كتب ـ خليل زيدان
مع كل ما نكتشفه من كنوز الزمن الجميل في مجال الفن، سنظل نتعجب لبراعة محرري الفن بمجلة الكواكب في ذلك العصر، بل وبمعظم إصدارات دار الهلال، استوقفنا اليوم هذا التقرير الرائع الذي استخلصه المحرر من لسان الفنانة سامية جمال ، تكتب بنفسها عن هواية عادية، ولكن تلك الهواية تمكنت منها وجعلتها أسيرتها، وكادت أن تدخل السجن بسبب تلك الهواية، في السطور التالية نكشف ما كتبته سامية جمال بمجلة الكواكب في أبريل من عام 1960.
كدت أدخل السجن بسبب الورد ، نعم .. فأنا مجنونة بحب الورد ، أحس بضعفي أمامه ، ولا أستطع أن أتقدم في طريقي خطوة واحدة إذا رأيت وردًا دون أن أحصل على شئ منه ، بأي ثمن وبأي وسيلة ، حتى لو اضطررت إلى سرقته .. وإذا كان الفن هوايتي الأولى، فإن الهواية الثانية في حياتي هي جمع الزهور .
وأتذكر وأنا في بدء حياتي الفنية ، وأنا أسير في أحد شوارع القاهرة ، استوقفني منظر زهور غريبة في فاترينة أحد محال الورود ، فقد كان زهراً هولندياً ، ولم أستطع كبح جماح نفسي ، فدخلت المحل لأجد أن ثمن الزهرة الواحدة جنيهاً كاملاً ، وكان معي وقتئذ جنيهان .. ومع ذلك اشتريت زهرتين وعدت إلى بيتي سيراً على الأقدام.
ولكني لا أستطيع أن أنسى ذلك الحادث الذي وقع لي في القناطر الخيرية ذات يوم من أيام الربيع، فكلما أقبل الربيع تغمرني السعادة ، وتصبح القناطر الخيرية شيئاً مقدساً أزوره كلما استطعت .. استيقظت يوماً مبكراً واتجهت إلى القناطر ورحت أتنقل من حوض زهور إلى آخر، أقطف منها كل زهرة تلفت نظري ، حتى تجمعت في يدي صحبة جميلة حرصت على ألا يراني أحد وأنا أجمعها ، ولكن ماذا أفعل في صحبة من الأطفال كانوا في الطريق إلى مدرستهم وإذا بهم ينقضون عليّ صائحين : سامية جمال آهي .. وراحوا يرقصون ويقلدون سامية جمال الراقصة ، وقدم لي بعضهم كراساتهم لكي أوقع لهم فيها بإسمي ، ولم أجد بداً من توزيع الزهور عليهم حتى أتمكن من التوقيع لهم .. وبعدها اتجهت إلى أحواض الزهور أقطف منها مجموعة ثانية ، ولكنهم لم يتركوني ، بل أخذوا يتابعونني من حوض لآخر وهو يدوسون الزهور بأقدامهم .
وشاهد حارس الحديقة هذا المنظر فأسرع إلى الأطفال يفرقهم وهو يصرخ ، حتى إذا ما شاهدني صاح قائلاً :
ــ يا خبر !! وكمان بتسرقي الورد يا حرامية ؟ أنتِ مش عارفة عقوبة سرقة الورد إيه ؟ .. السجن يا حرامية ، ياللا قدامي على النقطة .. وعبثاً حاولت أن أفهم حارس الحديقة أنني أهوى الزهور ، فهو لا يعترف بهذه الهواية ، إنه لا يعترف بشئ إلا أن هذه الزهور في حراسته وعليه أن يقبض على من يسرقها .
وسرت أمامه كما طلب إلى النقطة ، وهناك عرفني الضابط على الفور ، فصرف الحارس ، واستمع إلى اعتذاري بضعفي أمام الورد ، ولكنه نصحني بألا أقدم على قطف الزهور من المرافق العامة مرة ثانية .. ولكن هل تعتقدون أنني استمعت للنصيحة ؟ .. أبداً .. فأنا لازلت أشعر بضعف أمام الورد ، ويبدو أنني كما يقول عبد الوهاب " علشان الشوك إللي في الورد بحب الورد".