وبدليل آخر وهو أنها إن مات عنها زوجها وهي في عدتها كان لها نصيبها من ميراثه وكأنها لم تطلق، ولذا فإن تسرع المطلقة أو وليها في البحث عن خاطب في أثناء العدة أو مواعدته على إتمام الخطبة بعد العدة؛ يعد عملًا غير مشروع يقع فيه بعض الناس، فكما لا يجوز خطبة المتزوجة فكذلك المطلقة رجعيًّا. أما المطلقة طلاقًا بائنًا فلا يجوز لها بالإجماع أن تقبل خطبة صراحة؛ وذلك لأنها كالمطلقة رجعيًّا في حكم الزوجية حتى تنتهي عدتها، وغاية الأمر أن المطلق لا يملك استئناف زوجيته مع البائنة إلا إذا تزوجت من غيره زواجًا كاملًا، ثم يموت عنها زوجها أو يطلقها كما ذكرنا آنفًا. وقد اختلف الفقهاء حول تعريض من يفكر بالزواج من المطلقة طلاقًا بائنًا قبل انتهاء عدتها، كأن يقول لها مثلًا: متى تنتهي عدتك؟ أو إذا انتهت عدتك فليتك تخبريني، أو نحو ذلك؛ حيث تفهم من ذلك أنه يريد خطبتها بعد انتهاء العدة، والراجح أن هذا التلميح أو التعريض لا يجوز أيضًا. وسبب اختلاف الفقهاء في المسألة اختلافهم في قياس المطلقة ثلاثًا على من مات زوجها؛ حيث يجوز التعريض بخطبتها ولا يجوز التصريح؛ لقول رسولنا الأكرم - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس حين مات عنها زوجها: «إذا انقضت عدتك فآذنيني»، فلمَّا انقضت عدتها أخبرته فزوجها. ولما كانت المطلقة طلاقًا بائنًا أشبه بمن مات عنها زوجها في عدم إمكانية استئناف الزوجية؛ جعلها بعض الفقهاء كالمتوفى عنها زوجها في جواز التعريض بخطبتها قبل انتهاء عدتها دون تصريح، وترجع علة منع خطبة المطلقة طلاقًا بائنًا إلى أن مطلقها ما زال على قيد الحياة، ولعله يؤذيه حديث رجل أجنبي عن رغبته في الزواج من امرأة ما زالت في عدتها من طلاقه لها.