حسين مروة
فى محاضرة للدكتور طه حسين ألقاها، منذ أيام قريبة، فى نادى الضباط فى القاهرة ، يقول : «إن الحرية غريزة أقوى وأشد التصاقاً بالفرد من العدل».
فهل لهذا الرأى سند من منطق الواقع الإنسانى؟
إذا نظرنا إلى هذا الأمر من جانب الغريزة- كما فعل الدكتور طه حسين - فأجدر أن يكون العكس هو الصحيح، أى أن العدل غريزة أقوى وأشد التصاقا بالفرد من الحرية.، وذلك أن علاقة الإنسان بالعدل، تنبثق من علاقته بغريزة حب البقاء نفسها، وهذه أعمق غرائز الإنسان أثرا فى شعوره، وتفكيره، وسلوكه جميعا، وهى كذلك أعرق غرائزه نسبا وتاريخا وأصالة ورسوخا.
وما معنى العدل فى جوهر الواقع؟ أليس هو هذه النعمة الأولى التى بها تطمئن غريزة حب البقاء وبها يستشعر الإنسان حلاوة الأمن وهناءة العيش؟
أليس فقدان الإنسان للعدل، معناه القلق على حياته، والخوف على بقائه، والجزع من أسباب الهلاك، تأتيه من ظالم أو غاضب؟ بلى، هذا هو معنى العدل، إذا نظرنا إلى جوهر العدل، فهو - إذا - ألصق من الحرية بغريزة حب البقاء ، وهو - إذا - أكثر ضرورة للإنسان وهو - بالأصح - أحق أن يظفر به الإنسان قبل ظفره بالحرية.
ولكن بقى سؤال خطير الشأن فى هذا الباب:
هل ترى ينفصل العدل عن الحرية، وتنفصل الحرية عن العدل؟ أعنى هل يكون الإنسان حرا حقا، وهو غير مستمتع بنعمة العدل الصحيح، وهل ترى يكون فى الناس عدل حق ولا تكون معه حرية؟ والجواب... ماذا يكون الجواب إلا ما تراه على «شفتى» السؤال نفسه؟
من كتاب " من أوراق طه حسين ومراسلاته " تاريخ الرسالة 1953 .